بين يدي القائم (عج)

الموطّئون والأصحاب والأنصار

تمهيد
لم تكن غيبة صاحب العصر والزمانعجل الله تعالى فرجه الشريف إلّا لحكمةٍ اقتضتها مشيئة الله تعالى. فهذا الإمام الّذي سينهض في آخر الزمان ويحمل معه لواء التغيير ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً سيكون وبلا أدنى شكّ مؤيَّداً ومسدَّداً من قبل الله تعالى.

وإنّ واحدة من أهمّ ما يمكن اعتباره كتعبير وتفسير لعملية الغيبة والاحتجاب وعدم الظهور هي تهيئة السُبُل لتحقيق وإنجاز الوعد الإلهيّ على يديه، وهذا إنّما يتمّ بعد التمحيص الّذي يختبر الله تعالى به عباده الصالحين ليستخلص من بينهم أفراداً هم قادة جيش الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف والموطّئون لظهوره ولسلطانه، ومن يكون معه وبين يديه من الأصحاب والأنصار والأعوان، وهم نواة الجيش العقائديّ والإيمانيّ الّذي به يقود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ثورته على الظلم. وقد تعرّضت الروايات لثلاث فئات من المجموعات الأساس التي لها علاقة بتحقيق الوعد الإلهيّ والانتصار العظيم وهم: 1- الموطّئون. 2- الأصحاب. 3- الأنصار.

ونحن فيما يلي نتحدّث عنهم وفقاً لما ورد في الروايات الشريفة.

1- جيلُ أو جيش الموطّئين

والمراد بهم الجيل الّذي يُعدُّ الأرض والمجتمع لظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وثورته الكونيّة الشاملة، وهذا الجيل بطبيعته يسبق ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد حدّدت النصوص الشريفة الأماكن والأقاليم الّتي يوجد فيها هؤلاء، وأهمّها:
أ ـ الموطّئون في المشرق: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد حتّى ترتفع راياتٌ سودٌ في المشرق، فيسألون الحقّ فلا يُعطونه، ثمّ يسألونه فلا يُعطونه، ثمّ يسألونه فلا يُعطونه، فيقاتلون، فيُنصرون، فمن أدركه منكم ومن أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج فإنّها رايات هدى…”1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “كأنّي بقومٍ قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقّ فلا يعطونه ثمّ يطلبونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما شاؤوا فلا يقبلونه، حتّى يقوموا ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم (أي الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف) قتلاهم شهداء”2.

ب ـ الموطّئون من خراسان: عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: “ثمّ تخرج راية من خراسان يهزمون أصحاب السفيانيّ حتّى تنزل ببيت المقدس توطّئ للمهديّ سلطانه”3.

ج ـ الموطّئون من قمّ والريّ: روى المجلسيّ في البحار: “رجل من أهل قمّ يدعو الناس إلى الحقّ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملّون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكّلون والعاقبة للمتّقين”4.

د ـ الموطّئون من اليمن: عن الإمام الباقر عليه السلام في قيادة اليمانيّ قبل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف: “وليس في الرايات أهدى من راية اليمانيّ، هي راية هدى لأنّه يدعو إلى صاحبكم”5.

تحليل لأوصاف الموطّئين

إنّ أوّل ما يلفت النظر في هذا الجيل هو الصلابة والقوّة، فهو جيل صعب، شديد المراس، يواجه الطواغيت، قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف.
والأمر الثاني هو أنّه جيل التحدّي للنظام العالميّ والقوى الكبرى، يزعزع استقرار وهيبة هذه القوى “لا يملّون من الحرب ولا يجبنون…”.
والأمر الثالث هو أنّ هناك ردود فعل كبرى وعالميّة ستخرج غاضبة وساخطة عليهم، لأنّهم عرّضوا المعادلات والموازنات الاستكبّارية لهزّات عنيفة، فقد روى أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السلام: “إذا ظهرت راية الحقّ لعنها أهل الشرق وأهل الغرب، أتدري لِمَ ذلك؟ قلت: لا، قال: للّذي يلقى الناس من أهل بيته قبل ظهوره”6.

مشروع التوطئة

توطئة الأرض لنهضة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مهمّة واسعة وكبيرة، ومعقّدة ينهض بها هذا الجيل الرسالي في مواجهة عتاة الأرض وطغاتها المستكبرين وأئمّة الكفر… وهؤلاء العتاة يعدّون جميعاً جبهة سياسيّة عريضة، رغم كلّ التناقضات القائمة فيما بينهم، وهي جبهة تملك الكثير من أسباب القوّة من المال والسلطان السياسيّ والجيش والإعلام والعلاقات.

ولا بدّ لهذا الجيل الّذي ينهض بمشروع إعداد الأرض لظهور الإمام من أن يواجه هذه القوّة بالآلية نفسها، وتزيد عليها بالتربية الإيمانيّة والجهاديّة والتوعية السياسيّة، وعليه فإنّ مشروع التوطئة الّذي ينهض به جيل الموطّئين يتكوّن من بُعدين:
الأوّل: التربية الإيمانيّة والجهاديّة والتوعية السياسيّة، وهذا ما تفقده الجبهة المقابلة.
الثاني: الآلية السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة والإداريّة والإعلاميّة الّتي لا بدّ منها في مثل هذه المعركة.
وليس من شكّ في أنّ الفئة المؤمنة الّتي تُعدُّ الأرض لظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لا بدّ لها من إعداد هذه القوّة.

الأصحاب والأنصار

من الواضح أنّ جيل الموطّئين يسبق جيل الأصحاب والأنصار، وأفراد هذا الجيل هم تلامذة الجيل السابق.
والأصحاب: هم الثلاثمائة والثلاثة عشر، وهم الّذين عبّر عنهم الإمام أمير المؤمنين والإمام الصادق عليهما السلام بقولهما: “هم أصحاب الألوية”. إشارة إلى توفّر المؤهّلات فيهم لقيادة الجيوش والعساكر، وفي التعبير الروائي: “وهم حكّام الله في أرضه”.

وسيكون لكلّ واحدٍ من هؤلاء الأصحاب دور كبير في قيادة الجيوش وفتح البلاد وإدارة الأمور وغير ذلك.

والأنصار: هم المؤمنون الصالحون والمجاهدون الّذين يلتحقون بالإمام المهديّّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في مكّة وغيرها (بعد الظهور)، وينضوون تحت لوائه، ويحاربون أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي الروايات أنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يخرج من مكّة إلّا ومعه عشرة آلاف رجل من الأنصار. وهذا العدد هو بعض الأنصار أيضاً لا كلّهم، ولهذا فإنّ السيِّد الهاشميّ ـ مثلاً ـ يلتحق بالإمام المهديّّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في العراق، ومعه اثنا عشر ألف رجل.

كلُّ هذا عدا أنصار الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من الملائكة، الّذين يمتثلون أوامره وتعليماته.

وقد ورد في الروايات والأدعية والزيارات المرويّة عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلامأن يسأل الإنسان ربّه أن يجعله من أنصار الإمام المهديّ وأعوانه والمجاهدين بين يديه، وفيما يلي نذكر بعض النماذج منها:
“وأسأل الله البرّ الرحيم أن يرزقني مودّتكم، وأن يوفقّني للطلب بثأركم مع الإمام المنتظر الهادي من آل محمّد…”7.
“… وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام هدى (مهدي) ظاهر ناطق بالحقّ منكم…”8.
“… واجعلني اللّهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته…”9.

أهميّة الأصحاب والأنصار

تظهر أهميّة أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لنا من خلال مسألتين:
الأولى: من ناحية الدور والمسؤوليّة والأهداف الّتي من أجلها يخرجون مع الإمام.
الثانية: من خلال ما وصفتهم به روايات النبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

ونحن ندرك بعمق مدى المسؤوليّة الكبرى الملقاة على عاتق إمامنا المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف، فهو الأمل الموعود والمنتظر، والّذي سيقود الأمّة نحو تحقيق أهدافها وغاياتها في تحقيق حكومة العدل الإلهيّ.

ولكي يحقّق الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف هذه الأهداف لا بدّ وأن يكون معه الصفوة المخلصة من الأنصار وهم “خير فوارس على ظهر الأرض”. وقد مُحِّصوا واختُبروا في الامتحان الإلهيّ لهم.
وسيشارك هؤلاء الأصحاب إمامهم وقائدهم ويكونون تحت إمرته وقيادته، وهم معه: “أطوع له من الأمَة لسيّدها”، ويسيرون في ركب قيادته الحكيمة للسيطرة على العالَم كلّه، وإزالة كلّ قوى الشر والفساد والطغيان.

ولهذا مدحتهم الروايات وأثنت عليهم، وأعطتهم مواصفات ومميّزات لم تكن لتُعطى لأحد غيرهم على الإطلاق، ومنها:
1ـ إيمانهم وعبادتهم
يتمتّع أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بأعلى درجات الإيمان واليقين بالله عزَّ وجلَّ، ومن صفاتهم كثرة العبادة، والتهجّد بالليل… وليس في قلوبهم من مكان لأحد إلّا الله عزَّ وجلَّ والطاعة والانقياد لقائدهم الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: “… رهبان بالليل ليوث بالنهار… كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله…”10.

“… رجال مؤمنون عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهديّ آخر الزمان…”11.
وذكر بعض أوصافهم فقال: “يبايعه ـ أي الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ العارفون بالله من أهل الحقائق، عن شهود وكشف بتعريف إلهيّ، رجال إلهيّون يقيمون دعوته وينصرونه، هم الوزراء يحملون أثقال الملائكة…”12.

2 ـ علمهم
قال أبو بصير للصادقعليه السلام: جعلت فداك ليس على الأرض يومئذٍ غيرهم؟ فقال عليه السلام: “بلى ولكن هذه الّتي يُخرج الله فيها القائم، وهم النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدِّين، يمسح الله بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم”13.

وعن ابن مسعود قال: “يبايع للمهديّ سبعة رجال علماء توجّهوا إلى مكّة من أُفقٍ شتّى على غير ميعاد…”14.

3 ـ طاعتهم

وهي أمر طبيعيّ لمن يحمل صفات الإيمان والتقوى والورع، ويضع نفسه في تصرّف القائد المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف حين يسلّمون الأمر كلّه له، وينقادون له بشكل مطلق:
“… هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح”15.
“فيصير إليه أنصاره من أطراف الأرض تطوى لهم طيّاً، حتّى يبايعوه”16.

عددهم
روت مصادر الشيعة والسنّة أنّ أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هم بعدد أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وما ذلك إلّا للدلالة وإلفات النظر إلى وحدة الهدف والشبه بين بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ونهضة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وهذا العدد (313) إنّما هو عدد الأصحاب، وهذا لا يعني أبداً أنّ جيش الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يقتصر على هذا العدد، بل إنّ الروايات دلّت على أنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ينتصر له الآلاف من الأنصار ليكونوا نواة جيش الغضب، جيش الإمام المهدي ّعجل الله تعالى فرجه الشريف.

ومن الروايات التي تشير إلى عدد الأصحاب، وكيفية التحاقهم بالإمام عليه السلام:

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “المفقودون من فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدّة أهل بدر، فيصبحون بمكّة وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ﴾ وهم أصحاب المهدي ّعجل الله تعالى فرجه الشريف”17.

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: “… فيكون أوّل خلق الله مبايعة له ـ أعني جبرئيل ـ ويبايعه الناس الثلاثمائة وثلاثة عشر”18.

ومن الروايات التي تشير إلى جيش الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنصاره، والذين يفوق عددهم عدد الأصحاب ما روي عن الإمام عليّ عليه السلام قال: “يخرج المهديّ في إثني عشر ألفاً إن قلّوا، وخمسة عشر ألفاً إن كثروا، ويسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدوّ إلّا هزمهم بإذن الله، شعارهم: أمت أمت، لا يبالون في الله لومة لائم”19.

وعن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله عليه السلام: كم يخرج مع القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ فإنّهم يقولون: إنّه يخرج مثل عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. فقال عليه السلام: “ما يخرج إلّا في أولي قوّة، وما يكون أولو قوّة أقلّ من عشرة آلاف”20.

شعار أصحاب المهديّ عليه السلام:

عن الإمام الرضا عليه السلام في حديث طويل حول نصرة الملائكة للمهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف قال: “… إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره، وشعارهم يا لثارات الحسين”21.

الخلاصة 

– هناك جيل من البشر مهمّته إعداد الأرض وتمهيد المجتمع لظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. وفي الروايات أنّ هؤلاء يوجدون في المشرق، وهم أصحاب الرايات السود، وخراسان، وقم والريّ، واليمن.
– ومن مميّزات هذا الجيل التربية الإيمانية والجهادية والسياسية فضلاً عن القدرات الّتي يمتلكونها على المستوى العسكريّ والاقتصاديّ والإداريّ والإعلاميّ.

– وهناك أيضاً جيل الأصحاب والأنصار، وهم الّذين يكونون مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره ليقاتلوا بين يديه.
– ومن صفاتهم: الإيمان بالله تعالى، وكثرة التهجّد والعبادة، والعلم، والطاعة للقائد المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

– أشارت الروايات إلى عدد الأصحاب وأنهم (313) رجلاً، كما أنّ الأنصار لا يقلّون عن العشرة آلاف.
– شعار أصحاب المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف: “يا لثارات الحسين”.

* بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت عليهم السلام، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- مستدرك الصحيحين، الحاكم النيشابوري: ح4464.
2- بحار الأنوار، م.س: 52/243.
3- راجع: م.ن: 52/232 وما بعدها.
4- بحار الأنوار، م.س: 57/216.
5- م.ن:52/232.
6- م.ن: 52/63.
7- مفاتيح الجنان: راجع زيارة عاشوراء غير المشهورة.
8- م.ن: زيارة عاشوراء.
9- م.ن: الزيارة مروية عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
10- بحار الأنوار، م.س: 13/180.
11- منتخب الأثر، م.س: 2/489.
12- حياة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، محمّد باقر القرشي: 288، والقائل هو ابن عربي.
13- منتخب الأثر، م.س: 490/ح4.
14- الحاوي، السيوفي: 3/148.
15- بحار الأنوار، م.س: 13/180.
16- م.ن.
17- منتخب الأثر، م.س: 480.
18- الغيبة، النعماني، م.س: 170.
19- الحاوي، م.س: 2/52.
20- إكمال الدين، م.س: 654.
21- منتخب الأثر، م.س: 30/ح24.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى