الكراجكي
اعلم أنه مما يدل أنه المنصوص بالامامة عليه ما نقله الخاص والعام من أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع نزل بغدير خم [١] ـ ولم يكن منزلا ـ ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالاجتماع، فلما اجتمعوا خطبهم ثم قررهم على ما جعله الله تعالى له عليهم من فرض طاعته، وتصرفهم بين أمره ونهيه بقوله: «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم»؟
فلما أجابوه بالاعتراف، وأعلنوا بالاقرار، رفع بيد أمير المؤمنين عليه السلام وقال ـ عاطفا على التقرير الذي تقدم به الكلام ـ: «فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» [٢] .
فجعل لأمير المؤمنين عليه السلام من الولاء في أعناق الامة مثل ما جعله الله له عليهم مما أخذ به إقرارهم، لأن لفظة «مولى» تفيد ما تقدم من التقرير من ذكر الأولى، فوجب أن يريد بكلامه الثاني ما قررهم عليه في الأول، وأن يكون المعنى فيهما واحدا حسبما يقتضيه استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم.
وهذا يوجب أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام أولى بهم من أنفسهم، ولا يكون أولى بهم إلا وطاعته فرض عليهم وأمره ونهيه نافذ فيهم، وهذه رتبة الامام في الأنام قد وجبت بالنص لأمير المؤمنين عليه السلام.
واعلم ـ أيدك الله ـ أنك تسأل في هذا الدليل عن أربعة مواضع:
أولها: أن يقال لك: ما حجتك على صحة الخبر في نفسه، فإنا نرى من يبطله؟
وثانيها: أن يقال لك: ما الحجة على أن لفظة «مولى» تحتمل «أولى» وأنها أحد أقسامها ؟
وثلاثها: إذا ثبت أنها أحد محتملاتها، فما الحجة على أن المراد بها في الخبر «الأولى» دون ما سوى ذلك من أقسامها؟
ورابعها: ما الحجة على أن «الأولى» هو الإمام، ومن أين يستفاد ذلك في الكلام؟
الجواب عن السؤال الأول:
أما الحجة على صحة خبر الغدير، فما يطالب بها إلا متعنت، لظهوره وانتشاره، وحصول العلم لكل من سمع الأخبار به، ولا فرق بين من قال: ما الحجة على صحة خبر الغدير؟، وهذه حاله، وبين من قال: من الحجة على أن النبي صلى الله عليه و آله حج حجة الوداع؟ لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة.
وبعد:
فقد اختص هذا الخبر بما لم يشركه فيه سائر الأخبار، فمن ذلك أن الشيعة نقلته وتواترت به، وقد نقله أيضا أصحاب السير نقل المتواترين به، يحمله خلف منهم عن سلف، وضمنه جميعهم الكتب بغير إسناد معين، كما فعلوا في إيراد الوقايع الظاهرة والحوادث الكائنة، التي لا يحتاج في العلم بها إلى سماع الأسانيد المتصلة.
ألا ترى إلى وقعة بدر وحنين وحرب الجمل وصفين، كيف لا يفتقر في العلم بصحة شيء من ذلك إلى سماع إسناد ولا اعتبار أسماء الرجال، لظهوره المغني، وانتشاره الكافي، ونقل الناس له قرنا بعد قرن بغير إسناد معين، حتى عمت المعرفة به، واشترك الكل في ذكره.
وقد جرى خبر يوم الغدير هذا المجرى، واختلط في الذكر والنقل بما وصفنا، فلا حجة في صحته أوضح من هذا.
ومن ذلك إنه قد ورد أيضا بالأسانيد المتصلة، ورواه أصحاب الحديثين [٣] من الخاصة والعامة من طرق في الروايات كثيرة، فقد اجتمع فيه الحالان، وحصل له البيان [٤] .
ومن ذلك أن كافة العلماء قد تلقوه بالقبول، وتناولوه بالتسليم، فمن شيعيٍّ يحتج به في صحة النص بالامامة، ومن ناصبي يتأوله ويجعله دليلا على فضيلة ومنزلة جليلة، ولم ير للمخالفين قولا مجردا في ابطاله، ولا وجدناهم قبل تأويله قد قدموا كلاما في دفعه وإنكاره، فيكون جاريا مجرى تأويل أخبار المشبهة وروايتها بعد الإبانة عن بطلاتها وفسادها، بل ابتدأوا بتأويله ابتداء من لا يجد حيلة في دفعه، وتوفره على تخريج الوجوه له توفر من قد لزمه الاقرار به، وقد كان إنكاره أروح لهم لو قدروا عليه، وجحده أسهل عليهم لو وجدوا سبيلا أليه.
فأما ما يحكى عن [ ابن ] [٥] أبي داود السجستاني [٦] من إنكاره له، وعن الجاحظ [٧] من طعنه في كتاب الثمانية [٨] فيه، فليس بقادح في الإجماع الحاصل على صحته، لأن القول الشاذ لو أثر في الاجماع، وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل مقدم الاتفاق، لم يصح الاحتجاج بأجماع ولا ثبت التعويل على اتفاق، على أن السجستاني قد تنصل من نفي الخبر [٩] .
فأما الجاحظ، فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة، وأقواله المتضادة المتناقضة، وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة، وأنواع السخف والمجانة، الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة، يمنع من الالتفات إلى ما يحكيه، ويوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه.
وأما الخوارج الذين هم أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام فليس يحكي عنهم صادق دفعا للخبر [١٠] ، والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل، ولم يزل القوم يقرون لأمير المؤمنين عليه السلام بالفضائل، ويسلمون له المناقب، وقد كانوا أنصاره وبعض أعوانه، وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين، فزعموا أنه خرج عن جميع ما كان يستحقه من الفضائل بالتحكيم، وقد قال شاعرهم:
كان علي قبــل تحكــيمــه ***** جلدة بين الــعــين والحـاجـب
ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحا لم يحتج به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى، حيث قال للقوم في ذلك المقام: «أنشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، غيري؟».
قالوا: اللهم لا، فأقر القوم به ولم ينكروه، واعترفوا بصحته ولم يجحدوه [١١].
فان قال قائل: فما باله لم يذكر في حال احتجاجه به تقرير رسول الله صلى الله عليه وآله للناس على أنه أولى بهم منهم بأنفسهم؟ ولم اقتصر على ما ذكر، وهو لا ينفع في الاستدلال عندكم ما لم يثبت التقرير المتقدم؟؟
وما جوابكم لم قال: إن المقدمة لم تصح، وليس لها أصل، وقد سمعنا هذا الخبر ورد في بعض الروايات وهو عار منها، فما قولكم فيها؟؟
قيل له: إن خلو انشاد أمير المؤمنين عليه السلام من ذكر المقدمة لا يدل على نفيها أو الشك في صحتها، لأنه قررهم من بعض الخبر على ما يقتضي الإقرار، بجميعه، اختصارا في كلامه، وغنى معرفتهم بالحال عن إيراده على كماله، وهذه عادة الناس فيما يقررون به. وقد قررهم عليه السلام في ذلك المقام بخبر الطائر [١٢] فقال: «أفيكم رجل قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم آبعث إلى بأحب خلقك إليك يأكل معي، غيري؟» ولم يذكر هذا الطائر.
وكذلك لما قررهم بقول النبي عليهم السلام فيه يوم ندبه لفتح خيبر وذكر لهم بعض الكلام دون جميعه اتكالا منه على ظهوره بينهم واشتهاره. [١٣]
فأما المتواترون بالخبر فلم يوردوه إلا على كماله، ولا سطروه في كتبهم إلا بالتقرير الذي في أوله، وكذلك رواه معظم أصحاب الحديث الذاكرين الأسانيد، وإن كان منهم آحاد قد أغفلوا ذكر المقدمة، فيحمل أن يكون ذلك تعويلا منهم على العلم بالخبر، فذكروا بعضه لأنه عندهم مشتهر، فإن (أصحاب الحديث) [١٤] كثيرا ما يقولون: فلان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله خبر كذا، ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصارا.
وفي الجملة: فالآحاد المتفردون بنقل بعضة لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجميعه على كماله.
الجواب عن السؤال الثاني:
وامّا الحجة على أن لفظة «مولى» تحتمل «أولى» وانها احد أقسامها، فليس يطالب بها أيضا منصف كان له أدنى الاطلاع في اللغة، وبعض الاختلاط بأهلها، لأن ذلك مستفيض بينهم، غير مختلف عندهم، وجميعهم يطلقون القول فيمن كان أولى بشيء أنه مولاه.
وانا أوضح لك أقسام «مولى» في اللسان لتعلمها على بيان.
اعلم ان لفظة «مولى» في اللغة تحتمل عشرة أقسام:
اولها: «الاولى»، وهو الاصل الذي ترجع إليه جميع الأقسام،قال الله تعالى: (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) [١٥] .
يريد سبحانه هي أولى بكم على ما جاء في التفسير [١٦] وذكره أهل اللغة [١٧] . وقد فسره على هذا الوجه أبوعبيدة معمر بن المثنى[١٨] في كتابه المعروف بالمجاز في القرآن [١٩] ، ومنزلته في العلم بالعربية معروفة، وقد استشهد على صحة تأويله ببيت لبيد [٢٠] :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ***** مولى المخافة خلفها وامامها [٢١] .
يريد أولى المخافة، ولم ينكر على أبي عبيدة أحد من أهل اللغة.
وثانيها: مالك الرق، قال الله سبحانه: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) [ إلى قوله تعالى ] (وهو كل على مولاه) [٢٢] .
يريد مالكه، واشتهار هذا القسم يغني عن الإطالة فيه.
وثالثها المعتق [٢٣].
ورابعها: المعتق [٢٤] ، وذلك أيضا مشهور معلوم.
وخامسها: ابن العم [٢٥] قال الشاعر [٢٦] :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا ***** (لا تنشروا بيننا) [٢٧] ما كان مدفونا [٢٨]
وسادسها: الناصر، قال الله عزوجل (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) [٢٩] .
يريد لا ناصر لهم [٣٠].
وسابعها: المتولي لضمان الجريرة ومن يحوز الميراث [٣١].
قال الله عز وجل: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا) [٣٢] .
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بالموالي ها هنا من كان أملك بالميراث، وأولى بحيازته [٣٣] .
قال الأخطل:
فأصبحت مولاها من الناس بعده ***** وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا [٣٤]
وثامنها:الحليف [٣٥] .
وتاسعها: الجار [٣٦]..
وهذان القسمان أيضا معروفان.
وعاشرها: الإمام السيد المطاع [٣٧] ، وسيأتي الدليل عليه في الجواب عن السؤال الرابع إن شاء الله تعالى.
فقد اتضح لك بهذا البيان ما تحتمله لفظة «مولى» من الأقسام، وأن «أولى» أحد محتملاتها في معاني الكلام، بل هي الأصل وإليها يرجع معنى كل قسم، لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره كان لذلك مولاه.
والمعتق لما كان أولى بميراث المعتق من غيره كان مولاه.
والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمله لجريرته، وألصق به من غيره كان مولاه.
وابن العم لما كان اولى بالميراث ممن هو أبعد منه في نسبه، وأولى أيضا من الأجنبي بنصرة ابن عمه، كان مولى.
والناصر لما اختص بالنصرة وصار بها أولى، كان لذلك مولى.
واذا تأملت بقية الأقسام وجدتها جارية هذا المجرى، وعائدة بمعناها إلى «الأولى»، وهذا يشهد بفساد قول من زعم أنه متى اريد بمولى «أولى» كان ذلك مجازا، وكيف يكون مجازا وكل قسم من أقسام «مولى» عائد إلى معنى الأولى ؟! وقد قال الفراء [٣٨] في كتاب «معاني القرآن» أن الولي والمولى في كلام العرب واحد [٣٩] .
الجواب عن السؤال الثالث:
فاما الحجة على ان المراد بلفظة «مولى» في خبر الغدير «الأولى» فهي أن من عادة أهل اللسان في خطابهم، إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره، فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم.
مثال ذلك: ان رجلا لو أقبل على جماعة فقال: الستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به، فإذا قالوا: بلى، قال لهم عاطفا على ما تقدم: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله عزوجل، فأنه لا يجوز ان يريد بذلك ألا العبد الذي سماه وصرح بوصفه دون ما سواه، ويجري هذا مجرى قوله: فاشهدوا أن عبدي فلانا حر، ولو أراد غيره من عبيده لكان ملغزا غير مبين في كلامه.
واذا كان الأمر كما وصفناه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يزل مجتهدا في البيان، غيرمقصر فيه عن الإمكان، وكان قد أتى في أول كلامه يوم الغدير بأمر صرح به، وقرر أمته عليه، وهو أنه أولى بهم منهم بأنفسهم، على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) [٤٠] ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» وكانت «مولاه» [٤١] تحتمل ما صرح به في مقدمة كلامه وتحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرح به في كلامه الذي قدمه، وأخذ إقرار أمته به دون سائر أقسام «مولى»، وكان هذا قائما مقام قوله «فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه»، وحاشى لله أن لا يكون الرسول صلى الله عليه وآله أراد هذا بعينه.
ووجه آخر:
وهو أن قول النبي صلى الله عليه وآله: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» لا يخلو من حالين: إما أن يكون أراد «بمولى» ما تقدم به التقرير من «الاولى»، أو يكون أراد قسما غير ذلك من أحد محتملات «مولى».
فإن كان أراد الأول، فهو ما ذهبنا عليه واعتمدنا عليه، وإن كان أراد وجها غير ما قدمه من أحد محتملات «مولى» فقد خاطب الناس بخطاب يحتمل خلاف مراده، ولم يكشف فهم فيه عن قصده، ولا في العقل دليل عليه يغني عن التصريح بمعنى ما نحا إليه، وهذا لا يجيزه على رسول الله عليه وآله إلا جاهل لا عقل له.
الجواب عن السؤال الرابع:
واما الحجة على أن لفظة «أولى» تفيد معنى الامامة والرئاسة على الامة، وفهو انا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلا من كان يملك تدبير ما وصف بأنه أولى به، وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه. ألا تراهم يقولون: إن السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية، والمولى أولى بعبده، والزوج أولى بأمرأته، وولد الميت أولى بميراثه من جميع أقاربه، وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره.
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) [٤٢] أنه أولى بتدبيرهم والقيام بامورهم، من حيث وجبت طاعته عليهم [٤٣] .
وليس يشك أحد من العقلاء في أن من كان أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد منهم، فهو امامهم المفترض الطاعة عليهم.
ووجه آخر:
ومما يوضح ان النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يوجب لأمير المؤمنين عليه السلام بذلك منزلة الرئاسة والامامة والتقدم على الكافة فيما يقتضيه فرض الطاعة، أنه قررهم بلفظة «أولى» على أمر يستحقه عليهم من معناها، ويستوجبه من مقتضاها، وقد ثبت أنه يستحق في كونه أولى بالخلق من أنفسهم أنه الرئيس عليهم، والنافذ الأمر فيهم، والذي طاعته مفترضة على جميعهم، فوجب أن يستحق أمير المؤمنين عليه السلام مثل ذلك بعينة، لأنه جعل له منه مثل ما هو واجب له، فكانه قد قال: من كنت أولى به من نفسه في كذا وكذا فعلي أولى به من نفسه فيه.
ووجه آخر:
وهو انا اذا اعتبرنا ما تحتمله لفظة «مولى» من الأقسام، لم نر فيها ما يصح أن يكون مراد النبي صلى الله عليه وآله إلا ما اقتضاه الإمامة والرئاسة على الأنام، وذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن مالكا لرق كل من ملك رسول الله صلى الله عليه وآله رقه، ولا معتقا لكل من أعتقه، فيصح أن يكون أحد هذين القسمين المراد، ولا يصح أن يريد المعتق لا ستحالة هذا القسم فيها على كل حال.
ولا يجوز أن يريد ابن العم والناصر، فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام ويقول لهم: من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه!! أو: من كنت ناصره فعلي ناصره!! لعلمهم ضرورة بذلك قبل هذا المقام، ومن ذا الذي يشك في أن كل من كان رسول الله صلى الله عليه وآله ابن عمه فإن عليا عليه السلام كذلك ابن عمه، ومن ذا الذي لم يعلم أن المسلمين كلهم انصار من نصره النبي صلى الله عليه وآله!! فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين عليه السلام بذلك دون غيره.
ولا يجوز أن يريد ضمان الجرائر واستحقاق الميراث، للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شيء من الأزمان
وكذلك لا يجوز أن يريد الحليف، لأن عليا عليه السلام لم يكن حليفا لجميع حلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله.
فاذا بطل ان يكون مراده عليه السلام شيئا من هذه الأقسام، لم يبق إلا أن يكون قصد ما كان حاصلا له من تدبير الأنام، وفرض الطاعة على الخاص والعام، وهذه هي رتبة الإمام، وفيما ذكرناه كفاية لذوي الافهام.
فصل وزيادة
فأما الذين ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ان يؤكد ولاءه في الدين، ويوجب نصرته على المسلمين، وان ذلك على معنى قوله سبحانه: (والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) [٤٤] وإن الذي أوردناه من البيان على ان بلفظة «مولى» يجب أن تطابق معنى ما تقدم به التقرير في الكلام، وأنه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام، يدل على بطلان ما ادعوه في هذا الباب، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام بخامل الذكر فيحتاج إلى أن يقف به في ذلك المقام يؤكد ولاءه على الناس، بل قد كان مشهورا، وفضائله ومناقبه وظهور علوّ مرتبته وجلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص والعام [٤٥].
على أن من ذهب في تأويل الخبر إلى معنى الولاء في الدين والنصرة، فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرئاسة، لأن إمام العالمين تجب موالاته في الدين، وتتعين نصرته على كافة المسلمين، وليس من حمله على الموالاة في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة، فكان المصير إلى قولنا اولى.
وليت شعري أنى يذهب البغض بذوي الرؤوس الخاوية لينهجوا هذا النهج من المطل والمماراة والالتفاف حول كلمة الحق، ألا رجعوا إلى أنفسهم فسألوها وماذا أراد رسول الله صلى عليه وآله وسلم بذلك وقد جمع له الحجيج من بقاع الارض المختلفة بهذا الجو اللاهب والشوق العارم للعودة إلى الأهل والخلان بعد أداء فرض الله تعالى وبعد وعثاء السفر، ألا لا مناص من الإجابة بأن الأمرأعظم وأشد مما ذهبوا إليه، بل وهل هي إلا الوصية والخلافة التي يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ولكنهم ينكرون حتى تكون حجة عليهم يوم القيامة حين يحق الحق ويبطل الباطل، وعندئذ يخسر المبطلون.
وأما الذين غلطوا فقالوا: إن السبب في ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير انما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وبين زيد بن حارثة، فقال علي عليه السلام لزيد: أتقول هذا وأنا مولاك؟! فقال له زيد: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله، فوقف يوم الغدير فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، إنكارا على زيد، واعلاماً له أن عليا مولاه [٤٦] !
فإنهم قد فضحهم العلم بأن زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام في أرض مؤته [٤٧] من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان [٤٨] ، وغدير خم إنما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بنحو الثمانين يوماً، وما حملهم على هذا الدعوى إلا عدم معرفتهم بالسير والأخبار [٤٩] .
ولما رأت الناصبة غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها، وزعمت أن الكلام كان بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين اسامة بن زيد [٥٠] ، والذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه ويكذبهم فيما ادعوه، ويبطله ايضا ما نقله الفريقان من أن عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال: بخ بخ لك يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة [٥١] ، ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رئاسته وإمامته على الأنام، وتصويب النبي صلى الله عليه وآله له في ذلك [٥٢] .
ثم احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به في يوم الشورى، فلو كان ما ادعاه المنتحلون حقا، لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى، وكان لهم أن يقولوا: أي فضل لك بهذا علينا؟! وإنما سببه كذا وكذا.
وقد احتج له أمير المؤمنين عليه السلام دفعات، واعتده في مناقبه الشراف وكتب يفتخر به في جملة افتخاره إلى معاوية بن أبي سفيان في قوله:
وأوجب لي الولاء معا عليكم ***** خليلي يوم دوح غدير خم [٥٣]
يـنـاديـهـم يـوم الغـديـر نــبــيـهــم ***** بخم فـأســمع بالــرسول مناديـا
فـقال: فــمن مــولاكـم وولـيكـم؟ ***** فـقالوا ولم يبدوا هناك التعامــيا
إلــهـــك مـولانــا وأنــت نـبـيــنــا ***** ولم تلق منا في الولايـة عاصيا
فـقـــال لــه: قــم يــا عـلـي فأنني ***** رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فـمـن كـنـت مــولاه فـهـذا ولـيــه ***** فـكـونوا له أنصار صدق مواليا
هـنــاك دعــا: الــلـهـم وال ولـيه ***** وكـن للذي عـــادى عليـا معاديا
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا حسان، لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك.
وهذا الأمر لا لبس فيه:
واما الذين اعتمدوا على أن خبر الغدير لو كان موجيا للامامة لأوجبها لأمير المؤمنين عليه السلام في كل حال، إذ لم يخصصها النبي صلى الله عليه وآله بحال دون حال، وقولهم: إنه كان يجب أن يكون مستحقا لذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنهم جهلوا معنى الاستخلاف والعادة المعهودة في هذا الباب.
وجوابنا ان نقول لهم: قد أوضحنا الحجة على أن النبي صلى الله عليه وآله استخلف عليا عليه السلام في ذلك المقام، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يخصص له الاستحقاق في الحال، والتصرف بعد الحال، ألا ترون أن الإمام اذا نص على حال له قوم بالامر بعد، أن الأمر يجري في استحقاقه وتصرفه على ما ذكرناه؟!
ولو قلنا: إن أمير المؤمنين عليه السلام يستحق بهذا النص التصرف والامر والنهي في جميع الأوقات على العموم والاستيعاب إلا ما استثناه الدليل ـ وقد استثنت الأدلة في زمان حياة رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا يجوز أن يكون فيه متصرف في الأمة [ غيره] [٥٤] ولا آمرناه لهم سواه ـ لكان هذا أيضا من صحيح الجواب.
فإن قال الخصم: إذا جاز أن تخصصوا بذلك زمانا دون زمان، فما أنكرتم أن يكون إنما يستحقها بعد عثمان؟
قلنا له:
أنكرنا ذلك من قبل ان القائلين بأنه استحقها بعد عثمان مجمعون على انها لم تحصل له في ذلك الوقت بيوم الغدير ولا بغيره من وجوه النص عليه، وإنما حصلت له بالاختيار، وكل من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من غير تراخ في الزمان، والحمدلله.
حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن ابراهيم السلمي الحراني رحمه الله قال: أخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي، قال: حدثنا حسين بن الحكم، قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبو داود الطهوي، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قام علي عليه السلام خطيباً في الرحبة وهو يقول: «أنشد الله امرأ شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذا يدي ورفعهما إلى السماء وهو يقول: يا معشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فلما قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، إلا قام فشهد بها».
فقام بضعة عشر بدريا فشهدوا بها [٥٥]، وكتم أقوام فدعا عليهم، فمنهم من برص، ومنهم من عمي، ومنهم من نزلت به بلية في الدنيا، فعرفوا بذلك حتى فارقوا الدنيا [٥٦] .
ومما حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة أنه كان يقول وهو بين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله بصفين ومعه الراية، في قطعة له أولها:
قـلـت لـمـا بـغـى الـعـــدو علينا ***** حســـبنــا ربــنـا ونعم الوكيل
حسبـنا ربـنا الذي فتـح الـبـصـ ***** ــرة بالامس والـحديث يطول
وعـــلــي إمــامـــنــا وأمــــــام ***** لــســوانـا أتــى بــه الـتـنـزيـل
يــوم قـال النبي: من كنت مو ***** لاه فهذا مولاه خـطـب جليـــل
إنــما قـاله النبــي علــــى الأًمـ ***** ــة حتم ما فـيه قال وقيل [٥٧]
——————————————————————————————
[١] . خم في اللغة: قفص الدجاج، فان كان منقولا من الفعل فيجوز أن يكون مما لم يسم فاعله من قولهم: خم الشيء إذا ترك في الخم، وهو حبس الدجاج، وخم إذا نطف، كله عن الزهري. قال السهيلي عن ابن اسحاق: وخم بئر كلاب بن مرة، من خمت البيت اذا كنسته، ويقال: فلان مفهوم القلب أي نقيه، فكأنها سميت بذلك لنقائها. قال الزمخشري: خم اسم رجل صباغ اضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة بالجحفة، وقيل: هو على ثلاثة أميال من الجحفة، وذكر صاحب المشارق أن خما اسم غيضة هناك وبها غدير نسب إليها؛ وخم موضع تصب فيه عين بين الغدير والعين، وبينهما مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال عرام: ودون الجحفة على ميل غدير خم وواديه يصب في البحر، لانبت فيه غير المرخ والثمام والأراك والعُشر، وغدير خم هذا من نحو مطلع الشمس لا يفارقه ماء المطر أبداً، وبه أناس من خزاعة وكنانة غير كثير. وقال الحازمي: خم واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب «مكة»: بئر خم قريبة من الميثب حفرها مرة بن كعب بن لؤي. انظر: معجم البلدان ـ خم ـ ٢: ٣٨٩.
[٢] . الحديث مروي في معظم كتب الحديث وبطرق لا يمكننا حصرها هنا، ولكن انظر: أمالي الصدوق: ٤٦٠، إرشاد المفيد: ٩٤، خصائص الرضي؛ ٤٢، الشافي الامامة ٢: ٢٥٨، الفصول المختارة: ٢٣٥، إعلام الورى: ٢٠٠ من طرق الخاصة؛ ومن طرق العامة: سنن ابن ماجد ١: ٤٣/ ١١٦ و ٤٥/ ١٢١، سنن ترمذي ٥: ٦٣٣/ ٣٧٦٣، خصائص الامام علي عليه السلام للنسائي: ٩٦/ ٧٩ و ٩٩/ ٨٣، مسند أحمد ١: ٨٤ و ٨٨، ٤: ٣٦٨ و ٣٧٢، ٥: ٣٦٦ و ٤١٩، تأريخ بغداد ٧: ٣٧٧ و ٨: ٢٩٠ و ١٢: ٣٤٣، اسد الغابة ٢: ٢٣٣ و ٣: ٩٣، الإصابة ١: ٣٠٤ مستدرك الحاكم ٣: ١٠٩ و ٣: ١١٠ و ١١٦، كفاية الطالب: ٦٤، ترجمة الامام علي عليه السلام من تأريخ دمشق ٢: ٥/ ٥٠١ ـ ٥٣١، الرياض النضرة ٢: ١٧٥، مناقب الامام علي عليه السلام للمغازلي: ١٦ ـ ٢٦، مصنف ابن أبي شيبة ١٢: ٥٩/ ١٢١٢١. وغيرها كثير.
[٣] . كذا في نسخنا، والاولى: الحديث.
[٤] . في نسخة «هـ» السببان.
[٥] . لم ترد في نسخنا، ولعله اشتباه وقع فيه النساخ.
[٦] . عبدالله بن سليمان الأشعث السجستاني، ويكنى بأبي بكر، ولد بسجستان في سنة ثلاثين ومائتين، أبوه صاحب السنن المعروف، أخذ عن أبيه، وطاف معه كثيرا من البلدان، وحضر دروس العديد من شيوخ أبيه حتى اعتبروه من كبار الحفاظ، إلا أنه يؤخذ عليه تجراه على الحديث نقل عن الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في سير أعلام النبلاء ١٣: ٢٢٢/ ١١٨: «قال عبدالرحمن السلمي: سألت الدار قطني عن ابن أبي داود فقال: ثقة، كثير الخطأ في الكلام على الحديث» وكذا نقل مثله في تذكرة الحفاظ ٢: ٧٧١. بل طعن فيه ابن عدي (٢٧٧ ـ ٣٦٥ هـ) في الكامل في ضعفاء الرجال ٤: ١٥٧٧ حيث قال: «سمعت علي اين عبدالله الداهري يقول: سمعت أحمد بن محمد بن عمرو بن عيسى كركر يقول: سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: ابني عبدالله هذا كذاب» وكان ابن صاعد يقول: «كفانا ما قال أبوه فيه. سمعت عبدالله بن محمد البغوي يقول له ـ وقد كتب إليه ابن داود رقعة يسأله عن لفظ حديث لجده لما قرأ رقعته ـ: أنت والله عندي منسلخ من العلم. سمعت عبدان يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: ومن البلاء أن عبدالله يطلب القضاء» انتهى.
[٧] . أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، له تصانيف كثيره، أخذ عن النظام، روى عن أبي يوسف القاضي، وثمانة بن أشرس، وروى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع.
خبيث مطعون فيه، لا يؤخذ بأقواله و لا يعتد بآرائه، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال ٣: ٢٤٧/ ٦٣٣٣، وفي سيرأعلام النبلاء ١١: ٥٢٦/ ١٤٩: «قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. قلت: وكان من أئمة البدع. وعن الجاحظ: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى عرفني أهلي!!. قلت: كان ماجناً قليل الدين.. يظهر من شمائله أنه يختلف» إنتهى. وقال الحافظ ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) في البداية والنهاية ١١: ١٩: «وفي سنة خمس وخمسين ومائتين توفي الجاحظ المتكلم المعتزلي، وإليه تنسب الفرقةالجاحظية لجحوظ عينيه، كان شنيع المنظر سيء المخبر، رديء الاعتقاد، ينسب إلى البدع والضلالات، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال، حتى قيل في مثل: يا ويح من كفره الجاحظ» إنتهى.
[٨] . رسالة من رسائل الجاحظ طرح فيها جملة من الآراء والمعتقدات الشاذة، نقضها أبو جعفر محمد بن عبدالله الإسكافي (ت ٢٤٠هـ) وهو من أكابر علماء المعتزلة ومتكلميهم حيث يندر أن تخلو كتبهم من آرائه، ويقال: إنه صيف سبعين كتابا في الكلام منها: «المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام» و «نقض العثمانية». وقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي جوانب متعددة من هذه الرسالة ونقضها. انظر: شرح نهج البلاغة ٧: ٣٦، ١٣: ٢١٥ ـ ٢٩٤، ١٦: ٢٦٤.
[٩] . قيل: إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وانما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدما، وقد حكي عنه تنصله من ذلك والتبرئ مما قذفه به محمد بن جرير الطبري. انظر: الشافي في الامامة ٢: ٢٦٤.
[١٠] . قال السيد المرتضى ـ رفع الله في الخلد مقامه ـ: «اما الخوارج فما يقدر أحد على أن يحكي عنهم دفعا لهذا الخبر، أو امتناعا من قبوله، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة، وهي خالية مما ادعي، والظاهر من أمرهم حملهم الخبر على التفضيل وما جرى مجراه من ضروب تأويل مخالفي الشيعة، وانما آنس بعض الجهلة بهذه الدعوى على الخوارج ما ظهر منهم فيما بعد من القول الخبيث في أمير المؤمنين عليه السلام، فظن أن رجوعهم عن ولايته ولم يزل القوم يقرون لأمير المؤمنين عليه السلام بالفضائل، ويسلمون له المناقب، وقد كانوا أنصاره وبعض أعوانه، وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين، فزعموا أنه خرج عن جميع ما كان يستحقه من الفضائل بالتحكيم، وقد قال شاعرهم:
كان علي قبــل تحكــيمــه ***** جلدة بين الــعــين والحـاجـب
ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحا لم يحتج به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى، حيث قال للقوم في ذلك المقام: «أنشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، غيري؟». يقتضي أن يكونوا جاحدين بفضائله ومناقبه .انظر: الشافي في الامامة ٢: ٢٦٤.
[١١] . انظر المناقب ـ للخوارزمي ـ: ٢٢٢، وشرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ ٦: ١٦٧، ومناقب الامام علي عليه السلام ـ للمغازلي ـ:١١٢/ ١٥٥.
[١٢] . حديث الطائر وقصته من الشهرة والتصديق بشكل لا يخفى وقد نقلته كثير من مصادر الحديث بأسانيد وطرق مختلفة، وفي كلها إقرار بأفضلية أمير المؤمنين عليه السلام دون غيره من الصحابة. انظر: سنن الترمزي ٥: ٦٣٦/ ٣٧٢١، تأريخ بغداد ٣: ١٧١و ٩: ٣٦٩، حلية الأولياء ٦: ٣٣٩، الرياض النضرة ٣: ١١٤، مستدرك الحاكم ٣: ١٣٠، المناقب ـ للمغازلي ـ: ١٥٦ـ ١٧٤، ترجمة الامام علي عليه السلام من تأريخ دمشق ٢: ١٥١، تذكرة الخواص: ٤٤.
[١٣] . هاتان المناشدتان بحديث الطائر وندبه عليه السلام لفتح خيبر وردتا في سلسلة مناشداته لأصحاب الشورى بعد إصابة عمر بن الخطاب وطرحه جملة من الأصحاب قبالة أمير المؤمنين عليه السلام بما يسمى بأصحاب الشورى. انظر: مناقب الامام علي ـ للمغازلي ـ: ١١٢/ ١٥٥، المناقب ـ للخوارزمي ـ: ٢٢٢، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ ٦: ١٦٧.
[١٤] . في نسخة «ف» الأصحاب.
[١٥] . الحديد ٥٧: ١٥.
[١٦] . تفسير الطبري ٢٧: ١٣١، الكشاف ٤: ٦٤، زاد المسير الكبير للرازي ـ ٢٩: ٢٢٧.
[١٧] . معاني القرآن ـ للفراء ـ ٣: ١٣٤، معاني القرآن ـ للزجاج ـ ٥: ١٢٥، الصحاح ـ ولي ـ ٦: ٢٥٢٨.
[١٨] . معمر بن المثنى التيمي، تيم قريش، أو تيم بني مرة على خلاف بينهم، وهو على القولين معا مولى لتيم، وقد اختلفوا في مولده، ولعل الأقرب إلى الصحة أنه ولد سنة ١١٠هـ، ولم تذكر المراجع اين ولد، إلا أنها تصفه في عداد علماء البصرة، ارتحل إلى بغداد سنة ثمانية وثمانين ومائة حيث جالس الفضل بن الربيع وجعفر ابن يحيى وسمعا منه، وتكاد تتفق كلمات أصحاب المراجع على أنه كان من الخوارج، وأنه كان يكتم ذلك ولا يعلنه، ولكن يبدو أنهم اختلفوا في الفرقة التي ينتمي إليها، فمنهم من يقول: إنه كان صفريا، في حين يذهب الآخرون إلى أنه كان من الإباظية. عاصر من علماء اللغة: الأصمعي وأبا زيد، وله معهم مناظرات متعددة، كان يرجحه الباحثون في كثير منها عليهما. توفي نحو سنة ٢١٠ هـ، وقيل: لم يحضر جنازته أحد لأنه كان شديد النقد لمعاصريه. انظر: فهرست النديم: ٥٩، تأريخ بغداد ١٣: ٢٥٤، معجم الادباء ٩: ١٥٤ تذكرة الحفاظ ١: ٣٧١.
[١٩] . مجاز القرآن ٢: ٢٥٤.
[٢٠] . لبيد بن ربيعة العامري، من شعراء المعلقات، أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وأسلم وحسن إسلامه، يصفه المؤرخون بأنه ذو مروءة وكرم مشهود، عاش بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى زمن عثمان بن عفان، يقال: إن عمر بن الخطاب كتب إلى واليه في الكوفة المغيرة إن يستنشد من بالكوفة من الشعراء بعض ما قالوه في الاسلام، فلما سأل لبيدا قال له: إن شئت من أشهار الجاهلية، فقال: لا فذهب فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال: أبدلني الله هذه في الاسلام مكان الشعر. انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري.
[٢١] . من معلقته التي يقال إنه انشدها النابعة فقال له: اذهب فأنت أشعر العرب، ومطلعها:
عفت الديار محلها فمقامها ***** بمنى تابد غولاها فرجامها . انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري: ١٦٣/ ٥١.
[٢٢] . النحل ١٦: ٧٥ـ ٧٦.
[٢٣] . أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ٥: ١٦٦، الصحاح ـ ولي ـ ٦: ٢٥٢٩، وفي الحديث: نهى عن بيع الولاء وعنه هبته.
[٢٤] . أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ٥: ١٦٦، الصحاح ـ ولي ـ ٦: ٢٥٢٩.
[٢٥] . مجاز القرآن ـ١: ١٢٥، أحكام القران ـ للجصاص ـ ٢: ١٨٤، تفسير الطبري ٥: ٣٢.
[٢٦] . هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وكان أحد شعراء بني هاشم المذكورين وفصحائهم، وكان شديد الأدمة، ولذلك قال: وأنا الأخضر من يعرفني؛ كان معاصرا للخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، وله أشهار متناثرة في بطون الكتب. انظر: الاغاني ـ لأبي الفرج ـ ١٦: ١٧٥.
[٢٧] . في المصادر: لا تظهرن لنا.
[٢٨] . انظر: مجاز القرآن ١: ١٢٥، أحكام القرآن ـ للجصاص ـ ٢: ١٨٤، تفسير الطبري ٥: ٣٢.
[٢٩] . محمد(ص) ١١:٤٧.
[٣٠] . تفسير الطبري ٣٠:٢٥، زاد المسير ٤٠٠:٧، التفسير الكبيرـ للرازي ـ ٥٠:٢٨، أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ١٦٦:٥.
[٣١] . في نسخة «هـ» الميزان.
[٣٢] . النساء ٣٣:٤.
[٣٣] . معاني القرآن ـ للزجاج ـ ٤٦:٢، تفسير الطبري ٣٢:٥، مجاز القرآن ١٢٤:١، تفسير الرازي ٨٤:١٠، أحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ١٦٧:٥، تفسير ابن جزي:١١٨، زاد المسير ٧١:٢.
[٣٤] . من قصيدة له في مدح عبد الملك بن مروان الاموي، يقول فيها:
فما وجدت فيها قريش لأمــرها ***** أعـف واولــى من ابـيـك وأمجــدا!!
واورى بـزنـديه ولو كان غيـره ***** غداة اختلاف الناس ألوى وأصلد !!
والأخطل هو: غياث بن غوث بن الصلت بن الطارقة، ويقال: ابن سيحان بن عمرو بن الفدوكس بن عمرو بن تغلب، ويكنى أبا مالك، والأخطل لقب غلب عليه، ذكر أن السبب فيه أنه هجا رجلا من قومه، فقال له: يا غلام أنك لأخطل؛ إن عتبة بن الزغل حمل حمالة فأتى قومه يسأل فيها، فجعل الأخطل يتكلم وهو يومئذ غلام، فقال عتبة: من الغلام الأخطل، فلقب به، وقيل غير ذلك. كان نصرانياً من أهل الجزيرة، برع في الشعر حتى عدوه هو وجرير والفرزدق طبقة واحدة، وهو كما يعدونه من شعراء بني امية. انظر: الأغاني ٨: ٢٨٠.
[٣٥] . قال النابغة الجعدي:
موالي حلف لا موالي قرابة ***** ولكن قطينا يسألون الأتاويا
يقول: هم حلفاء لا أبناء عم. وقول الفرزدق:
فلو كان عبد الله مولى هجرته ***** ولكن عبد الله مولى مواليا
لأن عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف، والحليف عند العرب مولى. انظر: الصحاح ـ ولي ـ ٢٥٢٩:٦.
[٣٦] . الصحاح ٢٥٢٩:٦.
[٣٧] . الصحاح ٢٥٣٠:٦.
[٣٨] . يحيى بن زياد بن عبد الله الأسلمي الديلمي الكوفي، مولى بني أسد، المعروف بالفراء، أبو زكريا، أخذ عن أبي الحسن الكسائي، وكان فقيها عالما بالخلاف وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها، عارفا بالطب والنجوم، متكلما يميل إلى الاعتزال، وكان يتفلسف في تصانيفه ويستعمل فيها ألفاظ الفلاسفة، وقيل: إنه لقب بالفراء لأنه كان يفري الكلام، توفي في طريق مكة سنة سبع ومائتين، وقد بلغ ثلاثاً وستين سنة، وقيل: مات ببغداد. من تصانيفه: كتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف، معاني القرآن، المصادر في القرآن، اللغات، الوقف والابتداء، وغيرها. انظر: معجم الادباء ٢٠: ٩/ ٢، الانساب ٢٤٧:٩، شذرات الذهب ١٩:٢.
[٣٩] . معاني القرآن ٥٩:٣.
[٤٠] . الأحزاب ٦:٣٣.
[٤١] . في نسخة «هـ» مولى.
[٤٢] . الأحزاب ٦:٣٣.
[٤٣] . تفسير الطبري ٧٧:٢١، الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ١٢٢:١٤، التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ ١٩٥:٢٥، زاد المسير ـ لابن الجوزي ـ ٣٥٢:٦.
[٤٤] . التوبة ٧١:٩.
[٤٥] . ذكر ابن حجر في إصابته ٢: ٥٠٧ ـ بعد سرده لجانب من فضائله ومناقبه عليه السلام ـ: «ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي».
[٤٦] . انظر: العقد الفريد ٥: ٣٥٧.
[٤٧] . مؤتة ـ بالضم ثم واو مهموزة ساكنة، وتاء مثناة من فوقها، وبعضهم لا يهمزه ـ قريه من قرى البلقاء في حدود الشام، وقيل: مؤتة من مشارف الشام، وبها كانت تطبع السيوف وإليها تنسب المشرفية في السيوف. انظر: معجم البلدان ٥: ٢١٩.
[٤٨] . نقلت كافة كتب التاريخ والسير والحديث بلا أي خلاف بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثة إلى مؤتة في جمادى الاولى من سنة ثمان للهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله ابن رواحة، واستشهدوا هناك في تلك السنة واحد بعد الآخر. انظر: تأريخ الامم والملوك ـ للطبري ـ ٣: ٣٦، الكامل في التأريخ ـ لابن الاثير ـ مروج الذهب ـ للمسعودي ـ ٣: ٣٠/ ١٤٩٣، المغازي ـ للواقدي ـ ٢: ٧٥٥، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤: ١٥، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٣: ٤٥٥، معجم البلدان ـ للحموي ـ ٥: ٢١٩.
[٤٩] . إنه لأمر غريب فعلا أن يحدث هذا الخط الفاضح، الذي يبدو مستهجنا ممن يملك أدنى معرفة بشيء من التأريخ، ناهيك بمن يتجرأ ليكتب التأريخ، ويسطر فيه الوقائع والحقائق.
[٥٠] . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥: ٢٢٨، السيرة الحلبية ٣: ٢٧٧.
[٥١] . انظر: مسند أحمد ٤: ٢٨١، الفضائل ـ لأحمد بن حنبل ـ: ١١١/ ١٦٤، مصنف ابن أبي شيبة ١٢: ٧٨/ ١٢١٦٧، تأريخ بغداد ٨: ٢٩٠، البداية والنهاية ٥: ٢١٠، المناقب ـ للخوارزمي ـ ٩٤، كفاية الطالب: ٦٢، فرائد السمطين ١: ٧١/ ٣٨.
[٥٢] . انشد حسان بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم وال من والاه….:
يـنـاديـهـم يـوم الغـديـر نــبــيـهــم ***** بخم فـأســمع بالــرسول مناديـا
فـقال: فــمن مــولاكـم وولـيكـم؟ ***** فـقالوا ولم يبدوا هناك التعامــيا
إلــهـــك مـولانــا وأنــت نـبـيــنــا ***** ولم تلق منا في الولايـة عاصيا
فـقـــال لــه: قــم يــا عـلـي فأنني ***** رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فـمـن كـنـت مــولاه فـهـذا ولـيــه ***** فـكـونوا له أنصار صدق مواليا
هـنــاك دعــا: الــلـهـم وال ولـيه ***** وكـن للذي عـــادى عليـا معاديا
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا حسان، لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك. انظر: كفاية الطالب: ٦٤، المناقب ـ للخوارزمي ـ : ٨٠ و ٩٤، فرائد السمطين ١: ٧٢/ ٣٩.
[٥٣] . ذكر العلامة سبط ابن الجوزي (ت ٦٥٤هـ) في تذكرة الخواص: ١٠٢ ـ بعد ذكره كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام مفاخرا عليه ببعض العبارات ـ قال عليه السلام: أعَلَيَّ يفخر ابن آكلة الأكباد؟! ثم أمر عبيدالله بن أبي رافع أن يكتب جوابه من إملائه فكتب: وجوابنا ان نقول لهم: قد أوضحنا الحجة على أن النبي صلى الله عليه وآله استخلف عليا عليه السلام في ذلك المقام، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يخصص له الاستحقاق في الحال، والتصرف بعد الحال، ألا ترون أن الإمام اذا نص على حال له قوم بالامر بعد، أن الأمر يجري في استحقاقه وتصرفه على ما ذكرناه؟!
[٥٤] . في نسخة «ف» أمره، وفي نسخة «هـ» غير مقروءة، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب.
[٥٥] . حديث المناشدة تناقلته كتب الحديث والتأريخ وأرسلته أرسال المسلمات، ولست ادري ماذا يحاول أن يكتم البعض عندما يريد أن يصرف اذهان الناس عن يوم الغدير ويشير بكل صراحة إلى أن هذا اليوم هو من نتاج عقول الشيعة وتخرصاتهم! وليت شعري ماذا يفعلون أمام هذا السيل العارم من الأحاديث الصحاح التي تحفل بها العديد من المراجع. انظر: مسند أحمد ١: ٨٤ و ٨٨ و ١١٩, ٥: ٣٣٦، أُسد الغابة ٢: ٢٣٣ و ٣: ٩٣ و ٣٠٧و ٥: ٢٧٦ حلية الأولياء ٥: ٢٦، أنساب الاشراف ١: ١٥٦/ ١٦٩، البداية والنهاية ٥: ٢١٠ـ ٢١١، كفاية الطالب: ٦٣، فرائد السمطين ١: ٦٨/ ٣٤، المناقب ـ للخوارزمي ـ: ٩٥، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي لحديد ـ ١٩: ٢١٧.
[٥٦] . المشهور ـ كما تنقله المصادر ـ أن ستة من الصحابة اصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه السلام عند إعراضهم وامتناعهم عن الشهادة له بما شهدوه وسمعوه يوم الغدير… وهم: (١) أنس بن مالك (٢) البراء بن عازب (٣) جرير بن عبدالله البحلي (٤) زيد بن أرقم (٥) عبدالرحمن (٦) يزيد بن وديعة. انظر: أنساب الأشراف ٢: ١٥٦/ ١٦٩، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ ١٩: ٢١٧، السيرة الحليبة ٣: ٢٧٤.
[٥٧] . الفصول المختارة: ٢٣٦.
إنتهى.
(بتصرف)