نور العترة

ما بين النبي والمهدي …

وأشرقت الأرض بنور ربها ووُلد سيد الكونين النبي محمد (ص) الرحمة الالهية المهداة للبشرية جمعاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولينقذهم من أوهام عبادة الأصنام والأوثان إلى حقيقة عبادة الله الواحد الديان، ولذا قال تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ 1.

وبعد أن بعثه الله بالنبوة الخاتمة، قام بواجبه على الوجه الأكمل لجهة تبليغ الرسالة والدين الجديد الوافد ليحل محل عقائد أهل الجاهلية القائمة على أعراف وتقاليد اخترعتها الناس لتطبقها مع ما كانت تحويه من ظلم وجور وتعسف ضد الفقراء والمستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة، وليس أمامهم سوى الانصياع والطاعة ولو بغير إرادتهم لجبروت الطغاة والمستكبرين من قريش كأبي سفيان وأبي لهب وأبي جهل وغيرهم.
وكالعادة فإن المتمسكين بزمام أمور المجتمع يحاربون كل فكر أو عقيدة تريد إنقاذ الناس من الظلم والاستبداد، وهذا ما فعله زعماء قريش حيث نكلوا بالمسلمين الأوائل والقلائل الذين تجرأوا على أسيادهم وآمنوا بنبوة محمد (ص) ودينه، حتى استشهد أول شهيدين “ياسر وسمية” تحت التعذيب، حتى اضطر ولدهما عمار إلى أن ينال من النبي (ص) ودينه لإنقاذ نفسه من الموت.
لكن إرادة الله أقوى من إرادة الجبابرة والطواغيت وهيأ الله لنبيه أرضاً قبلت دعوته ودينه، وكانت تلك الأرض المدينة المنورة التي هاجر النبي (ص) إليها، وأقام النواة الأولى وشيد المدماك الأول لدولة الإسلام العظيم، وذلك ليرى سكان الجزيرة العربية بأكملها ومن ضمنهم سكان مكة الفوارق بين المجتمع المحكوم بأحكام الله عز وجل، والمجتمع المسحوق بقوانين فوقية شرعها الأقوياء لحكم الضعفاء.
ويدلنا على ذلك وهو الشاهد الأكبر على دور الهجرة في انتشار الاسلام وصيرورته الدين الواسع الانتشار في جزيرة العرب أن النبي (ص) وطوال ثلاثة عشر عاماً من الدعوة إلى الله في مكة لم يؤمن به إلا القليل حتى أمرهم النبي (ص) بالهجرة إلى الحبشة للفرار بدينهم من بطش قريش وظلمها.
بينما بعدما هاجر النبي (ص) إلى المدينة المنورة وأقام الحكم الإسلامي الإلهي وصارت الناس ترى وتلمس الفوارق بين المجتمعين، فدخل المجتمع الجاهلي في دين الله أفواجاً أفواجاً حتى وصلت السنة الثامنة للهجرة وفتح رسول الله (ص) مكة المكرمة منهياً عصر عبادة الأوثان، وبداية عصر عبادة الرحمن وتم تكسير وتحطيم كل التماثل والأوثان التي كانت موضوعة عند الكعبة، لأن عبادة الله ليس لها شريك فهو وحده المعبود من دون سائر الموجودات المخلوقة بقدرته.
وهكذا بزغ فجر الإسلام من المدينة، وانتشر النور المحمدي على كل الدول في ذلك الوقت، وتمكن النبي (ص) من إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأقام حكم الله الذي كانت المجتمعات تبحث عنه ولا تجده لنشر العدالة والمساواة ومبادئ الحرية والاختيار، ونشر القيم العليا للإنسانية المعذبة والمقهورة من المستكبرين.
وكما تحقق المجتمع الإسلامي الأول على يد النبي (ص)، سيتحقق المجتمع الإنساني المؤمن على كل الأرض على يد الإمام المهدي (عج) لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. وليكون مجتمع الإمام المهدي (عج) هو الحجة البالغة لله على كل المجتمعات عبر التاريخ، وأن الإنسانية كانت قادرة على تحقيق مجتمع العدل عبر العصور والأجيال، إلا أن الخوف من المجهول أو الفشل أو الرضوخ لإرادة المستكبرين وقف حاجزاً دون تحقيق ذلك الهدف.
من هنا نبارك للمسلمين جميعاً ذكرى ولادة الرسول الأعظم (ص) ونسأل الله أن يحيينا على خط محمد وآل محمد وأن يميتنا على خطهم وولايتهم وأن يرزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين2.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى