مقالات

الرسول الأعظم (ص) القدوة والأسوة الحسنة

كلُّ أمةٍ تُبنى لها حضارة لابدّ لها من مؤسس ومشرّع يتحلّى بقيم أخلاقية وسلوكيات عقلانية عالية يؤدي العمل بها إلى الوصول إلى درجات الكمال والرقي بحسب المبتغى المطلوب ومن هذا المنطلق كان رسولُ اللهِ a العَلمَ في العالمين والشّمعةَ التي لم تنطفئ يوماً لتنير دروبَ العاشقين لطريق الرسالة المُحمَّديَّة التي وصفها الباري برسالة الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107) وجعل منه البشير والنذير فِي آنٍ معًا لينقل عقول الناس وأفكارهم إلى إدارة أرادتهم وطرد عبودية المخلوق واللجوء إلى عبودية الباري عزّ وجلّ بطرائق سلوكيّة عالية وقيم نورانية باهرة فيها خلاص الإنسان والإنسانيّة من الحيوانية التي كان يعيشها أفراد المجتمعات الضالة (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (الفرقان:44) لسلوكيات التعايش السلميّ والتعامل الخلقي فأنقذهم مما كانوا فيه وعليه من عُمي الأبصار وصم الآذان وبكم اللسان عن أداءِ المعروف والنهي عن المنكر فجاء a ليفجر بذرة الخلاص وينبت ثمرة النور فكان فيه الخلاص من الظلمات إلى النور ومن إتباع من لا ينفع حتى نفسه أو يضر (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(المائدة:16) فكان طريق النبي a هو بناء دولةٍ وحضارةٍ جديدةٍ متكاملةٍ من جميع سلوكيات العلاقة التي تدار داخل الدولة والحضارة الإسلامية لذلك قال:(إِنَّمَا بُعِثْتُ‏ لِأُتَمِّمَ‏ مَكَارِمَ‏ الْأَخْلَاق‏) فمنطلق الأخلاق كان البداية للعمل على تطوير العقل البشري والسبب بهذا التعامل الخلقي هو لربط أبناء المجتمع الواحد والانطلاق بهم قدماً على منهاج صحيح مبني على رسالة متكاملة ذات مبادئ رساليّة ليس للزمان الذي كان يعيشه النبيa إنما لكلِّ زمان ومكان والسبب في ذلك معروف للقارئ الكريم وهو كون الرسالة المحمَّديَّة جاءت خاتمةً لكلِّ الرسالات وكتابها ناسخ لكل الكتب السّماويّة والدّين الإسلاميّ هو الدّين الذي فرض على كلِّ النّاس اتباعه والطّاعة فيه للنّبيّ الدّاعي له لأنّه محطة التّكامل الإنسانيّ الذي كان محطة البدء والانتهاء. البدء بإعلان كماليّة التّلاقي الذّهنيّ عند البشر وفي الوقت نفسه نهاية كل الأديان السّابقة سواء كانت أديان سماويّة حقيقية أو أديان إنسانيّة أسطوريّة من رسم الخرافة فقال تعالى ناهيًا عن إتباع غير هذا الدين الحنيف (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 85) ولكن رغم القطعية في اتباع الدين والمنع من اتباع غيره من الأديان إلّا أنّ النّبيّ a لم يدعُ بالقتل ولم يدعُ للاعتداء على الناس بل عمل بما أراد الله تعالى من تحقيق الخلاص البشري من الدمويّة وانتهاك الحرمات والانتقال إلى مرحلة التلاقي الفكري والنقاش العالي وتغيير موازين العالم نحو الصلاح والخير فقال تعالى:(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة:256) فكل إنسان حر الاختيار وفي النهاية هو مالك لجوهر العقل وباستطاعته التمييز بين الحق والباطل ومقارنة الوقائع والسير على المنهاج الحقيقي الذي يصل به الإنسان إلى أعلى الدرجات الإنسانية فاختار النّبيّ طريق الحكمة والموعظة الحسنة لتبليغ الرسالة واتمام النعمة على البشرية (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125) نهاية المطاف والهدف مما صنع النبي وهو القدوة والاسوة في المجتمع الاسلامي لا! وليس هذا فقط بل هو المصباح المنير والداعي الأول للسلم والخير والتلاقي البشري في جميع المجتمعات هو أن يكون شخصية للمسلم تكون منارا للمستنيرين والمستبصرين في العالم ويكون شاخصاً داعي إلى الرحمة والتعاون وصنع المحبة في المجتمعات العالمية فالواجب على كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة التأسّي والتّحلّي بأخلاقه a  فالاقتداء به هو أساس الهدى والكمال والتحول من البشرية اللاإنسانية إلى البشرية الإنسانيّة، قال تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21) فالصبر والحلم والحكمة والقيادة والإرادة والإنسانيّة التي تحلّى بها رسول اللهa وجب على كل المسلمين أن يترجموها بسلوكياتهم وتصرفاتهم ومنع الأفكار الدخيلة على الإسلام مثل ماحدث في الحقبة الأخيرة من دعوات إلى التكفير والقتل وحرمان الناس من حياتهم وأمنهم وأولادهم بحجة الدعوة إلى الإسلام وايضاح حقيقة الإسلام والمسلم السلمية لأنّ صاحب الرسالة الحقيقية لا يدعو إلى مثل هذه الترهات لأنّ المسلمين أصحاب مبدأ وقضية، ودعوة الإلهيّة جاء بها خير البشر خَلقاً وخُلقاً (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) وأوصى بها خيرُ الناس أجمعين أهلَ بيته الكرام الذين وصفهم القرآن بالتطهير من الرجس والتنزيه عن الاثم:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب:33) ومثّلهم الله بالشجرة الطيبة والشجرة الزيتونة وبالنور الساطع لأنّهم حقاً هم فقط الذين انفردوا بالقدوة من النّبيّ ومن تبعهم على المنهاج القويم .
حسين علي الشامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى