وقف متبجحاً: أنا خيرٌ منه خلقته من طين وخلقتني من نار، غرورٌ وعدم تواضع كانت نتيجتهُ أن طُرد من الجنة فهو رجيم، خسران كبير كان من نصيب الشيطان، حسد وحقد كلّه نتيجة الكبر فلو أنّه ذاق طعم التواضع وعرف قيمته لكان من أصحاب النعيم فيا ترى ما التواضع؟
التّواضُعُ من الصِّفات الحميدة التي حثّ عليها الله{ واتصف بها أنبياؤه ورسله (عليهم السلام)، وإذا أردنا أن نختصر تعريفاً بسيطاً لهذه السّمة العالية نقول هي أن نظهر للناس جميل العشرة وأن لا نتعالى على أحد أو نُشعره أننا فوق مستواه بل نشكر الله على فضله ونحمده على نعمه مخافة أن تزول وفي كلام أهل البيت (عليهم السلام) بيان لهذه الصفة الحميدة فقد سُئل الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) عن التواضع فقال:(هو أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحداً إلا رأيت له الفضل عليك)، وما أجمله من بيان.
وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) بعض موارد التواضع وألوانه لا من باب الحصر بل من باب الأهمية والتأكيد حيث قال (عليه السلام): (ثلاثة هن رأس التواضع: أن يبدأ بالسلام من لقيه، ويرضى بالدون من شرف المجلس ويكره الرياء والسمعة) ميزان الحكمة – الريشهري 11/ 184.
ويشير القرآن الكريم في مواضع متعددة إلى التواضع عادّه في بعض بياناته من صفات المؤمنين فمن واجبات المؤمن وكما نصّ الكتاب العزيز أن يتواضع لأخيه قال تعالى واصفاً المؤمنين
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{(لمائدة – 54) بل بيّنت الآية الكريمة أنّ النصر وذلّ المتكبرين يكون بيد هؤلاء المؤمنين كما وصف القرآن الكريم الكافرين بالمتكبرين في بيان حال دخولهم إلى جهنم قال تعالى }قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ{ (الزمر – 72) ثم تشير الآية التالية إلى حال المؤمنين وهم أهل التواضع وصورة العز التي يدخلوا فيها جنان الخلد }وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ{ (الزمر – 73) . وهو عزّ أبديّ أكرمهم به الله جزاء تواضعهم وخضوعهم له جلّ جلاله.
وفي سورة الفرقان المباركة بيان لصفات عباد الرحمن وجعل أوّل تلك الصفات أنّهم متواضعون خاضعون لله{.
قال تعالى:}وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا{(الفرقان – 63). ويَتَّضِحُ من هذا البيان الصريح أن التواضع من موجبات الرحمة الإلهيّة، وأن من يسعى إلى القرب من الله{ لابد أن يسلك هذا الطريق وإلا كان ممن شملهم قوله تعالى في سورة لقمان نقلاً عن لسانه وهو يوصي ولده قائلاً:}وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{ (لقمان – 18).
ويشترط في التواضع أن يكون خالص النية وموجّه لله وحده وأن يقصد به وجهه الكريم حينها يرفع صاحبه أيّما رفعة لا أن يكون التواضع من أجل مصلحة دنيوية أو أن تتودد لسلطان ظالم أو صاحب جاه من أجل منفعة خاصة فحينها تكون ممن يمقتهم الحق تعالى كما جاء في قول إمامنا الصادق (عليه السلام): (أيّما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو من يخالطه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه أخمله الله ومقته عليه ووكله إليه فإنْ هو غلب على شيء من دنياه وصار في يده منه شيء نزع الله البركة منه ولم يأجره على شيء ينفعه في حج ولا عمرة ولا عتق) فما أجمل أن يكون التواضع عن فضل وجاه وكرامة فحينها يكون الإنسان من أفضل الناس ويستحق أن يرفعه الله لفعله الحسن فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أنه قال:(أفضل الناس من تواضع عن رفعة) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله)، ولا ننسى أن نشير إلى ما للتواضع من فوائد جمة وعظيمة فهو مدعاة لنشر الألفة والمودة والمحبة بين أبناء المجتمع كما يعمل على تقوية أواصر التواصل والانسجام ويعمل على إماتة الحقد والحسد ويميت الطبقية موصلاً إلى السلام والأمان الاجتماعي وقد وردت العديد من الروايات الشريفة تبين ما سبق الإشارة إليه منه قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثمرة التواضع المحبة) وقوله (عليه السلام) (التواضع ينشر الفضيلة) وتبقى سيرةُ النبي المصطفى(صلى الله عليه واله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) خيرَ شاهد على فوز المتواضعين ورفعتهم فهم شموس ساطعة تنير سماء البشرية في الحاضر والمستقبل لا يزيدها تعاقب الأزمان إلا نوراً ووهجاً.
زيد حيدر