التعليممقالات

تجديد الفكر الإسلامي وتقدم الحياة…

تجديد الفكر الإسلامي ليست مجرد عملية فكرية تستند على البحث والتحليل النظري المجرد، المنقطع عن الواقع الموضوعي، وعن طبيعة حركة الحياة، بل أن منظورات الواقع الموضوعي لها تأثيراتها الحيوية والمستمرة في عملية تجديد الفكر الإسلامي، وذلك لأن الفكر ليس إطاراً أو نظاماً مستقلاً أو منفصلاً عن الواقع الموضوعي، أو قابلاً للتفكيك والتركيب بطريقة العزل التام عن السياقات الموضوعية.
لهذا يمكن القول أن بقدر ما يفرض الفكر منظوراته على الحياة، بقدر ما تفرض الحياة كذلك منظوراتها على الفكر وطبيعة حركته واتجاهاته.
وتختلف منظورات الحياة في تأثيراتها على الفكر ومنظومته، بحسب مستويات التقدم والتراجع فيها، وبحسب هذه المستويات يتأثر الفكر في منظوراته، وطبيعة حركته واتجاهاته، فمنظورات التجديد في ظل الحياة المتقدمة، تختلف قطعاً وبدرجات كبيرة لا يمكن قياسها عن منظوراته في ظل الحياة غير المتقدمة.
ويتجلى هذا الاختلاف ليس في الأبعاد المعرفية والمنهجية لهذه المنظورات فحسب، وإنما يتجلى حتى في الأبعاد التي لها طبيعة نفسية واجتماعية، وهي الأبعاد المنعكسة قوة وتأثيراً في درجات ومستويات القابلية والاستعداد النفسي والاجتماعي، وكيفية طرائق التعامل مع فكرة التجديد من هاتين الجهتين النفسية والاجتماعية.
وفي كثير من الأحيان تكون المعضلات النفسية والاجتماعية، أشد قوة وتأثيراً من تلك المعضلات المعرفية والمنهجية في التعامل مع فكرة تجديد الفكر الإسلامي.
وتتحدد المعضلات النفسية في بروز حالات من نوع عدم الثقة، أو الإحساس بالضعف، أو الشعور بالرهبة في الإقدام على عملية التجديد. وتتحدد المعضلات الاجتماعية في بروز حالات من نوع الخشية من الآخرين، والحذر من مخالفتهم، وفي تقليد السابقين وإتباعهم، والرهبة من النقد، أو الشجاعة في الإنفراد بالرأي. ويذكر في مجال الفقه أن أحد الفقهاء وبعد أن فند أدلة القائلين بنجاسة الشيء الذي يلاقي النجس، كتب يقول فمخالفة الفقهاء في هذه المسالة أهون، ولكن منعتنا من ذلك وحشة الإنفراد، وكثرة عثرات المستبدين بآرائهم، ولنعم ما قيل أن مخالفة المشهور مشكل، وموافقتهم من غير دليل أشكل.
لهذا بات من الصعب الخروج على رأي الأكثرية في مسائل الفقه، وأصبح العديد من الفقهاء يعتنون ويبذلون جهداً للتعرف على أقوال وآراء السابقين عليهم خشية من الاختلاف معها، أو الخروج عليها.
لهذا يمكن القول أن منظورات الرؤية إلى التجديد الديني في المجتمعات الإسلامية المتقدمة على غيرها كماليزيا مثلاً، ستكون مختلفة بالتأكيد عن منظورات المجتمعات الإسلامية الأخرى الأقل تقدماً، والسبب هو في طبيعة الحياة المتقدمة التي تفرض منظوراتها على الثقافة والمجتمع. فكلما تقدمت الحياة في المجتمع تقدمت معها منظورات الرؤية، وكلما تراجعت الحياة، تراجعت معها منظورات الرؤية.
فحين يتحدث محضير محمد عن تجربتهم المتقدمة في ماليزيا فإنه يقرن هذه التجربة، بتجربة المسلمين في العصر الذهبي، وحسب قوله: (نحن في ماليزيا نرى أنفسنا مثل أسلافنا المسلمين في العصر الذهبي، لأننا نلتزم رؤية ومدخلاً أصيلاً ينسجم مع روح وجوهر الإسلام، وكان لا بد لنا أن نبدأ أولاً بتحقيق النمو)
وهذا يعني أن مهمة التجديد في الفكر الإسلامي، لن تسير بطريقة مستمرة وفاعلة إلا إذا تقدمت الحياة في المجتمعات العربية والإسلامية، وما لم يحصل هذا التقدم فإن مهمة التجديد ستظل متعثرة، أو لن تسير بطريقة مستمرة وفاعلة1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 22 مارس 2007م، العدد 14817.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى