يُعرف الامام محمد بن علي ( عليه السَّلام ) خامس أئمة أهل البيت (عليهم السَّلام) بالباقر لأنَّهُ بَقَرَ العلمَ بقراً، و معنى ذلك هو أن الامام الباقر (عليه السَّلام) شق العلم شقاً و أخرج كنوزه من مخبئه الذي كان يُحيط به، تماماً كالجنين الذي يكون مختبئاً في بطن إمه و بشق البطن يظهر الجنين بعد خفائه كما هو الحال في العملية القصرية للولادة.
نعم لقد شاء الله عَزَّ و جَلَّ أن يُظهر ما ظل مستوراً من العلوم و الاحكام التي أودعها نبيه المصطفى (صلى الله عليه و آله) على يد الامام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام) حيث تغيَّرت الظروف و حصل بعض الانفراج 1 فقام الامام الباقر (عليه السَّلام) بإستغال هذه الفرصة إستغلالاً تاماً فنشر تلك العلوم بين الناس و تمكَّن من تربية ثُلَّةً من العلماء و المحدثين أصبحوا فيما بعد من أعلام الامة و نجبائها و ثقاتها المتميزين أمثال محمد بن مسلم و زرارة بن أعين و بُريد بن معاوية العجلي و أبو بصير بن ليث البختري المرادي الذين قال عنهم الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنهم أوتاد الأرض و أعلام الدين و لولاهم لانقطعت آثار النبوة و أندرست.
و لقد كان الرسول المصطفى (صلى الله عليه و آله) قد أخبر عن دور الباقر (عليه السَّلام) و قيامه بهذا الدور العلمي الكبير في حديثه الخاص الذي أدلى به إلى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري 2 فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ أنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ سُمِّيَ الْبَاقِرُ بَاقِراً؟ قَالَ: لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ بَقْراً، أَيْ شَقَّهُ شَقّاً وَ أَظْهَرَهُ إِظْهَاراً، وَ لَقَدْ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) يَقُولُ: “يَا جَابِرُ إِنَّكَ سَتَبْقَى حَتَّى تَلْقَى وَلَدِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفَ فِي التَّوْرَاةِ بِبَاقِرٍ فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ … 3
- 1. جدير بالذكر أن تدوين أحاديث النبي ( صلى الله عليه و آله ) كانت ممنوعة من التدوين عدة عقود ابتداءً من إرتحاله ( صلى الله عليه و آله ) و ذلك بأمر من السلطة الحاكمة و لمزيد من التفصيل راجع إجابتنا تحت عنوان: ما الحاجة إلى السنة النبوية الشريفة و كتاب الله موجود بأيدينا؟
- 2. جابر بن عبد الله الأنصاري ( رضوان الله عليه ): هو أبو عبد الله، جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري. صَحِبَ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و شهد بدراً و ثماني عشرة غزوة مع النبي ( صلى الله عليه و آله )، و صَحِبَ الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) و شهد معه وقعة صِفِّين، و كان من شرطة خميسه. و صَحِبَ كذلك كل من الإئمة الحسن بن علي، و الحسين بن علي، و علي بن الحسين ( عليهم السلام )، و أدرك الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أيضاً، إلاّ أنّه توفّي قبل إمامته. رَوَى عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله )، و الإمام علي ( عليه السَّلام )، و فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) و هو أوَّل من زار قبر الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) بكربلاء في العشرين من شهر صفر ( يوم الأربعين ). توفّي جابر ( رضوان الله عليه ) عام 78 هـ بالمدينة المنوّرة، و هو في الرابعة و التسعين من عمره، و كان ( رضوان الله عليه ) آخر مَن بَقي من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه و آله ).
- 3. علل الشرايع: 1 / 233، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة الداوري ، سنة : 1966 ميلادية ، قم / إيران.