لمَّا تهادن الإمام الحسن بن علي ( عليه السَّلام ) مع معاوية بن أبي سفيان ، تَوَثَّقَ 1 ( عليه السَّلام ) لِنَفْسِهِ مِنْ مُعَاوِيَةَ لِتَوْكِيدِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، وَ الْإِعْذَارِ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَ عِنْدَ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ تَرْكَ سَبِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) ، وَ الْعُدُولَ عَنِ الْقُنُوتِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ ، وَ أَنْ يُؤَمِّنَ شِيعَتَهُ وَ لَا يَتَعَرَّضَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِسُوءٍ ، وَ يُوصِلَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ .
وَ أَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَ عَاهَدَ عَلَيْهِ ، وَ حَلَفَ لَهُ بِالْوَفَاءِ لَهُ ، فَلَمَّا اسْتَتَمَّتِ الْهُدْنَةُ عَلَى ذَلِكَ ، سَارَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ بِالنُّخَيْلَةِ ، وَ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ ضُحَى النَّهَارِ ، فَخَطَبَهُمْ ، وَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : إِنِّي وَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا ، وَ لَا لِتَصُومُوا ، وَ لَا لِتَحِجُّوا ، وَ لَا لِتُزَكُّوا ، إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ ، وَ لَكِنِّي قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ ، وَ قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَ أَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ .
أَلَا وَ إِنِّي كُنْتُ مَنَّيْتُ الْحَسَنَ وَ أَعْطَيْتُهُ أَشْيَاءَ وَ جَمِيعُهَا تَحْتَ قَدَمَيَّ لَا أَفِي بِشَيْءٍ مِنْهَا لَهُ .
ثُمَّ سَارَ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ ، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّاماً ، فَلَمَّا اسْتَتَمَّتِ الْبَيْعَةُ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ ، وَ ذَكَرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) وَ نَالَ مِنْهُ ، وَ نَالَ مِنَ الْحَسَنِ ( عليه السَّلام ) مَا نَالَ ، وَ كَانَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ( عليهما السلام ) حَاضِرَيْنِ ، فَقَامَ الْحُسَيْنُ ( عليه السَّلام ) لِيَرُدَّ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْحَسَنُ ( عليه السَّلام ) فَأَجْلَسَهُ .
ثُمَّ قَامَ فَقَالَ : ” أَيُّهَا الذَّاكِرُ عَلِيّاً ، أَنَا الْحَسَنُ وَ أَبِي عَلِيٌّ ، وَ أَنْتَ مُعَاوِيَةُ وَ أَبُوكَ صَخْرٌ ، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ وَ أُمُّكَ هِنْدٌ ، وَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) وَ جَدُّكَ حَرْبٌ ، وَ جَدَّتِي خَدِيجَةُ وَ جَدَّتُكَ قَتِيلَةُ ، فَلَعَنَ اللَّهُ أَخْمَلَنَا ذِكْراً ، وَ أَلْأَمَنَا حَسَباً ، وَ شَرَّنَا قَدَماً ، وَ أَقْدَمَنَا كُفْراً وَ نِفَاقاً ” .
فَقَالَتْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ : آمِينَ آمِينَ ، 2 .
- 1. أي أخذ المواثيق من معاوية على ما تهادنا عليه .
- 2. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 48 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .