إعرف عدوكالتاريخ الإسلاميالجهاد و الشهادةزاد عاشوراءسادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)مقالاتمناسباتمنوعات

موقف الحسين عليه السلام ليلة العاشر

تلك الليلة كانت الليلة الأخيرة للحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وأصحابه من الذين استشهدوا بين يديه، وكانت الليلة الأخيرة للأخرين من أهل البيت (عليهم السلام) من النساء والأطفال الذين صاروا سبايا يسقن من بلدٍ إلى بلد حاسرات الشعر ومهتوكات الستر.
فالجميع مشغولون في تلك الليلة، والكل ينتظر انبلاج ضوء الصبح، بعضهم ليُكتب في سجل الخالدين ممن نصروا مسيرة التوحيد عبر التاريخ الطويل للإنسانية وبعضهم الاخر ليُكتب في سجل الظالمين ممن سفكوا دماء أولياء الله وعاندوا الحق وأهله.
هي ليلة كانت ثقيلة على الجيش الأموي المقدم على الجريمة النكراء، ليلة استغلَّها ذلك الجيش الظالم في إعداد العدَّة لسفك الدماء التي يغضب الله لقتلها ويفرح الشامتون والمنافقون بإزهاقها لأن في ذلك إرواءً لظمأ أحقادهم وتشفياً لثاراتهم التي يحملونها ضد الإسلام والمسلمين عموماً، وضد أهل البيت ( عليهم السلام ) خصوصاً.
هي الليلة التي استأذن فيها الإمام ( عليه السلام ) من ذلك الجيش واستمهلهم إياها، لكي يتفرّغ فيها لعبادة ربه والتوجُّه إليه وخاطب أخاه العباس ( عليه السلام ) في ذلك قائلاً له: ” ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلَّنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار “.
لقد حفلت تلك الليلة في معسكر الحسين ( عليه السلام ) بالكثير من الأجواء الايمانية الراقية في حالة من الخشوع والخضوع والعبودية التامة لله والتسليم المطلق له والرضا بقضائه.
هي الليلة التي امتحن الإمام الحسين ( عليه السلام ) قلوب أصحابه لينظر ما هم عليه، فإذا به لا يرى إلاَّ رجالاً كالجبال لا تزلزلهم الأهواء ولا تقتلعهم العواصف، وكل واحد منهم يعبّر عن الحب والولاء والاستعداد للقتل بين يديه فداءً له ولدينه، وفي تلك الليلة انصهرت الأرواح في روح الحسين ( عليه السلام ) لترفع إلى الله صلاتها ودعاءها وابتهالها وتضرُّعها وبكاءها في جوف ذلك الليل، فلقد انشغل الجميع بين قائم وقاعد وراكع وساجد، فتحوَّل بذلك سواد الليل إلى أنوار إلهية مشرقة في تلك النفوس المطمئنة المؤمنة.
وكيف لا يكون الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه في تلك الليلة كذلك؟ وهل خرج من بيته إلاَّ من أجل ذلك؟ ألم يخرج لقتال يزيد بذلك الشعار الذي أطلقه ” ألا وإني لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أريد أن امر بالمعروف وأنهى عن المنكر “؟ وهل كان رفضه لبيعة يزيد قبل خروجه من المدينة إلاَّ من أجل أن يحافظ على الصلاة كما يريدها الله عزَّ وجل وحتى لا تتحوَّل العبادة إلى كلام فارغ من المضمون وحركات جوفاء لا تثير في النفس شعور الخضوع والخشوع والتذلُّل لرب العالمين؟ ألم يخرج من أجل أن تكون حياة الأمة الإسلامية كلها في أجواء الصفاء والنقاء عبر توفير الأوضاع التي تسمح لهم بإحياء لياليهم كما أحيا الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ليلة العاشر من المحرَّم؟ , لقد أراد الإمام ( عليه السلام ) أن تكون تلك الليلة ليلة الوداع من هذه الدنيا، فهو يعلم أنه مقتول في الصباح اللاحق بها، لذا يريد التفرُّغ لعبادة ربّه لا يشغله عن ذلك شي‏ء لأنه يريد الخروج من هذه الدنيا على أكمل هيئة يخرج بها أولياء الله من هذه الدنيا وهم الذين يعيشون الإيمان كله ويعرفون الحياة كلها ويؤدُّون حق الله تعالى على الوجه الأكمل.
إن ذلك الموقف الحسيني المشبع بجو الخشوع والخلوص لله عزَّ وجل ليلة العاشر من المحرَّم هو الذي استلهمه كل الذين سلكوا سبيل الحسين ( عليه السلام ) بعده من المجاهدين والشهداء الذين كانت تهديهم تلك الليلة بأجوائها العطرة والعابقة بشذى الإيمان وعطره الأخَّاذ.
إن موقف الحسين ( عليه السلام ) ليلة العاشر أعطى كربلاء أبعادها الإيمانية والروحية التي امتزجت بالجهاد والعطاء والشهادة في اليوم العاشر من المحرَّم، ليتشكّل من ليلة عاشوراء ويومها خط السير النهائي لحركة كل السائرين في خط الثورة من أجل دين الله عزَّ وجلّ‏َ.
لقد صار ذلك الموقف الرسالي الخالد مدرسة يتعلَّم منها كل المجاهدين الذين يحملون معهم ليلة العاشر بكل ما كانت تحويه من صفاء الإيمان ونقاء الارتباط بالله، ويجعلونها اخر أعمالهم قبل البدء بمواجهة أعداء الله والإنسانية ليلاقوا الله من موقع الجهاد وهم في حالة من الخشوع والعبادة والدعاء والابتهال إلى الله، فتراهم في عتمة الليل العُبَّاد الزهَّاد الذين يشعرون بلذة طعم مناجاة الله ، ويذرفون الدموع السخيَّة خوفاً من الله وطمعاً برحمته ومغفرته، وليقولوا من خلال ذلك للحسين ( عليه السلام ) ” نحن أتباعك ومحبوك ومريدوك والسائرون على نهجك، ونحن الذين نريد أن نخرج من الدنيا على طريقتك لنكون معك وبين يديك إلى جوار نعيم الله وظلّه الذي لا ظلّ بعده “.
فإذا كان تأثير ذلك الموقف من الحسين ( عليه السلام ) ليلة العاشر هو ذلك، فكيف كان تأثير تلك الليلة على من كانوا معه من أهل بيته وأصحابه؟ وكيف كان عشق أولئك المرافقين له في إحياء تلك الليلة العظيمة؟ ولهذا لن نستغرب موقف أولئك الأهل والأنصار عندما يجيبون طلب الإمام ( عليه السلام ) لهم بالتفرُّق في جوف ذاك الليل واتخاذه جملاً للنجاة بأنفسهم من القتل بأنهم لن يجدوا لذة العيش بعده، بل لا معنى للحياة من دونه كما عبَّروا، بل إن البعض منهم قال وهو زهير بن القين: ” وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أُقتل كذا ألف مرة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك ” وقال مسلم بن عوسجة: ” أنحن نخلي عنك وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ” وقال العباس عليه السلام: ” لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبد “.
وهكذا سوف يبقى موقف الحسين ( عليه السلام ) ليلة العاشر الموقف الذي يهز الضمائر ويحرّك الوجدان ويثير في النفس عوامل القوة والثبات، وستبقى ليلة العاشر الليلة المضيئة التي تزوّد المجاهدين بالروحية العالية وتشع في قلوبهم أنوار الإيمان وتقوي الارتباط والعلاقة بالله عزَّ وجلّ‏َ ، ولتكون عربوناً ونموذجاً عن الشكر لله على التوفيق لمعرفته والتسديد لطاعته ، ولتكون اخر عمل يخرج به المجاهدون الكربلائيون ممزوجاً بحركة الجهاد واندفاعة العطاء وحيوية الدم المسفوح في سبيل الله.

المصدر: http://h-najaf.iq

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى