مقالات

أدلَّةُ جوازِ التَّقليدِ (الحلقة الثانية)

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

بقلم: زكريَّا بركات


الدليلُ الأوَّل
(السِّيرةُ العقلائيَّة)

السِّيرةُ العقلائيَّة من الأدلَّة التي يتمُّ بحثُها في علم أصول الفقه، ولا خلاف بين أهل التَّحقيق من عُلماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في حُجِّية السيرة العقلائيَّة، كما لا خلاف بينهم في تماميَّة التمسُّك بها في مجال إثبات جواز التقليد وحُجِّيته. والتمسُّك بالسيرة يُمثِّل صورةً من صور التمسُّك بسنَّة المعصوم في بُعد التقرير والإمضاء.. وينبغي لطالب العلم أن يطلب تفصيل هذا البحث في كتب علم الأصول.. ولكنَّنا نحاول بيان التمسُّك بالسيرة العقلائية في موضوع جواز التقليد بشكلٍ مبسَّط مع الإلماح إلى معنى السيرة ووجه حُجِّيتها بإيجازٍ.


يُقصد بالسيرة العقلائيَّة: أنَّ سلوك العقلاء ـ بغضِّ النَّظر عن انتماءاتهم الخاصَّة ـ جارٍ على رجوع الجاهل إلى العالم في كلِّ مجال، وعلى اعتماد غير المختصِّ على المختصِّ في كُلِّ فنٍّ، ونظراً إلى أنَّ هذا السلوك بمكان من القوَّة والشيوع، بحيث يؤثِّر على سُلوك المتشرِّعة في مجال الأمور الدينيَّة أيضاً، وهو على مرأى ومسمع من الشارع المقدَّس المتمثِّل بالنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه عليهم السلام، فإنَّ عدم ورود الردع من الشارع المقدَّس عن هذا السلوك العقلائيِّ العام يعني أنَّه مرضيٌّ في الشريعة المقدَّسة، وإلَّا لزم الردع عنه صيانةً لأغراض الشارع المقدَّس وأهدافه التشريعيَّة من التأثير السلبيِّ ـ لو فُرض أنه موجود ـ للسيرة العقلائيَّة.. ولا بدَّ أن يكون الردعُ بقدر من القوَّة بحيث يصل إلى جميع الأجيال ويكون قادراً على كسر السيرة المذكورة.. فعدم ورود الردع كاشفٌ عن الإمضاء والإقرار، بمعنى أنَّ هذا السلوك مرضيٌّ بكلِّ امتداداته وتطبيقاته في مختلف المجالات، حتى الدينيَّة منها. ومن ذلك يتبيَّن أنَّ السيرة العقلائيَّة تكشف ـ بضميمة عدم ورود الردع ـ عن رضا الشارع المقدَّس عن رجوع غير المجتهد إلى المجتهد.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى