يجري في «قضية المرأة» مناقشة الهوية النسائية وهوية المرأة، وكذلك قيمها وحقوقها وواجباتها، وأيضاً حرياتها كما حدودها، وكل عنوان هو موضوع لقضايا مهمة جداً ومصيرية. اليوم، إذا نظرنا إلى العالم بنظرة عامة، نجد أن هناك توجهين ومقاربتين في هذه المجالات كافة: إحداها المقاربة الغربية الرائجة والمتداولة وصارت رائجة أيضاً في الدول غير الغربية في المجالات التي ذكرتها كلها، والأخرى المقاربة الإسلامية، وتقفان في وجه بعضهما بعضاً. إنهما تياران ولكل منهما رأي في الرد على هذه القضايا والأسئلة المتعلقة بها. [لذا] تُمكن المناقشة في هذه المجالات كافة والوصول إلى إجابة، ولكن ثمّةَ نقطة هنا – في رأيي – وهي جديرة بالاهتمام: النظام الثقافي والحضاري للغرب غير مستعد لمناقشة هذه القضايا ويتهرّب من الدخول في النقاش والبحث.
موقف الغرب في قضيّة المرأة
إن الثقافة الغربية [أيْ] النظام الغربي – النظام الحضاري والثقافي الغربي – لا يتقدّم لمناقشة أسئلة كثيرة في هذه المجالات، بل يفرض المسألة عبر إثارة الجلبة والغوغاء واستخدام الفن والسينما والقوة والفضاء المجازي وما إلى ذلك. إنه يفرض رأيه ومقاربته – إذْ ليس لديهم منطق – عبر الأدوات المختلفة التي في تصرّفه، وليس لديه استعداد للمناقشة والإجابة عن الأسئلة. والسبب هو افتقار الغرب للمنطق، إذْ إنّ السلوك الرائج في الغرب حالياً – يغدو أكثر سوءاً وسخافة يوماً بعد يوم – في مجال قضايا المرأة، وفي دول كثيرة أخرى تبعاً للغرب، لا يستند إلى أيّ منطق. لذا، لا يدخلون في المناقشة، وليسوا مستعدين لتقديم منطق [لسلوكهم].
إذا سُئل:
لماذا يزداد في البيئة الغربية يوماً بعد يوم استهتار المرأة بالحفاظ على كرامة أنوثتها وشخصيتها وتنتهك كرامتها يوماً تلو آخر؟
ولماذا يُمكن للمرأة أن تشارك حتى لو نصف عارية في الاجتماعات الرسمية التي تقام في أوروبا وأمريكا، في حين أن على الرجل أن يرتدي زيّاً كاملاً وربطة عنق أيضاً أو «البابيون»؟ لماذا؟
لماذا يحقّ للمرأة أن تأتي كذلك، في حين إذا ارتدى الرجل السروال القصير مثلاً في المجالس الرسمية يكون مخالفاً للآداب؟ ما السبب؟ لا ضير أن تأتي المرأة بتنورة قصيرة، ولكن لو كانت ملابس هذا [الرجل] قصيرةً نوعاً ما، فهذه مشكلة! لماذا؟
لماذا يزداد الترويج للفاحشة والبغاء في البيئات الغربية يوماً بعد يوم؟ هذا ما يحدث الآن.
لماذا تُعدّ المثلية الجنسية أسلوب حياة تقدمياً وإذا ما رفضها أحدٌ يصير فكراً متخلّفاً، وإنساناً متخلّفاً، وشعباً متخلّفاً؟ لماذا؟
لماذا يروَّج لها في كلٍّ من البيئات السياسية والاجتماعية، ويروِّج لها الرؤساء ومسؤولو الدول ويفتخر بعضهم بأننا كذلك! لماذا؟ أي منطق لهذا؟
في البيئة الغربية غير المبالية، لماذا تزداد العلاقات الجنسية الثلاثية أو الرباعية – وفقاً لإحصاءاتهم والمعلومات التي لدينا ونعرفها، فهي ليست معلومات مخفية بل مُتاحة – يوماً تلو آخر؟ تتزايد هذه الأمور التي تدمر الأسرة يوماً بعد يوم في الغرب، وهذه الأشياء كلها تدمر أساس الأسرة. إنّ الحرية الجنسية والتوسّع المُفرط في الاعتداءات الجنسية تهدم الأسرة. اقتبست قبل بضع سنوات 1 من كتاب أحد الرؤساء الأمريكيين 2، وقد كانت الإحصاءات مرعبة بالمعنى الحرفي للكلمة، إحصاءات الاعتداءات الجنسية والفجور، ولا عقاب على الاعتداء الجنسي! لا يعاقبون على الاعتداء الجنسي، لكن هناك عقاب على الحجاب. يتحرّش رذِلٌ أو سافلٌ بمرأة محجبة فيُستدعى إلى المحكمة، وهناك يطعن تلك المرأة ويقتلها 3. ليست هذه المُعضلة [فقط]، فقد يُحكم مدّة بالسجن على الرذِل ذاك، لكن هذا الهجوم على الحجاب ومناهضته لا يُدان إطلاقاً بوصفه عملاً قبيحاً! لماذا؟
هذه أسئلة بلا إجابات، ولا يجيبون عنها، إذ ليس هناك منطق. فعندما يسألون إيرانياً – مسؤولاً إيرانياً مثلاً شارك في مؤتمر أوروبي أو أمريكي كبير – هل أنت موافق على المثلية الجنسية، فإذا قال: لا، تُطلق صيحات الاستهجان عليه! ما السبب في ذلك؟ أي منطق هذا؟ لا توجد إجابة. إن سلوك الغرب في «قضية المرأة» والقضايا المتعلقة بها وسلوكه تجاه المجتمع النسائي لا يستند إلى أيّ منطق، وهذا ما يجعلهم يتهرّبون من النقاش والحوار والتباحث في هذه المجالات.
لقد ذكرت أنّهم يفرضون توجّهاتهم بالأدوات، وهم محترفون جدّاً في هذه الأعمال: ينتجون الأفلام ويؤلّفون الكتب ويكتبون المقالات ويقدّمون الأموال إلى الشخصيّات الفنيّة والثقافية والسياسيّة وغيرهم ويحثّونهم على التكلّم. يؤسّسون مراكز دوليّة – مراكز تتعلّق بالمرأة أو أمور أخرى – وتعمد هذه المنظمات الدولية كما تُسمى إلى منح العلامات والتقييم [للدول] فيجعلون كلّ بلد يعارض توجّههم في قعر الجدول.
حسناً، يكثر الكلام في هذا الصدد، وقد تحدثت – أنا العبدَ – كثيراً فيه. لقد أحضروا لي أمس كتاباً هو الخطب التي ألقيتها بنفسي، وكان قد طُبع ولم أره. تصفّحته ورأيت أن كثيراً من النقاط التي أعددتها وأردت قولها هنا اليوم هي في ذاك الكتاب، وقد قيلت مرّات عدّة سابقاً. لقد تحدثنا كثيراً في هذه المجالات. أقولها بكلمة واحدة: إنّ خلاصة سياسة الحضارة الغربية وزُبدتها ونهجها في «قضيّة المرأة» المهمّة جدّاً والمصيريّة تتلخّص في أمرين: الاستغلال والتلذذ، ولكل منهما شرح. لقد تحدثت ذات مرّة عن «الاستغلال»، ولا يتسّع المجال للحديث هنا. حسناً، هذا هو موقف الغرب في «قضيّة المرأة».
موقف الاسلام في قضيّة المرأة
أما موقف الإسلام، فهو عكس ذلك تماماً. إنّ نهج الإسلام نهج منطقي واستدلالي وبيان واضح وصريح في هذا الصدد. تُعدّ «قضية المرأة» من إحدى نقاط القوة للإسلام.
أود أن أقول هذا: لا يظنّ بعض الأشخاص أن علينا التفرّغ للردّ على القضايا ذات الصّلة بالمرأة. كلّا، للإسلام منطق متين وقويّ وركيزة عقلانيّة في الجوانب كافة المرتبطة بالمرأة، سواء أكان في المواضع التي ينفي فيها قضيّة «نوع الجنس»، أم تلك التي يسلّط الضوء عليها؛ ثمة منطق خلف كل هذا.
يتجاهل الإسلام في بعض المواضع «نوع الجنس» تماماً، فالقضية ليست قضية الرجل والمرأة إنّما كرامة الإنسان؛ ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … ﴾ 4. ليس المهم ههنا «نوع الجنس». إنّ القيم الإنسانيّة متساوية في الرجل والمرأة، وفي مقارنتها القيميّة مع جنس الرجل ليس «نوع الجنس» مهماً إطلاقاً؛ ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ … ﴾ 5، إلى آخرها. ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ … ﴾ 6 إلى آخر الآية من سورة الأحزاب. فكل هؤلاء على السواء عند الله المتعالي في درجات العروج المعنوي، أي لا أرجحية مطلقاً له عليها، ولا أرجحية لها عليه؛ كلاهما وُضع على هذا الطريق بمواهب مشابهة، والأمر رهن همّتهم، فثمة نساء لا يُدانيهنّ في المرتبة أيُّ رجل. بناء عليه «نوع الجنس» غير مهم.
بالطبع، في هذه الساحات المعنوية ثمّة مواضع بالذّات، وبدليل خاص، رجّح فيها الله المتعالي المرأة، من قبيل هذه الآية التي تلوها: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ … ﴾ 7. في قصة النبي موسى، يوجد أُناس ذُكروا بالاسم، وأشير إليهم بنحو خاص، فهناك النبي هارون، وهناك الخضر، وهناك الرفيق وشريك الطريق ذاك للنبي موسى. ثمة أشخاص ذُكروا في القرآن خصيصاً غير أنّه لم يُستعمل بشأن أيٍّ منهم هذا التعبير: مَثَلٌ، «فالمَثَل» يعني الأنموذج والأسوة. لقد جعل الله المتعالي للناس كافة وللمؤمنين امرأتين مَثَلاً: إحداهما امرأة فرعون، والأخرى السيدة مريم: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا … ﴾ 8. إنّ الله المتعالي لم يذكر هنا، لسبب ما، موسى نفسه بوصفه مَثَلاً وأسوةً للمؤمنين. ذكر امرأة فرعون وهي أم النبي موسى بالتبني. ولم يذكر النبي عيسى نفسه إنّما ذكر أمّه. وذا ضربٌ من الترجيح، وإعطاء الأرجحية للمرأة لأسباب معيّنة، وكذلك دليله واضح في رأيي: يوجد في جنس الرجل بسبب الظروف المادية والخصائص الجسدية التي يتمتّع بها حالة من الاستعلاء. كان الأمر كذلك خاصة في العصر الذي نزل فيه القرآن، ويريد الله المتعالي أن ينبذ هذا، فما كان هذا الكلام؟ هل قيمته أرفع لأنّ صوته أخشن مثلاً، ولأنّ قامته أطول، ولأنّه عريض المنكبين أكثر؟ لا، يجب أن يتّبع هذه المرأة والسيّدة ويجعلها أسوته، أو [جاء] في رواية أنّ رجلاً يأتي النبي ويقول: مَنْ أَبَرُّ، [أي] إلى من أُحسن أكثر؟ فيقول الرسول: أُمَّكَ 9. ثم يسأل: ومن بعدها؟ فيقول: ثُمَّ أُمَّكَ، ويسأله في الثالثة: حسناً، والآن، من بعدها؟ فيقول ثانيةً: أُمَّكَ، أي إنّ الرسول يقول ثلاث مرات: الأُم. ثَمَّ يسألُ ذاك الفتى: مَنْ بعدها؟ فيقول: أباكَ، أي إنّ الأمَّ مقدَّمةٌ على الأب بثلاث درجات. بطبيعة الحال، يشير هذا إلى مكانة المرأة في الأسرة ومن أجل تأكيد هذا المعنى. إنني أودّ قول هذا، وهو أنّه في السلوك المعنوي والعروج المعنوي والإلهي، وفي القيم الإنسانية الحقيقية، ليس لـ«نوع الجنس» دور، اللهم إلّا في حالاتٍ حيث هناك ترجيح لأحدهما على الآخر، وهو أيضاً ترجيح للمرأة على الرجل، على حد ما شاهدته ولم أرَ مورداً غير هذا. ههنا من المواطن التي ينتفي فيها «نوع الجنس».
الأمر كذلك في أصل المسؤوليات الاجتماعية. قال الإمام [الخميني] (رضوان الله عليه) في موضعٍ إنّ الانخراط في السياسة والمقدّرات الأساسية للبلاد وظيفة المرأة وتكليفها، وهو حقها وتكليفها 10، أي أوجب أنّه يتعيّن على النساء الانخراط والخوض في مقدّرات البلاد والمهمات الأساسية لها، وبطبيعة الحال هذا بحد ذاته يستتبع مبحثاً طويلاً، أي لا يوجد في هذه المجالات فرق بين الرجل والمرأة.
في ما يتعلّق بالاعتناء بشؤون المجتمع: «مَنْ أَصْبَحَ ولَم يَهتَمَّ بِأُمورِ المُسلِمينَ فَلَيسَ بِمُسلِمٍ»11، وقولهم: «ليس بمسلم»، أي سواء أكان رجلاً أم امرأة. حينما تُصبحين وأنت ربّة منزل، أو موظّفة أو امرأة تعمل، أو امرأة صانعة – مهما كان عملك – فعليكِ أن تفكري في المجتمع، أي أن تهتمّي بالمجتمع وفي أيّ وضع هو. الآن، كم تستطعن أن تساعدنَ وتؤدّينَ دوراً؛ هذا متفاوت، ففي وسع كل فردٍ أن يؤدي دوراً ما، غير أنّ هذا الاهتمام عام، فهذا الاعتناء والاهتمام والتفكير [في شؤون المسلمين] مسألة عامة. هنا أيضاً لا دور لـ«نوع الجنس»، أو هذا [الحديث]: «مَن سَمِعَ رَجُلاً يُنادي يا لَلمُسلِمين»12؛ هذه السيدة التي تحدثت الآن قالت: طريقنا مسدود في قضية فلسطين وغزّة وإلّا لكان في وسعنا أن نذهب [هناك]. افترضوا الآن مثلاً أنّ هذه السيدة الطبيبة كان في وسعها أن تكون هناك، وأن تنكبّ على معالجة المرضى والمجروحين والأطفال والنساء! لكلٍّ دوره غير أنّ أصل هذا الاهتمام والتكليف والشعور بالمسؤولية [مسألة] عامة، ولا فرق فيها بين الرجل والمرأة. لقد بيّن الإسلام هذه الأمور بنحو جليّ فهي واضحة في الإسلام وقد بيّنها.
أمّا في التكاليف الأسريّة، فبالطبع لا؛ ليست التكاليف المتعلّقة بالأسرة متساوية، فلكلٍّ ضربٌ من التكليف. فالإمكانات والطاقات الجسدية والروحية توكل إلى كلٍّ [منهما] وظيفة؛ هنا يلعب «نوع الجنس» دوراً. وما يطلقونه من شعار «المساواة بين الجنسين» بنحو مطلق، هو خطأ، فليست المساواة بين الجنسين في كل مكان. في مواطن، نعم، توجد مساواة، لكن لا توجد مساواة أيضاً في مواطن أخرى، بل لا يمكن أن تكون. الصحيح هو «العدالة بين الجنسين»، فالعدالة بينهما مُعتدّ بها في كل مكان. و«العدالة» تعني وضع كل شيء في موضعه، فالبناء الروحي والجسدي والعاطفي للمرأة يقتضي أموراً. إنجاب الأولاد وتربيتهم وكنف التربية هو مهمة المرأة؛ ولا يتأتّى هذا العمل من الرجل، فلم يخلقه الله المتعالي من أجل هذا، فهو لعملٍ آخر: العمل خارج المنزل، ومهمة [حل] مشكلات المنزل. أمّا في الحقوق الأسرية، فهما متساويان؛ ﴿ … وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ … ﴾ 13، أي بالمقدار نفسه الذي للرجل حقٌّ في الأسرة، فللمرأة حق في الأسرة بذاك المقدار نفسه. هذه آية في القرآن. إذاً، هما متساويان في الحقوق الأسريّة لكن ليس في المهمات الأسريّة. بالطبع ثمّة أمور يجب أن تُراعى أكثر في ما يخص المرأة، وجاء بعضها أيضاً في كلام هؤلاء السيدات، وقد دوّنتها بدوري.
[من قبيل] قضية أمن المرأة، [أي] الأمن داخل الأسرة. ينبغي أن تشعر المرأة بالطمأنينة إلى جانب الرجل، وتشعر بالأمان، فجدران المنزل الأربعة محلُّ الأمن والطمأنينة. إذا كان سلوك الزوج بنحوٍ يحرم فيه المرأة هذا الشعور بالأمان، فتشعر بفقدان الأمان، ويُسيء الرجل الكلام، أو أسوأ من ذلك وأشنع، فيستعمل يده، فهذا لا يمكن قبوله أبداً. ما الحل؟ الحل هو القوانين الحازمة. قلت هذا مراراً 14. يجب [سن] قوانين حازمة. قد أشاروا إلى القانون في مجلس الشورى الإسلامي، وبطبيعة الحال، يجب ولا بدّ من متابعة هذه [القوانين]. وسنوصي بدورنا، وأنتم أيضاً تابعوا بأنفسكم. يجب أنّ ينال الرجل الذي يخلق للمرأة بيئة غير آمنة داخل المنزل عقوبة قاسية، والأمر كذلك خارج المنزل. هذه قضية.
إحدى القضايا هي المشاغل الاجتماعيّة والإدارات التي سألَتْني عنها بعض السيّدات. هنا أيضاً قضيّة «نوع الجنس» ليست مطروحة، ولا قيود على حضور النساء في مختلف الإدارات والمشاغل الاجتماعيّة الحكومية، وكذلك النيابة في مجلس [الشورى الإسلامي]. خذوا على سبيل المثال عندما فَرض الأمريكيّون على إحدى الدول المجاورة لنا أنه ينبغي حتماً أن تكون نسبة النساء في المجال الإداري 25% بصورة إلزامية وبالإجبار؛ هذا خطأ. لماذا 25%؟ فلتكن 35% [أو] 20%. لا معنى لهذا التحديد للعدد والنسبة، بل المعيار هنا الجدارة، ففي مكان، قد تكون سيّدة متعلّمة ومجرّبة وكفؤة أفضل للوزارة من هذا الرجل الذي ترشّح في ذاك المجال؛ يجب [حينئذ] أن تصير هذه السيّدة وزيرة. النيابة في مجلس [الشورى الإسلامي] على هذا النحو أيضاً. خذوا على سبيل المثال أنّ المدينة الفلانيّة تحتاج إلى شخص أو اثنين ليكونا نائبين عنها في المجلس، وجرى تعيين رجل أو اثنين أو سيّدة أو اثنتين، فمن الأجدر؟ يجب أخذ الجدارة بالحسبان، ولا تفضيل هنا، كما لا محدودية، إذْ لا توجد محدودية في هذه المجالات. هذا رأي الإسلام، فالقضيّة قضيّة الجدارة.
يمكن للمرأة طبعاً أن تشارك في هذه الوظائف، لكن لا ينبغي أن تكون الحال على نحو تُحرم فيه من تلك الوظيفة النسائيّة المهمّة والأساسيّة، أي تدبير المنزل وإنجاب الأطفال. حتى في ما يرتبط ببعض الوظائف التي تُعدّ واجباً كفائيّاً على النّساء كالطّب – الطبّ النسائي واجب – فعلى النساء أن يدرسن الطبّ إلى الحدّ الذي يتوفّر معه ما يكفي من النساء الطبيبات. كذلك مهنة التعليم واجبٌ كفائي عليهن. حسناً قد يتعارض هذا الواجب مع إدارة المنزل أو إنجاب الأولاد أو الاستراحة وما تحتاجه ربّة المنزل من إجازات أو ما يمكنها أداؤه من ساعات عمل لتتمكّن من إنجاز أعمال المنزل أيضاً. وإذا برز مثل هذا التعارض في هذه المجالات، فعلى مسؤولي البلاد أن يفكّروا في حلّ لهذا، أي أن يزيدوا الأعداد، إذ لو تَقرّر أن تحضر هذه المعلّمة أسبوعيّاً خمسة أيام في المدرسة، يكون في مقدورها مثلاً أن تحضر أربعة أيام لئلا يبرز أيّ فراغ، فتكون هناك معلّمة أخرى تملأ ذاك الفراغ، وكذلك الحال في قضيّة الطبّ. إذاً، لا حدود وقيود في الوظائف والإدارات والأعمال الأساسيّة والأعمال التي تُعدّ واجباً كفائيّاً على النساء، وفي حال التعارض مع أعمال النساء المنزليّة، لا بدّ من حلّ الأمر بطريقة ما كيلا يبقى هذا على الأرض ولا ذاك. طبعاً، وفي رأيي، لا تعارض أيضاً بينهما، فأنا أعرف سيّدات نهضن بأعمال اجتماعيّة ضخمة – سواء أكانت أعمالاً جامعيّة أم علميّة أم غير علميّة – وأنشأن أيضاً أبناء وربّينهم واستطعن إنجاز هذا الأمر بصورة مميّزة جدّاً. عليه، لا تعارض بين الأمرين.
هناك نقطتان مهمّتان في رؤية الإسلام، فإنّ قولنا الطريق مفتوح أمام السيّدات في المجالات كلّها – الأنشطة الاجتماعيّة والسياسيّة وغيرها – يقع بجانب هاتين النقطتين المهمّتين، والإسلام حسّاسٌ جدّاً تجاه هاتين النقطتين: الأولى قضيّة الأسرة التي أشرت إليها، والأخرى خطر الجاذبيّة الجنسيّة. خطر الجاذبيّة الجنسيّة! الإسلام حسّاسٌ تجاه هذا. إنه يُحذّرنا من أن تكون البيئة والأجواء على نحو يجعل منحدر الجاذبيّة الجنسيّة – هو أحد المنحدرات الخطرة جدّاً – المرأة أو الرّجل يواجهان مشكلة معيّنة، فلا بدّ من الحذر.
الحجاب يندرج في هذا الإطار، فقضيّة الحجاب من تلك الأمور القادرة على تقييد خطر الجاذبيّة الجنسيّة، وإنّ تأكيد الإسلام في قضيّة الحجاب مردّه هذا الأمر. تُعرض قضيّة الحجاب في موضعين من سورة الأحزاب: ﴿ … وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ … ﴾ 15؛ أولئك الذين يذهبون إلى منزل النبي (ص) – افترضوا أنّهم ضيوف ويريدون استلام طعامٍ معيّن – يجب ألّا يواجهوا زوجة النبي (ص) بل أن يأخذوه من خلف ستار، فقد جرى التدقيق في هذا الأمر، كما أنّ هذا المعنى متوفّرٌ أيضاً في آية أخرى من «الأحزاب».
لذلك، تنبغي مراعاة هاتين النقطتين الحساستين. يجب التزام الحجاب بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكذلك قضيّة الأسرة والحضور في المنزل ودور الأمومة الذي يُعدّ الأهمّ. ربّما يمكنني القول إنّ دور الأمومة أرقى الأدوار في مجموعة عالم الخِلقة، فلو لم تكن الأمومة ولا إنجاب الأولاد والحمل والرّضاعة، فإنّ نسل الإنسان سينقرض. عليه، إنّ الأمومة أهمّ دور في عالم الخلقة والوجود المادّي للإنسان. يولي الإسلام اهتماماً بهذا، وأنتنّ أيضاً عليكنّ الاهتمام ولتتابعنه. كذلك الحال في ما يرتبط بقضيّة الجاذبيّة الجنسيّة تلك.
تُنجز أعمال كثيرة بالتفاهم. يظنّ بعض الأشخاص أنّ العمل في المنزل مسؤوليّة المرأة. كلّا، ليس من واجب المرأة العمل في المنزل إطلاقاً. الطبخ وغسل الملابس والتنظيف ليست مسؤوليّتها، بل على الرّجل والمرأة أن يتفاهما. طبعاً، ولحُسن الحظّ، يُنجِز بعض الرّجال هذه الأعمال ويعملون في المنزل ويساعدون المرأة ويتصدّون لبعض أعمال البيت. على أيّ حال ليست هذه مسؤوليات المرأة، وليعلم الجميع هذا.
أيضاً قضيّة سنّ الزواج إذ يجري التأكيد في الآثار الإسلاميّة ألّا يرتفع سنّ الزواج كثيراً، وأن يتزوّج الشّباب في أقرب وقت، وهذا لمنع خطر الجاذبيّة الجنسيّة وتهديدها. طبعاً هذا لا يعني زواج الأطفال الذي يطرحونه اليوم. لا، فبقدر ما يستطيع الشاب أو اليافع أو الرّجل، والفتاة والفتى، أن يتزوّجوا في الوقت المناسب، فإنّ ذلك محبّذ أكثر لدى الإسلام وأفضل كثيراً بالنّسبة إليهم طبعاً، وهو أفضل كثيراً للمجتمع أيضاً. عليه، إذا نظرنا إلى قضيّة الحجاب فلا ينبغي لنا أن ننظر إليها على أنها وسيلة لحرمان المرأة. هذا لا يُعدّ حرماناً إنما تحصيل للمنفعة في الحقيقة. الحجاب يجلب الأمن ويحقّقه ويؤدّي إلى الحفظ والصّون.
في الجمهوريّة الإسلاميّة الآن، ومع أنّنا لم نستطع بعد أن نكون [بمستوى] «إسلاميّة» – دوماً قلت هذا: إسلاميّتنا غير مكتملة -، تلاحظون أنّ تقدّم نسائنا في هذه الجمهوريّة الإسلاميّة لا يُقارن بما كان عليه في السابق [سواء] في العلم أو البحث، أو الفعاليات الاجتماعيّة أو الفنّ أو الرياضة أو الأعمال كلّها؛ لدينا كل هذه الأعداد من السيّدات العالمات والمدرسات في الجامعات، ولدينا هؤلاء السيّدات الفاضلات والكاتبات في مجالات الكتابة شتّى: العلمية والفنيّة، وكتابة القصص والشعر وأمثال هذه. لم نكن نملك عُشر هذه الأمور قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، فقد كنت حاضراً بصورة كاملة في البيئة الاجتماعيّة وعلى اطّلاع. البلاد غنيّة اليوم في هذه المجالات – بحمد الله – وهذا ببركة الإسلام. مع أنني قلت إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لا تزال بلداً إسلاميّته غير مكتملة ولم نتمكّن حتى الآن من تطبيق الإسلام بنحو تام، فإنّنا لو طبّقناه، فستتضاعف هذه [القدرة] لدينا اليوم أضعافاً عدّة، وستكون الأوضاع أفضل أضعافاً مضاعفة 16 17.
- 1. كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع نساء البلد البارزات، 19/04/2014.
- 2. A Call to Action: Women, Religion, Violence, and Power [نداء للعمل: النساء، الدين، العنف، القوة] جيمي كارتر.
- 3. في إشارة إلى مقتل مروة الشربيني عام 2009، وهي امرأة مصرية كانت في ألمانيا وتعرضت للطعن ثمانية عشر مرة حتى الموت على يد ألماني-روسي المولد يدعى أليكس وينز، وسبق أن رفع دعوى قضائية ضدها بتهمة التشهير.
- 4. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 70، الصفحة: 289.
- 5. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 71، الصفحة: 198.
- 6. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 35، الصفحة: 422.
- 7. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 11، الصفحة: 561.
- 8. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 12، الصفحة: 561.
- 9. الكافي، ج. 2، ص. 159.
- 10. بما في ذلك، صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، ج. 6، ص. 301؛ كلمة في لفيف من سيدات قم، 4/3/1979.
- 11. الكافي، ج. 2، ص. 163 (مع اختلاف طفيف).
- 12. الكافي، ج. 2، ص. 164.
- 13. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 228، الصفحة: 36.
- 14. بما في ذلك كلمة في لقاء فئات نسائية مختلفة، 4/1/2023.
- 15. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 53، الصفحة: 425.
- 16. مقتبس من كلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 2023/12/27 خلال لقاء مع فئات نسائيّة مختلفة من مختلف أنحاء البلاد.
- 17. المصدر: موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي دامت بركاته.