نور العترة

المؤامرة بالكلام…

رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ ابْعَثْ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) فَمُرْهُ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ يَخْطُبُ النَّاسَ ، لَعَلَّهُ يَحْصَرُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا نُعَيِّرُهُ بِهِ فِي كُلِّ مَحْفِلٍ !
فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ ، فَأَصْعَدَهُ الْمِنْبَرَ ، وَ قَدْ جَمَعَ لَهُ النَّاسَ وَ رُؤَسَاءَ أَهْلِ الشَّامِ .
فَحَمِدَ اللَّهَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ .
ثُمَّ قَالَ : ” أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَأَنَا الَّذِي يُعْرَفُ ، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ أَوَّلِ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَاماً ، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ ، أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَجْمَعِينَ ” .
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : يَا بَا مُحَمَّدٍ ، خُذْ بِنَا فِي نَعْتِ الرُّطَبِ ، ـ أَرَادَ تَخْجِيلَهُ ـ .
فَقَالَ الْحَسَنُ : ” الرِّيحُ تُنَفِّخُهُ ، وَ الْحَرُّ يُنْضِجُهُ ، وَ اللَّيْلُ يُبَرِّدُهُ وَ يُطَيِّبُهُ ” .
ثُمَّ أَقْبَلَ الْحَسَنُ ( عليه السَّلام ) فَرَجَعَ فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : ” أَنَا ابْنُ مُسْتَجَابِ الدَّعْوَةِ ، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ ، أَنَا ابْنُ أَوَّلِ مَنْ يَنْفُضُ عَنِ الرَّأْسِ التُّرَابَ ، أَنَا ابْنُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لَهُ ، أَنَا ابْنُ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَ أُحِلَّ لَهُ الْمَغْنَمُ ، وَ نُصِرَ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ ” .
فَأَكْثَرَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَلَامِ وَ لَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا عَلَى مُعَاوِيَةَ ، وَ عَرَفَ الْحَسَنَ ( عليه السَّلام ) مَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَ غَيْرِهِمْ ، ثُمَّ نَزَلَ .
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَمَا إِنَّكَ يَا حَسَنُ قَدْ كُنْتَ تَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَلِيفَةً وَ لَسْتَ هُنَاكَ !
فَقَالَ الْحَسَنُ ( عليه السَّلام ) : ” أَمَّا الْخَلِيفَةُ فَمَنْ سَارَ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، لَيْسَ الْخَلِيفَةُ مَنْ سَارَ بِالْجَوْرِ ، وَ عَطَّلَ السُّنَنَ ، وَ اتَّخَذَ الدُّنْيَا أُمّاً وَ أَباً ، وَ لَكِنَّ ذَلِكَ مَلِكٌ أَصَابَ مُلْكاً ، فَتَمَتَّعَ مِنْهُ قَلِيلًا ، وَ كَانَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ ، فَاتَّخَمَ لَذَّتَهُ وَ بَقِيَتْ عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ ، وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى : ﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ 1 ” ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، ثُمَّ قَامَ فَانْصَرَفَ .
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو : وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا شَيْنِي حِينَ أَمَرْتَنِي بِمَا أَمَرْتَنِي ، وَ اللَّهِ مَا كَانَ يَرَى أَهْلُ الشَّامِ أَنَّ أَحَداً مِثْلِي فِي حَسَبٍ وَ لَا غَيْرِهِ حَتَّى قَالَ الْحَسَنُ مَا قَالَ !
قَالَ عَمْرٌو : هَذَا شَيْ‏ءٌ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْنُهُ وَ لَا تَغْيِيرُهُ لِشُهْرَتِهِ فِي النَّاسِ وَ اتِّضَاحِهِ ، فَسَكَتَ مُعَاوِيَةُ . 2 .

  • 1. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 111 ، الصفحة : 331 .
  • 2. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 43 / 353 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى