مقالات

الصوفية والإمام علي…

كان وما زال لعلي عليه السلام مكانته الخاصة عند الصوفية عامة ، خاصة غير العرب !


إذا زرتَ اليمن فستواجهك أينما ذهبت ظاهرة أن علياً عليه السلام سيد اليمن بلا منافس ، لا فرق في ذلك بين شيعي زيدي وسني شافعي ، فهذه محلة ( الحلقة ) في سوق صنعاء وهي المكان الذي تحلقوا فيه حول علي عليه السلام وهو يقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهذا مسجد علي عليه السلام ، وهو البيت الذي استأجره ونزل فيه ، فوقفوه مسجداً .
ومسجد صنعاء هو المكان الذي صلى فيه علي عليه السلام .
والمصحف الكبير التاريخي فيه بخط علي عليه السلام .
وفي الشجاعة والفروسية عليٌّ عليه السلام هو المثل للشيب والشباب ، وآثاره في فتح اليمن حاضرة في وجدانهم ، وعندهم جبل صخره مشقوق كأنما ضرب بسيف ، يقولون هو ضربة علي عليه السلام . وفي العلم ، والعبادة ، والشهامة والكرم ، هو المثل .
وأحاديثهم ومجالسهم يملؤها ذكر علي عليه السلام ، ولا تكاد تشعر بغيره من الصحابة ، فمع علي لا حاجة إلى غيره !
أما لكي تعرف مكانة علي عليه السلام عند الصوفية في إيران ، فما عليك إلا أن تقرأ الشعر الفارسي من القرن الرابع الهجري إلى اليوم ، خاصة شعر الدراويش ، وأن ترى اليوم درويشاً طويل الشعر يحمل مبخرةً ويمشي في الشارع أو السوق ، قبل الفجر أو بعد العشاء ، وهو يقرأ بطريقته أروع الشعر في مدح علي عليه السلام !
و لك أن تقدر تأثير هذا الأسلوب الإعلامي المحبب الذي استعمله الشيعة في رفع مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام في مقابل لعن بني أمية له على المنابر . وقد رأيتُ بقاياه في قرانا في جبل عامل ، فما زلت أذكر ذلك الرجل من قرية عين بعال في ساحل صور ، عندما يدخل إلى قريتنا يوم الجمعة ويقف في ساحتها كيف يجتمع الناس عليه وهو ينشد مدائح أمير المؤمنين ويصف شجاعته عليه السلام في حرب الخندق فيقول :
يوم غَصَّتْ بجيش عمرو بن وُدٍّ *** لَهَوَاتُ الفلا وضاق فضاها
أسـدٌ في الهيـاج يقدمُ أُسْداً *** و نسوراً على المراقب ربدا
فخطاهم و جرَّ للحتف جندا *** وتخـطى إلى المدينـة فردا
بسرايا عزائم ساراها
عبر الخندق العظيم بصافنْ *** وبعضب كم قد برى ذي براثن
وجنان ما خانه في المواطنْ *** فدعـاهم وهـم ألوف ولكن
ينظرون الذي يشب لظاها
ورأى القوم منه ليثاً أحَمَّا *** ملأ الدهر منه عزماً وحزما
فانثنوا عنه خيفةً إذ ألَمَّا *** فابتدا المصطفى يحدث عما
يؤجر الصابرون في أخراها
ضامنا جنة النعيم ضـماناً *** معطياً من لظى الجحيم أماناً
لمذيق العدى ردى وهواناً *** قـائلاً إن للـجليـل جناناً
ليس غير المجاهدين يراها
ودعاهم لنيل أعـلى مقامِ *** ونـعيم بـاق ودار سلامِ
ولمجد مخلد الـذكر سـامِ *** فالتووا عن جوابه كسَوَامِ
لا تراها مجيبة من دعاها
تختشي بأس عامري سريٍّ *** قد دعاهم يأسمر سمهريٍّ
راعهم كل بكرة وعشيٍّ *** وإذا هم بفـارس قرشيٍّ
ترجف الأرض خيفة إذ يطأها
وبيمنى يديه سيف صقيلُ *** بشباه صرف الزمان جديلُ
كم لرعب منه تزلزل غيلُ *** قائلاً ما لها سواي كفيلُ
هذه ذمة علي وفاها
هذه من علاهُ إحدى المعالي *** وعلى هذه فَقِسْ ما سواها 1 .
أضف إلى ذلك أن المسلمين الأتراك كانوا لهم وما زالوا لهم علاقةٌ خاصةٌ بعلي عليه السلام حتى عَبَدَه ملايين منهم ! فلك أن تتصور ما كان عليه حال القبائل التركية وإيران عامة في عهد السلطان محمد خدابنده رحمه الله والعلامة الحلي قدس سره ، وهما يغذيان موجة ولاية علي عليه السلام وذكره وحده وعترته عليهم السلام في خطبة الجمعة !
ولك أن تقدر ما كان عليه أتباع الخانقاه الصفوية المنتشرون في القبائل التركية في كل إيران ، وفي داخل تركيا خاصة الأناضول ، وحتى في سوريا وفلسطين .

نفوذ خانقاه السادة الصفوية في إيران وتركيا

المؤكد من مصادر التاريخ المتوفرة أن الشيخ صفي الدين الأردبيلي كان شيخ طريقة وصاحب خانقاه ، له احترامه ونفوذه في شمال إيران والقبائل التركية في آذربيجان وديار بكر ، فكونه من ذرية الإمام الكاظم عليه السلام يجعل له احتراماً خاصاً ، ومؤهلاته وتقواه ، ومن أهم الأسباب استخلاف العارف الصوفي الشيخ الزاهد له .
وقد نسبوا لصفي الدين كرامات كثيرة ، وألف بعضهم فيها كتاباً ، وقالوا إنها السبب في اعتقاد الناس بأنه من أولياء الله الخاصين . ولا يمكننا الجزم بها لأنا لا نملك وسائل إثباتها ، ورجال سندها الذين ينقل عنهم المؤلفون مجهولون لنا ، والكذب في ادعاء الكرامات كثير ، وحسبانهم ما ليس بكرامة كرامة كثيرٌ أيضاً !
لكن في نفس الوقت لا يمكننا الحكم بكذب كل تلك الروايات ونفي حصول أي كرامة له فالله أعلم ، والمؤكد أن الناس كانوا يتحدثون بها ، ويبالغون فيها .
والمؤكد أيضاً أنه كان للطريقة الصفوية أتباع في آذربيجان ، لأن مركزها في أردبيل إحدى عواصم أذربيجان ، وفي كيلان حيث أتباع شيخهم الشيخ محمد البيلي الذي استخلف الشيخ صفي . وفي الأناضول وديار بكر .
وطبيعي أن يوجد لهم مريدون في مناطق أخرى ، خاصة أن قبائل الترك المنتشرة في تركيا والشام وما وراء النهر تشعر أنه منهم ، وأنها طريقة قومهم وآبائهم .
كما يدل سفر ابن الشيخ صفي صدر الدين موسى الى الشام ، وبقاؤه مدة في القدس ، على أن للخانقاه الصفوية أتباعاً في تلك البلاد .
وبهذا نفسر شكاية ترك الأناضول الذين أمر تيمور بعودتهم من بلاد الروم والأناضول لى بلادهم ، وكانوا بضع قبائل كبيرة ، فقد طلبوا من شيخ الخانقاه خواجة علي الصفوي أن يقنع تيموراً بإلغاء قراره ويعيدهم الى مناطقهم في ديار بكر ، فطلب الشيخ الصفوي منه إبقاءها فاستجاب له 2 .

  • 1. الأزرية / 52 .
  • 2. كيف رد الشيعة غزو المغول ( دراسة لدور المرجعين نصير الدين طوسي و العلامة الحلي في رد الغزو المغولي ) ، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز الثقافي للعلامة الحلي رحمه الله ، الطبعة الأولى ، سنة 1426 ، ص 424 ـ 427 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى