يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ … ﴾ 1، حيث تتحدّث هذه الآية عن قضية مهمّة أوجدها الإسلام رابطة بين المؤمنين به والملتزمين خطّه ونهجه في الحياة الدنيا.
معنى الأخوّة: إنطلاقاً من حديث أمير المؤمنين (عليه السلام): (الناس صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين،أو نظيرٌ لك في الخلق)، يمكن أن نحدّد معنى الأخوّة بأنّها: (إلتقاء عددٍ من الأفراد في الإيمان بعقيدةٍ واحدة ذات مسار واضح ومحدّد ويفرض على أتباعها نوعاً خاصّاً من التلاقي والتوافق في السلوك والأهداف).فالأخوّة إذن هي تعبيرٌ عن وحدة الهدف والمصير والمسار والسلوك تجاه القضايا والأحداث التي تمسّ المسلمين كمجموعة، فتفرض عليهم أخوّتهم الإسلامية طريقة خاصّة في التضامن مع بعضهم البعض ومساعدة المحتاج منهم لتجاوز الصعاب ومواجهة الشدائد في الجوانب السلبية، ولإضفاء مسحة من الرحمة والرأفة بين هؤلاء الأفراد في الجوانب الإيجابية التي تعود عليهم بالنفع الكبير في حياتهم الدنيا.
مقياس الأخوّة: ولا شكّ أنّه كلّما كانت صلات الأخوّة معمّقة بين المتآخين
ازدادت أواصر المحبّة بينهم، وكلّما صفت النّوايا وخلصت كان هؤلاء منسجمين وحاضرين لاحتضان بعضهم للبعض الآخر، ومقياس الإختبار لصدقية المؤاخاة هو الأحداث التي تحصل، فيحتاج فيها الإنسان إلى عون أخيه، فإن أعانه بما يحتاج إليه مع القدرة على ذلك كانت الأخوّة صادقة وأمينة، وأمّا إذا تخلّى عنه وتركه يتخبّط فيما هو فيه، فهذا يعني أنّ الأخوّة تلك لم تكن لله، بل للدنيا ولتحصيل المنافع الشخصية أو غير ذلك من الأهداف الرخيصة، ومثل هذه الأخوّة السلبية مذمومة في الإسلام ومرفوضة، وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تنبّه إلى ترك مثل هذا التآخي الكاذب، ومنها: (الناس إخوان، فمن كانت أخوّته في غير ذات الله فهي عداوة، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ 2 و {من آخى في الله غنم، ومن آخى للدنيا حرم}. وبهذا يتّضح أنّ المقياس للأخوّة الصادقة أن تكون ناشئة عن التلاقي في خطّ الإيمان الصحيح وأن ينظر الأخ إلى أخيه نفس النظرة التي ينظر فيها إلى نفسه بغض النظر عن الحجم والدور والمكانة في المجتمع، لأنّ هذه الأمور لاحقة للشخص وتابعة له بنظر الإسلام وليست هي المقياس للإخوّة الحقيقية.
عوامل استمرار التآخي: والمراد بذلك هو الأمور التي لا بدّ من أن يلتفت
الإنسان إليها عندما يؤاخي شخصاً حتّى تستمر تلك العلاقة الرحيمية بينهما، لأنّ اكتساب الأخ أمرٌُ مستحب والحفاظ على مؤاخاته أمرٌ أكثر استحباباً لأنّه يُبْعِد الأغراض الدينية والأهداف الدنيويّة كلّما طال أمد الأخوّة وتعمّقت أواصرها بين المتآخين، ومن عوامل حفظ الأخوّة ما يلي:
أولاً- عدم الجفاء: لأنّ الإبتعاد عن التواصل بين المتآخين يمكن أن يؤدّي إلى حالٍ من ضعف الروابط التي قد ينتج عنها عدم اهتمام بأمور الأخوّة بالمقدار الذي يرفع عنهم الضيق والضيم أوالأعباء التي يمكن أن يرزحوا تحتها، وقد ورد في الحديث: (الجفاء يفسد الأخاء) و (إيّاك والجفاء، فإنّه يفسد الأخاء ويمقت إلى الله وإلى الناس).
ثانياً- إظهار المحبّة بين المتآخين وإعلامهم بها: لأنّ إظهار الحبّ للأخ والإعتراف بذلك أمامه يعطي لهذا الكلام مدلولاً عميقاً ويؤثّر في نفس من تعترف له بأخوّتك، فيزداد ثقة واطمئناناً ويعطيه الإحساس بقوّة ومتانة العلاقة، ويجعله مرتاحاً في التعامل من دون خوفٍ أو قلق ويتصرف عندئذ من وحي ذلك، وقد ورد في الحديث مايشير إلى ذلك مثل: (إذا أحبّ أحدكم صاحبه أو أخاه فليعلمه، فإنّه أصلح لذات البين)، وما ورد عن الباقر (عليه السلام) عندما سمع رجلاً يقول: والله إنّي لأحبّ هذا الرجل، فقال الإمام (عليه السلام) ألا فأعلمه، فإنّه أبقى للمودة وخيرٌ في الألفة).
ثالثاً- حفظ قديم الإخوان: لأنّه ما من شكٍّ أنّ الحفاظ على الأخ أكثر أهمية من اكتساب الأخ الجديد، لأنّ حفظ القديم زمناً من الإخوان يعطي نوعاً من المصداقية العالية في الصدق والوفاء ويجعل الإنسان مورد ثقة واطمئنان وهذا ما يشجّع الآخرين على اكتساب أخوّة مثل هذا الشخص الحافظ للأخوّة والموفي بعهد الصداقة والتآخي، ولذا ورد في الأحاديث: (إختر من كلّ شيء جديد، ومن الإخوان أقدمهم)، وكذلك: (إنّ الله تعالى يحبّ المداومة على الإخاء القديم، فداوموا عليه).
صفات الأخ الحقيقي: فقد ورد في الأحاديث الشريفة الكثير من النصوص التي
توضح من هو الأخ الحقيقي الذي تنطلق مؤاخاته من الله ويُقْصَد بها الله أيضاً، وسنختار بعضاً مهماً من تلك الأحاديث من أجل توضيح صورة الأخ الحقيقي، فمنها: (إنّ أخاك حقاً من غفر زلّتك وسدَّ خلَّتك وقبل عذرك وستر عورتك ونفى وَجَلك وحقّق أملك) و (من لم يؤاخ إلاّ من لا عيب فيه قلّ صديقه)، وكذلك: (أخوك من لم يخذلك عند الشدّة ولا يغفل عنك عند الجريرة ولا يخدعك حين تسأله) و (خير إخوانك من عنَّفك في طاعة الله سبحانه) و (خير إخوانك من واساك، وخير منه من كفاك) و(خير إخوانك من سارع إلى الخير وجذبك إليه وأمرك بالبر وأعانك عليه). وهذا غيضٌ من فيض من النصوص التي يوضح كلّ واحدٍ منها أو مجموعةٍ منها بصفة أو صفات ينبغي أن تتوافر فيمن تريد مؤاخاته لتكون الأخوّة حقيقية وصادقة.
فالأخ الحقيقي كما تشير الروايات هو المعتبر وسيلة من وسائل النصح والإرشاد، وهو بابٌ ينفتح من خلاله الإنسان على من هم مثله في الدين والمعتقد انطلاقاً من القناعات الإيمانيّة المشتركة والأهداف الواحدة، ويتعامل مع غير الناس المتوافقين معه في العقيدة على قاعدة التساوي في الإنسانيّة التي تفرض مجموعة من الحقوق على الإنسان تجاه أخيه الإنسان كما تفرض عليه الأخوّة واجباتٍ تجاه أخيه في الدين والمعتقد والأخوّة الخقيقيّة هي الّتي تجعل من المتآخين كتلة متراصّة، ولذا ورد في الحديث: (من أصبح ولم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم) ،والتآخي يفرض على المسلم الإهتمام بأخيه والإطّلاع على أحواله لكي يثبت انتماءه الحقيقي لهذا الدين الحنيف.
من هنا ينبغي على أبناء الإسلام أن يسعوا لتقوية روابط الأخوّة فيما بينهم لتكون الناصر والمعين لتجاوز العقبات الكبيرة التي يمكن أن تمرّ بها شعوبنا وأمّتنا نتيجة تكالب الأعداء علينا، وبهذا نتمكّن من أن ننتصر ونحرّر إرادة أمّتنا وشعوبها من هيمنة المستكبرين في العالم.
والحمد لله ربّ العالمين3.
- 1. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 10، الصفحة: 516.
- 2. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 67، الصفحة: 494.
- 3. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.