مقالات

جمعية آل البيت…

ظهرت جميعة آل البيت في عام 73 و كان المناخ الإسلامي في تلك الفترة هادئا فلم تكن التيارات الإسلامية قد برزت بعد 1.
و لم تكن الجمعية تظهر السمة الشيعية علانية كما لم تكن فكرة التشيع واضحة من خلال الأهداف التي قامت على أساسها و التي كانت تنحصر في المساعدات الاجتماعية والخدمات الثقافية والعلمية والدينية.
ونظرا لكون المسألة الشيعية لم تكن مطروحة في ذلك الوقت و كانت العلاقات المصرية الايرانية في أعلى درجاتها فقد كانت الجمعية تمارس نشاطها في هدوء ودون أية معوقات.
و قد أقامت الجمعية عدة صلات مع الهيئات الإسلامية المختلفة في مصر و في مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين 2.

من هنا كان المراقب لنشاط هذه الجمعية يمكنه الحكم أنها جمعية تقريبية تعتبر امتداد لجماعة التقريب خاصة أنها تضم بين عناصرها من ينتمي للسنة و من ينتمي للشيعة.
و كان من أبرز العناصر التي ارتبطت بالجمعية في تلك الفترة السيد طالب الرفاعي وهو من علماء الشيعة العراقيين و كان له نشاطا بارزا في دائرتها 3.

ماذا أوقفت الجمعية؟

و كانت الجمعية قد قامت بإصدار بعض الكتب الشيعية مثل كتاب ” المراجعات ” وكتاب ” علي لا سواه ” وكتاب ” التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ” 4.

و يبدو أن هذه الكتب قد لفتت الانتباه للجمعية وأثارت بعض الجهات المعادية للتشيع في مصر خاصة أن الأمور في الساحة الإسلامية بدأت تزداد سوءا بعد ظهور تيار الجهاد في حركة عام 74. وتيار التكفير في حركة عام 76. و قيام الحكومة بالتصدي للتيارات الإسلامية وقمعها 5.

وأدى قيام الثورة الإسلامية في إيران ومعاداة النظام المصري لها إلى تعقيد الأمور أمام الأنشطة الإسلامية بشكل عام والأنشطة الشيعية بشكل خاص.
إلا أن ما استفز الحكومة تجاه جمعية آل البيت ليس فقط الكتب التي أصدرتها و قام الأزهر بمنعها. و أنما الأمر الذي شكل استفزازا صارخا في تلك الفترة التي أعلنت فيها الحكومة الحرب على التيار الإسلامي هو ذلك التواجد العربي بالجمعية.
ومسألة اتصال المصريين بالأجانب أو اتصال الأجانب بالمصريين تشكل استفزاز كبيرا لجهاز الأمن المصري حيث إن الاعتقاد السائد لدى هذا الجهاز أن أي نشاط معاد لنظام الحكم لا بد أن تكون ورائه أصابع أجنبية 6.

من هنا صدر قرار الحكومة بوقف الجمعية في عام 79 أي أن الجمعية لم تمكث على الساحة سوى ستة أعوام بدأت في 22 / 8 / 73 و أنتهت في 2 / 12 / 79.
و جاء في قرار الوقف أن الجمعية تمثل خطورة على عقائد الناس ووحدة صفوفهم ببث أفكار غريبة تخالف الدين الإسلامي وتؤيد الفكر الشيعي. وهذا يعني أن الجمعية ارتكبت المخالفة التي تبيح حلها حسب قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة الذي ينص على أنه يجوز حل الجمعية في حالة إذا ما ارتكبت مخالفة جسيمة للقانون أو إذا خالفت النظام العام والآداب 7.

و لم يقف الحد عند إيقاف الجمعية فقط بل تم مصادرة المسجد الوحيد التابع للجمعية والذي كان يحمل اسم مسجد آل البيت وضم إلى مساجد الحكومة 8.

كلمة القضاء

ومع بداية عام 81 بدأ القضاء ينظر الدعوى المرفوعة من القائمين بأمر الجمعية ضد الحكومة و التي يطالبون فيها بعودة الجمعية ووقف تنفيذ قرار الحل.
ولقد كان الدفاع يركز في مرافعته عن الجمعية على الاتهام الموجه لها بأنها تمثل خطورة على عقائد الناس وأكد عدم اشتغال الجمعية بأي مذهب فقهي سواء من المذاهب الشيعية أو مذاهب أهل السنة وعدم ارتكابها لأي أمر مخالف للشرع 9.

والحقيقة أن الجمعية لا شأن لها بالمذاهب الفقهية و لا بالعقائد إذ هي ليست جهة دراسة أو فتوى أو وعظ عام. ثم إن الجمعية تركز هدفها في العمل بالتعبد لله تعالى و من التعبد لله تعالى إلى العمل على حب رسوله الكريم والتأسي به وبآله الصالحين الأبرار وإحياء ذكراهم لإحياء نفوس المسلمين و جمعهم حول القدوة الحسنة وحول معنى العمل الصالح بما يؤلف بين القلوب ويجمعها على الالتفاف حول الخير والبر تأسيا بأئمة البر والتقوى من آل المصطفى الذين عززهم الله وكرمهم حتى في كتابه الكريم. و من ثم فإنه لبهتان وزور أن ينسب إلى الجمعية أي خطأ يلصق بها الأضرار بعقائد الناس ووحدة صفوفهم 10.

و كان الموقوف العدائي الذي اتخذته الحكومة من إيران قد انعكس بوضوح على قضية الجمعية حيث إن الجمعية شيعية وإيران تدين بالمذهب الشيعي فلا بد من الربط بينهما حسبما ادعت الحكومة.
والجمعية كانت تركز على إحياء ذكرى الرسول (ص) وآله الأبرار والعمل على مساعدة المحتاجين ودفن الموتى وإقامة الندوات الدينية دون انتماء إلى جماعات هدامة في الدين أو السياسة فقرار الوقف تجرد من سببه القانوني فهو جدير بالإلغاء 10.

وعلى هذا الأساس أصدر القضاء حكمه بوقف قرار حل جمعية آل البيت لعدم وجود أسباب قانونية كافية وذلك بتاريخ 29 / 12 / 81.
لقد كان في مواجهة الجمعية ثلاث قوى متربصة بها وزارة الشئون الاجتماعية و هي الجهة المختصة بإصدار التراخيص الخاصة بالجمعيات الأهلية. ووزارة الأوقاف و هي الجهة الخاصة بالدعوة والإرشاد الحكومي. أما الجهة الثالثة فهي مباحث أمن الدولة.
وزارة الشئون أصدرت قرار الحل.
ووزارة الأوقاف صادرت مسجد الجمعية.
ومباحث أمن الدولة حالت دون تنفيذ حكم القضاء.
كانت مبررات وزارة الشئون تتلخص في أن الجمعية خالفت القانون الخاص بالجمعيات.
و كانت مبررات وزارة الأوقاف أن الجمعية تمثل خطورة على عقائد الناس ووحدة صفوفهم وتغزو عقولهم بأفكار غريبة عن الدين الذي توارثوه. و ما أفاد به مجمع البحوث الإسلامية بخصوص كتابي ” المراجعات ” وعلي لا سواه، بخصوص منع هذين الكتابين من منشورات الجمعية.
و كان موقف مباحث أمن الدولة ينص على أن الجمعية تروج للفكر الشيعي في البلاد كما يتردد عليها كثير من الطلبة العرب والإيرانيين الذين يدينون بالمذهب الشيعي ويقدمون التبرعات المالية لنشر مبادئ هذا المذهب.
من هنا فقد هددت مباحث أمن الدولة القائمين على الجمعية لتحول بينهم و بين تنفيذ الحكم القضائي الذي صدر لصالحهم.
و لا تزال الجمعية موقوفة في انتظار عودة العلاقات المصرية الايرانية.
والجدير بالذكر هنا أن جمعية آل البيت لا تمثل الشيعة في مصر و أنما هي أحد أنشطة الشيعة 11.

  • 1. كانت هناك ثلاث تيارات قد خرجت لتوها من المعتقلات و لا تزال تنفض عن نفسها غبار السجن و هي تيار الإخوان وتيار التكفير و التيار القطبي.أنظر لنا الحركة الإسلامية في مصر: واقع السبعينات. ط. القاهرة.
  • 2. كانت الجمعية تستضيف دعاة من الأزهر و من جماعة الإخوان لإلقاء المحاضرات وخطبة الجمعة التي كانت تقام بمقر الجمعية بالقاهرة.
  • 3. السيد طالب الرفاعي كان المعمم الوحيد تقريبا بمصر في تلك الفترة و قد أقام بها وتزوج منها وحدث صدام بينه و بين المصريين القائمين على الجمعية. والجدير بالذكر أنه هو الشخصية الشيعية التي صلت على الشاه حين أقيمت له مراسيم الدفن في مصر.
  • 4. التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية. هو مقدمة الشهيد باقر الصدر لكتاب تاريخ الإمامية وأسلافهم وهو ما طبع فيما بعد في بيروت تحت اسم ” بحث حول الو لاية ” و كان الذي أعد و قدم له السيد طالب الرفاعي.
  • 5. حركة الفنية العسكرية هي أول صدام مسلح بين تيار الجهاد و بين الحكومة وقادها صالح سريه مع بعض طلبة الكلية الفنية العسكرية عام 74. وتيار التكفير ظهر داخل المعتقلات في فترة الستينات و أنتشر في أوساط الطلبة والحرفيين في مصر و قد وجهت له الحكومة ضربة قاضية بإعدام زعيمه شكري وأربعة من رفاعة عام 77 بعد أن اختطفت الجماعة الشيخ الذهبي وزير الأوقاف الأسبق وقتلته. كذلك تم القبض على مجموعة جهادية كانت امتداد الحركة الفتية العسكرية في العام نفسه. أنظر الحركة الإسلامية.
  • 6. جميع الاتجاهات الإسلامية و غير الإسلامية المعارضة للحكومة هي ممولة من الخارج في نظر الحكم ومدعومة من قبل قوى أجنبية. هذا هو التصور الثابت لدى الحكومة وجهاز الأمن المصري. وهذا يفسر لنا موقف الحكومة من الشيعة في مصر ذلك الموقف المرتاب الذي يشك بوجود علاقة ودعم من إيران. واليوم ربطوا هذا الدعم بالتيارات الجهادية. حول هذا الأمر أنظر لنا مذكرات معتقل سياسي. ط. القاهرة.
  • 7. عريضة الدعوى التي وضعها الدفاع في قضية حل الجمعية.
  • 8. رفع الأذان من هذا المسجد بحي على خير العمل لأول مرة في تاريخ مصر منذ سقوط الفاطميين.
  • 9. عريضة الدعوي.
  • 10. a. b. المرجع السابق.
  • 11. الشيعة في مصر للكاتب المصري صالح الورداني.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى