نور العترة

المسجد…

في الأسبوع المنصرم 24 – 25 يوليو/ تموز 2011 لبَّيت دعوة للمشاركة في مؤتمر «الأسبوع العالمي لتكريم المساجد»، والذي انعقد في طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو المؤتمر السنوي التاسع الذي يتناول شأن المساجد من أبعاد وزوايا متعددة.

دُعي للمؤتمر 2000 شخصية على تماس بإمامة الناس وتوجيههم عبر منبر المسجد، كما قُدم للمؤتمر 70 بحثاً جاداً اختير منها الأقوى والأفضل.
كان لي نصيب المشاركة بكلمة ركزت، في إحدى زواياها، على مسألة من المسائل المهمة التي ينبغي ألا تغفل ولا تتغافل وهي المسجد الشيعي في الوسط السني والمسجد السني في الوسط الشيعي.
عند الطرفين أعني السنة والشيعة هناك نظرية قرآنية عامة ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ 1.
وقد ذهب المفسرون إلى أن المقصود بـ «المَسَاجِدَ» هي أعضاء السجود السبعة، وذهب آخرون إلى أن معناها المواطن التي يسجد فيها لله سبحانه وتعالى، كالمسجد الحرام وبقية المساجد، وقسم ثالث رأى أنها تشمل الأمرين، وقد مضيت في مشاركتي معتمدا على أن المقصود بالمساجد هو المواطن التي يسجد فيها لله، وهي المساجد التي نشيدها ونعمرها للعبادة، كما هو رأي آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره «الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل».
المساجد لله، وليست للمذهب ولا للجهات، أو الأشخاص أو التوجهات، أو الأحزاب أو أي انتماء آخر، فالانتماء لله سبحانه وتعالى يغنيها عن كل الانتماءات الصغيرة، فهو الانتماء الجامع وغيره مبعثر ومشتت وممزق.
هذه النظرية ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ … ﴾ 1 الواضحة والصريحة قرآنياً لم يفسح لها واقعنا القائم لتهيمن على عقولنا ونفوسنا ميدانيا، بل تواجه بالكثير من العقبات والعراقيل، وبتبريرات تافهة، ولعل السياسة قد فعلت فعلها وأثرت أثرها، وبدأت تعبث حتى في الهويات التي حددها الله سبحانه وتعالى.
ولو تركت هوية المسجد كما هي والتزمنا عملا وتطبيقا بقوله تعالى ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ … ﴾ 1 لما أمكن أن يمانع الوسط الشيعي من قيام مسجد سني، ولا الوسط السني من قيام مسجد شيعي، بل ربما تكون الخطوة المتقدمة هي أن أحدا من الشيعة لن يبني مسجدا ما دامت مساجد السنة (وللأسف على هذا التعبير) ذات هوية ربانية خالصة لا تداخلها الهويات الفرعية، وكذلك لن يبني السني مسجدا في الوسط الشيعي مادامت مساجد الشيعة (وللأسف على هذا التعبير) ذات هوية ربانية خالصة لا تتداخل معها الهويات الفرعية.
لم يعد المسجد هو الهوية الإسلامية الجامعة في دواخل أنفسنا، بل أصبحت الهوية الفرعية بما تعنيه من معان نخافها، ولذلك أصبحنا نخافه لأنه في نظرنا يعبِّر عن هويات وليس هوية واحدة للجميع، وهذا أكبر دليل على أن المساجد في واقعنا الميداني ليست لله بالمعنى الدقيق الذي يريده، بل أضفنا إلى ما يريده هوية لنا يخافها الآخرون وهوية لهم نخافها نحن.
هذا ليس على صعيد الدوائر الرسمية في هذه الدولة أو تلك، لكنه واقع حال ألفناه نحن كمجتمعات تريحنا الصلاة في هذا المسجد أكثر من ذاك، ونؤخرها لذلك المكان ولا نبادر إليها في هذا المكان، ونصليها باطمئنان هنا بينما نفقده هناك، ويشعر أحدنا بالغربة وهو في بيت يقول الله سبحانه وتعالى عنه ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ …﴾ 1، وما هذه إلا مظاهر وتجليات لحقيقة مرة وهي أن المساجد ليست كما يريدها الله في انتسابها إليه، لأن واقع حالنا في العالم العربي والإسلامي قد تدخل في هذا الانتساب.
هذا التدخل أوجد موقفا نفسيا في بعض المناطق، لكنه في مناطق أخرى دفع إلى ما هو أكثر وأخطر، فضربت التفجيرات الإرهابية المساجد في باكستان والعراق وغيرهما، وبات الاستهداف للمساجد مقبولا في تلك المناطق، والأدهى من ذلك هو أن الإدانات والمواقف من بقية العالم الإسلامي ضد ذلك الإرهاب مخجلة ومخزية2.

  • 1. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الجن (72)، الآية: 18، الصفحة: 573.
  • 2. نقلا  عن الموقع الرسمي لسماحة حسن الصفار و المقال منشور في صحيفة الوسط البحرينية 2 / 8 / 2011م – 8:09 ص – العدد 3250.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى