لقد عالج الفقهاء (رضوان الله عليهم)، مسألة فقهية معقدة ومؤثرة في حياة من يعيشون ضغطها ويحتكون بها يومياً، وهي مسألة الطهارة والنجاسة لأهل الكتاب، بل إن بعضهم عالجها على صعيد الإنسان عموما وإن لم يكن من أهل الكتاب، كأتباع الديانات الوضعية واللا دينيين.
لقد كان لحكمهم بطهارة أهل الكتاب، وتوسيع البعض لحكم الطهارة ليشمل من هم خارج هذه الدائرة، أثرٌ كبيرٌ وعميقٌ في نفوس المسلمين، إذا انعكس على سلوكهم وتعاملهم معهم، وكذلك كان له الأثر البالغ على غير المسلمين من أهل كتاب وغيرهم، لأنهم شعروا بإمكانية التداخل والتعاطي والتعامل بعفوية وانسيابية.
إن من أصعب الأمور على الإنسان هو أن يرى الآخرين يحكمون عليه باعتباره قذارة ونجاسة وشيئاً مقززاً ينبغي اجتنابه، وهو ما يتحول إلى عقدة داخلية فيه تجاه هؤلاء الآخرين، ويجعل بينه وبينهم حواجز شاهقة وموانع سميكة.
المسجد هو الآخر نال نصيبه من وجود الحواجز بينه وبين الإنسان غير المسلم بشكل عام، وبينه وبين أصحاب الديانات السماوية الأخرى، فالحكم الفقهي الذي يحرم دخول هؤلاء إلى المسجد يحول بينهم وبين الاقتراب من صرح الهداية والعلامة الحيوية للمسلمين أعني (المسجد).
بالطبع لست في مقام نسف الحكم الشرعي، لأنه قائم حتى الساعة باجتهادات استفرغت طاقتها وجهدها وليلها ونهارها فاهتدت إلى هذا الحكم الذي هو حكم الله الظاهري في حقنا، بل حسبي أن أنقل ما سمعته وما يتداول على ألسن الناس بمختلف طبقاتهم وثقافاتهم ممن يودون تحبيب الناس للإسلام، وينزعجون حين يرون ما يحجزهم عن هذا الدين وخصوصاً في بلاد الغرب.
أرجو أن يكون كلامي محصوراً في إعادة التأمل بما يتناسب مع مستجدات الظروف وتداخل الناس مع بعضهم، ونظرة العالم وإعلامه إلى طريقة تعامل أماكننا العبادية نحن المسلمين مع غير المسلمين.
ماذا مثلاً لو تحركت لجان إنسانية أو بحثية من مختلف الأديان والأيديولوجيات لزيارة الكنائس والمساجد والدير ومختلف أماكن العبادة – في محاولة منها لتقريب الناس مع بعضهم وردم الهوة العميقة بين توجهاتهم الدينية – وتمكنوا من دخول كل مكان ثم أوقفوا على أبواب مساجدنا لأنهم محكومون بالنجاسة؟
هل يمكن أن يقترب هؤلاء من الإسلام؟ وهل سينظرون للمسلمين كأحبة وودودين في التعامل مع الناس؟ وهل سيبقى تعاملهم مع المسلمين دافئاً؟ وهل سيكون ذلك أسلوباً مفيداً لجذبهم لتعاليم الدين الحنيف؟ وهل من يعرف ذلك من الشباب اليافع في المجتمعات الأخرى سيخطو باتجاه الإسلام؟
خلال المؤتمر العالمي لتكريم المساجد الذي عقد في طهران 24 – 25 يوليو/ تموز 2011، سمعت كلاماً من أحد العلماء الذين يقيمون في بلاد الغرب، وسمعت مثله أيضاً في عدد من البلدان التي يتواجد فيها المسلمون. إنها المسألة الحساسة التي يقولون إنها كالحاجز بين الناس وبين التقدم خطوة نحو هذا الدين. هذه الأسئلة وغيرها هي برسم الفقهاء، وهي بحاجة لإحاطة تامة منهم بالظروف والأوضاع والقرب الحاصل بين الناس والمجتمعات بسبب وسائل الاتصال، وسرعة تناقل المواقف والمعلومات، فلربما نحصل على اجتهاد يتعامل مع الأمر ولو من باب الحكم الثانوي أو الضرورة، أو أي معالجة أخرى.
إن أغلب الآراء الفقهية في حرمة دخول أصحاب الديانات السماوية إلى المساجد قائمة على الاحتياط، فهل هناك فسحة في اجتهاد جديد أو معالجة واعدة؟ إن كل ما نرجوه من الله هو أن تكون الأدلة مساعدة على المعالجة، وأن تكون الظروف المتغيرة معينة للفقهاء في إعادة النظر، لأننا سنبقى ضمن سقف الحكم الفقهي1.
- 1. صحيفة الوسط البحرينية 8/ 8/ 2011م – 4:28 ص – العدد 3257، نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله).