نور العترة

اللغة…

لكل علم مصطلحاته التي تختص به و تسهم في إعطائه الفارق المميز بينه و بين العلوم الأخرى و بخاصة تلكم التي تشترك معه بوجه ما ، كالذي بين علمي النحو و الصرف ، و الذي بين علمي التجويد و القراءات .
و تلكم المصطلحات في الغالبية منها ألفاظ ذات معانٍ لغويّة حُمِّلت معاني علمية بينها و بين المعاني اللغوية صلة قرابة و مناسبة ، و قد تكون ألفاظًا مرتجلة لا معاني لغوية لها ، و حُمِّلت من البدء معانيها العلمية .
و لأن المصطلحات في أغلبها هي ألفاظ ذات معانٍ لغوية كان بين معانيها العلمية و المعاني اللغوية تمازج دلالي استدعى العلماء و الباحثين أن يقوموا بموازنة دلالية بين المدلول اللغوي و المدلول العلمي .
و نلمس أمثال هذه الموازنات الدلالية جلية في العلوم الشرعية و الأخرى اللغوية أمثال : التفسير و الحديث و الفقه و أصوله و النحو و الصرف و البلاغة و العروض و ما إليها .
فترى الباحث في أيٍّ من هذه العلوم المذكورة و أمثالها يبدأ بدراسة الدلالة اللغوية للمصطلح العلمي ، و ينطلق منها إلى تبيان و بحث الدلالة العلمية للمصطلح مقارنًا بين الدلالتين بتوضيح ما بينها من صلة أو مناسبة .
فمثلاً : نرى الفقيه أو الباحث الفقهي يبدأ ببيان ما لكلمة ( الفقه ) من مدلول لغوي ثم يثني ذلك بتعريف الفقه علميًا أي بإيضاح ما لمصطلح ( الفقه ) من مدلول علمي ، و بعد هذا يقوم بعمل مقارنة بين الدلالتين اللغوية و العلمية للكلمة موضوع البحث ليتعرف من خلال المقارنة ما بين المدلولين اللغوي و العلمي من عموم و خصوص و ما يشبه هذا مما يقوم بدور إيضاح العلاقة أو المناسبة القائمة بينهما .
و من هنا كان اقتراح المجلة أن يبحث المقالُ موضوعَ ( تمازج اللغة بفن مصطلح الحديث اللفظي ) .
و قيّد العنوان المذكور بعبارة ( اللفظي ) لأن علم الحديث لا يقتصر في بحثه على دراسة الألفاظ العلمية التي تختص بأقسام الحديث و التي يتعارف عليها في علم الحديث بـ ( مصطلح الحديث ) و إنما يتعداها إلى دراسة صفات الراوي و آداب الرواية و كيفية ضبطها و الإسناد و ما يتعلق به و معرفة الرواة و ما إلى ذلك .
كما أن ( فن مصطلح الحديث ) قد يعمم ـ من باب التجوز أو من باب التعارف و التواضع ـ إلى ما يشمل علم الحديث بكامله و مختلف محتوياته .
و التمازج اللغوي يأتي فيما يطلق عليه عنوان ( مصطلح الحديث ) . و هو ما يعرف أيضًا بـ ( أقسام الحديث ) ، و هي الألفاظ ذات المدلولات اللغوية ، التي أضيفت إليها المعاني العلمية الحديثية .
و في ضوئه فالتقييد بعبارة ( اللفظي ) جاء مشيرًا إلى هذا .
و من المفيد أن أشير تمهيدًا للموضوع أيضًا إلى نقطة أخرى ، هي أن المصطلحات العلمية تشكل نمطًا لغويًا خاصًّا في حضارات الأمم ، و ذلك لأن الأمة المتحضرة تملك في رصيدها اللغوي نمطين أو مستويين من اللغة هما :
1 ـ اللغة الاجتماعية : و هي لغة التفاهم و التخاطب بين أبناء المجتمع بصفتهم أفراد مجتمع .
2 ـ اللغة العلمية : و هي الألفاظ ذات المداليل العلمية التي تتداول و تدور في حوار أبناء العلم بصفته حوارًا علميًا .
و بين هذين المستويين اللغويين تمازج دلالي قد يضيق و قد يتسع ، و في حالتي التضييق و التوسع تبقى الجذور الغائرة في تربة اللغة واحدة .
و من المفيد أيضًا أن أشير إلى نقطة ثالثة ، و هي ما قد يعد مفارقة منهجية في إعداد معجماتنا اللغوية المتداولة بين الأيدي ـ قديمة كانت أو حديثة ـ و هو ما نجده فيها من خلط في عرض المادة اللغوية بين المستويين الاجتماعي و العلمي .
إن منهج التأليف المعجمي ـ فيما أرى ـ يتطلب التفرقة بينهما بالفرز بين موادهما .
فتتخصص المعجمات اللغوية بعرض مادة اللغة الاجتماعية مقتصرة عليها .
و إلى جانبها تقوم المعاجم العلمية المتخصصة بعرض مادة اللغة العلمية مقتصرة عليها .
و إن كان لا إنكار في أنا نجد الآن نهضة تأليف موفقة لإعداد المعجمات العلمية . . و لكننا ـ و لا إنكار في ذلك ـ نجد فيما تفرزه المطابع من معاجم لغوية عامة شيئًا من الخلط لا يزال قائمًا حتى في التأليف الحديث .
أعود لأكون مع موضوع المقال بغية تبيان التمازج اللغوي بين لغتنا الاجتماعية و لغة علم الحديث في حدود ما يتسع له رحب المقال كما قلت .
و أوّل ما نلتقيه هنا من تمازج بين اللغة ( و فن مصطلح الحديث ) هو التمازج المائل في أول كلمة في عنوان هذا العلم و هي كلمة :

فن

إن ما ذكر لكلمة ( فن ) من معانٍ في المعجمات العربية ـ في حدود مراجعاتي ـ لا يخرج عن إطار ما يلي :
1 ـ النوع . الأسلوب . الصنعة .
و هي المعاني اللغوية لكلمة ( فن ) .
2 ـ جملة القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة 1 كما في مثل : فن الصيد ، فن الحلاقة ، فن الطهي ، فن النجارة ، . . إلخ .
3 ـ مهارة يحكمها الذوق و المواهب 2 كما في مثل : فن الخطابة ، فن الشعر .
4 ـ أ ـ تعبير خارجي عما يحدث في النفس من بواعث و تأثيرات بواسطة الخطوط و الألوان أو الحركات أو الأصوات أو الألفاظ 3 .
ب ـ جملة من الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر و العواطف و بخاصة عاطفة الجمال 4 .
و يصدق هذا على ( الفنون الجميلة ) خاصة كفن الخط ، و فن الرسم ، و فن الرقص ، و فن الغناء ، و فن الموسيقى ، و فن التصوير .
5 ـ الطاقة التي يتميز بها الإنسان الموهوب و تساعده على أن ( يبدع ) من خلال عمله الواعي ، و أحيانًا اللاواعي ، أشياء لم توجد ( في ) الطبيعة و لا يكون همه فيها مراعاة الأخلاقية ، بل يحاول توليد إحساس رهيف بالجمال 5 .
و يعني التعريف بالطاقة هنا ـ أو ما يسميه القدامى بالملكة ـ عنصر الإبداع في نفس الإنسان الموهوب .
6 ـ التطبيق العملي للنظريات العلمية بالوسائل التي تحققها 4 .
7 ـ جملة الوسائل التي يتوصل بها الذكاء البشري إلى نتائج تطبيقية ( التقنية المتطورة ) 6 .
« و هذا المفهوم يتعارض مع العلم الذي يعتبر جهدًا إنسانيًا للاطلاع النظري » 2 .
8 ـ تطبيق الفنان معارفه على ما يتناوله من صور الطبيعة فيرتفع به إلى مثل أعلى ، تحقيقًا لفكرة أو عاطفة يقصد بها التعبير عن الجمال الأكمل . تلذيذًا للعقل و القلب 7 .
هذه أهم المعاني التي ذكرت لكلمة ( فن ) في المعاجم العربية .
و بغية أن نتعرف المدلول الذي يصدق عليه لفظ ( فن ) في موضوع المقال ، علينا أن نقارن أولاً بين المداليل المذكورة لكلمة ( فن ) ، ثم ننتقل إلى تعرف المصداق لكلمة ( فن ) في موضوعنا .
و المقارنة أو الموزانة ـ هنا ـ تنتهي بنا و بوضوح إلى النتائج التالية :
1 ـ المعاني تحت رقم ( 1 ) هي المعاني اللغوية الاجتماعية للكلمة .
2 ـ المعنى تحت رقم ( 2 ) صريح بأن الفن ( أداة ) ، و كذلك المعنى رقم ( 6 ) مع فارق بينهما هو أن الأداة في الرقم ( 2 ) قد تكون فكرية ، و قد تكون مادية ، و في الرقم ( 6 ) هي مادية فقط .
3 ـ و في الرقم ( 3 ) الفن هو السلوك الخاص لدى الإنسان الموهوب الذي يتمثل في القدرة الخاصة لديه .
و هو هنا صفة للفنان نفسه ، و كذلك في الرقم ( 5 ) الذي يقول إن الفن هو قدرة خاصة يملكها الفنان تساعده على الإبداع .
4 ـ و في الرقم ( 4 ) الفن هو النتاج الفكري أو المادي المعبر عما في النفس من انفعال أو معاناة .
5 ـ و في الرقم ( 6 ) هو تطبيق عملي ، و كذلك في الرقم ( 8 ) مع فارق بينهما هو أن التطبيق الأول تطبيق في مجال العلم ، و الثاني تطبيق في مجال الإبداع أو عالم الجمال .
6 ـ و في الرقم ( 7 ) الفن أداة أيضًا و هي كذلك قد تكون نظرية و قد تكون مادية ، و الفارق هنا هو أن الإنسان يتوسل بها إلى الوصول إلى النتائج التطبيقية في مجال التكنولوجيا ، لا في مجال العلم الذي يتطلب عادة جهدًا فكريًا .
و الملاحظ على هذه التعاريف هو اختلاف معنى الفن فيها اختلافًا بيّنًا ، فمرة الفن أداة ، و أخرى نتاج ، و ثالثة عمل ، و رابعة وصف .
و تقديري أن هذا الاختلاف جاء بسبب الخلط الذي أشرتُ إليه ، فلو أننا وضعنا كل معنى من هذه المعاني العلمية لكلمة الفن في ما يخصه و يرتبط به من المعجمات العلمية المتخصصة لما حصل هذا الاختلاف الذي نشاهده في هذه التعريفات .
و أخيرًا ، إذا أردنا أن نلتمس المعنى الذي يلتقي و كلمة ( فن ) في موضوعنا و يأتي مدلولاً علميًا لها لا يعدو أن يكون هو التعريف القائل بأن الفن هو جملة من القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة .
إلا أن هذا يتطلب منا أن نعمم كلمة ( صناعة ) في التعريف إلى ما يشمل ( العلم ) .
و إذا لم نستطع التعميم لابدّ لنا من التماس تعريف آخر يلتقي و مفهوم كلمة ( فن ) في موضوعنا .
و قد يكون أقربها إلى ذلك التعريف القائل بأن الفن هو التطبيق العملي للنظريات العلمية ، الذي قد يرى في النظر الابتدائي منطبقًا على كلمة ( فن ) في موضوعنا .
إلا أننا إذا تعمقنا في النظرة نراه هو الآخر لا يصدق على كلمة ( فن ) هنا لأنها تعني و بوضوح ما تعنيه كلمة ( علم ) و العلم هو النظريات و ليس تطبيقها .
و إلى هنا و بعد قصور التعريفات السابقة و عدم صلاحيتها للانطباق على كلمة ( فن ) عندنا أرى أن نضيف لمعاني كلمة ( فن ) معنى آخر نستخلصه مما درج عليه الاستعمال العلمي أو العرف العلمي في مرادفة كلمة ( فن ) لكلمة ( علم ) في أمثال قولهم : فن النحو و فن المنطق و فنون البلاغة و فن العروض . . إلخ .
و ذلك المعنى الذي يصدق هنا هو ( العلم التطبيقي ) لأن مرادفة فن له من الجلوة بمكان ، فنقول : الفن في بعض مداليله و استعمالاته ( العلم التطبيقي ) .
و أعني بالعلم التطبيقي هنا العلم المشتمل على قواعد و أصول يقوم الإنسان بتطبيقها في سلوكه ، مثل :
علم النحو الذي هو قواعد يطبقها الإنسان في سلوكه النطقي .
علم المنطق الذي هو قواعد يطبقها الإنسان في سلوكه الذهني .
علم الطب الذي هو قواعد يطبقها الإنسان في سلوكه العلاجي .
علم الصحة الذي هو قواعد يطبقها الإنسان في سلوكه الوقائي . . و هكذا .
و ذلك لأن فن مصطلح الحديث هو الآخر مجموعة من القواعد يطبقها العالم المسلم في سلوكه التقنيني للتأكد من صحة مصدر التشريع و التقنين ، و بتعبير أوضح و أصح للتأكد من صحة نسبة الحديث إلى الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) .
و ثاني كلمة تلتقينا في هذا التمازج هي كلمة :

مصطلح

و قد جاءت كلمة ( مصطلح ) من حيث الصياغة أو البناء الشكلي على زنة ( مفتعل ) ـ بفتح العين و قلب التاء طاء ـ و هذا الوزن تتقولب فيه أسماء المفعولين المأخوذة من الأفعال التي هي على و زن ( اُفتعل ) ـ بالبناء للمفعول ـ و تتقولب فيه المصادر الميمية المأخوذة من الأفعال على صيغة ( افتعل ) أيضًا .
و على اعتباره اسم مفعول لابدّ من استعمال حرف الجر ( على ) معه لأنه مأخوذ من الفعل اللازم ( اصطلح ) الذي لا يتعدى إلا بحرف الجر ، يقال : ( اُصطلح على كذا ) نظير ( اشترك ) و ( مشترك ) اللذين يقال ( اُشترك فيه ) و ( مُشتَرك فيه ) . و لكنه استغني معه عن ذكر الجار و مجروره لأجل التخفيف و الاختصار بسبب كثرة الاستعمال .
و على اعتباره مصدرًا ميميًا يرادف كلمة ( اصطلاح ) ـ المصدر غير الميمي ـ و يستعمل بما له من دلالتين : الدلالة المصدرية التي تعني ممارسة الفعل ، و الدلالة الاسم المصدرية التي تعني نتيجة الممارسة أو الفعل .
فيأتي إذا أريد منه اسم المصدر مرادفًا لكلمة ( مصطلح ) فيقال : هذا اصطلاحهم ، أي نتيجة اتفاقهم ، أو ما اتفقوا عليه ، و هو معنى عبارة ( المصطلح عليه ) بعينه .
و على هذا فكلمة ( مصطلح ) في ( فن مصطلح الحديث ) تعني ما اصطلح عليه سواءً أريد بها اسم المفعول أو اسم المصدر .
و هي من حيث المعنى لها دلالتان : إحداهما دلالة ما قبل وضع العلوم عند العرب ، و الأخرى دلالة ما بعد وضع العلوم عندهم .
و في الأولى تؤدي الكلمة المعنيين التاليين :
أ ـ إذا استعملت لازمة ، أي مأخوذة من الفعل ( اصطلح ) بصفته فعلاً لازمًا ، فإنها تعني : ( الصلح ) .
جاء في المعجم الوسيط : « اصطلح القوم : زال ما بينهم من خلاف » 8 .
ب ـ إذا استعملت متعدية ، أي مأخوذة من الفعل ( اصطلح ) المتعدي بالواسطة ، فإنها تدل على ( التعارف ) و ( الاتفاق ) .
جاء في المعجم الوسيط أيضًا : « اصطلحوا على الأمر : تعارفوا عليه و اتفقوا » 2 .
و المعنيان المذكوران هما مما اكتسبته الكلمة من استعمال العرف العام .
و في الثانية تؤدي الكلمة ما تؤديه في الفرع ( ب ) من معنى التعارف و الاتفاق ، ولكن في دائرة استعمالية أضيق هي دائرة الاستعمال العرفي الخاص ، لأنها تكتسب معناها من استعمال العرف الخاص .
و العرف الخاص بطبيعة واقعه الاجتماعي ينقسم إلى عرف علمي و آخر غير علمي ، و يفرق بينهما بأن ما يتفق عليه العرف غير العلمي كالعرف العشائري و العرف السياسي و العرف المدني قد جرى الحال أن يطلق عليه كلمة ( عرف ) و تجمع على ( أعراف ) .
و ما يتفق عليه في العرف العلمي يطلق عليه ( مصطلح ) و يجمع على ( مصطلحات ) ، كما أنه يطلق عليه ( اصطلاح ) و يراد به ( مصطلح ) و يجمع على ( اصطلاحات ) .
و لكن المعاجم اللغوية لم تفرق بينهما هذه التفرقة ، مع أن هذه التفرقة المذكورة واقع قائم ، كان ينبغي الإشارة إليه .
و لنرَ كمثال على ذلك بعض ما ذكرته بعض المعجمات في هذا :

مادة صلح

ـ قال في محيط المحيط : « وتصالحا و اصَّالحا و اصتلحا و اصطلحا و اصَّلحا ـ بالقلب : خلاف تخاصما و اختصما » .
الاصطلاح : « هو العرف الخاص و هو عبارة عن اتفاق القوم على وضع الشيء ، و قيل : هو إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر لبيان المراد منه ، و ذلك لمناسبة بينهما كالعموم و الخصوص ، أو لمشاركتهما في أمر ، أو مشابهتهما في وصف ، إلى غير ذلك » 9 .
( مادة : صلح ) :
ـ و جاء في المعجم الوسيط : « الاصطلاح : مصدر اصطلح ، و الاصطلاح : اتفاق طائفة على شيء مخصوص ، و لكل علم اصطلاحاته » 10 .
( مادة : صلح ) :
ـ و جاء قبلهما في ( تعريفات ) الجرجاني قوله : « الاصطلاح : عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه الأول » 11 .
ـ و في المنجد : « الاصطلاح ( ج ) اصطلاحات : العرف الخاص ، أي اتفاق طائفة مخصوصة من القوم على وضع الشيء أو الكلمة » 12 .
و هذه التعريفات ـ كما تراها ـ لم تفرق بين العرف و المصطلح التفرقة التي ذكرتها ملمحًا للفرق بينهما .
بينما نجد مثل ( Webster’s new collegiate dictionary ) يقصر مدلول ( مصطلح ) كعرف علمي على العرف العلمي فتدرك من خلال تعريفه الفرق بين العرف و المصطلح ، يقول معرفًا كلمة Term : « لفظ أو تعبير ذو معنى محدد في بعض الاستعمالات ، أو معنى خاص بعلم ، أو فن ، أو مهنة ، أو موضوع » 13 .
و قد يجدر بي هنا أن أشير إلى كيفية المصطلح لأرفع ما قد يعلق في بعض الأذهان حول بعض المصطلحات الفقهية أو الألفاظ الشرعية أمثال : الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج ، و ما إليها من أنها قد لا يصدق عليها مفهوم المصطلح العلمي ، لأنه « لا يمكن القول بأن معناها الاصطلاحي ناشئ عن اتفاق طائفة معينة بشأنه ، فقد أنزلها الله سبحانه بمعناها الخاص من فوق سبع سماوات » 2 على أساس مما عرفته به المعاجم العربية .
فأقول : للمصطلح في الاصطلاح عليه طريقتان هما :
* التعيين .
* التعيّن .
و تعني الطريقة الأولى أن يوضع اللفظ للمفهوم العلمي ارتجالاً أو نقلاً من معناه اللغوي إلى المعنى العلمي للمناسبة بينهما و يُنص على ذلك و يُصرح به لفظًا أو كتابة ، و هذا كالذي تفعله الهيئات العلمية الآن أمثال الجامعات و المجامع اللغوية و المعاهد العلمية .
و تعني الطريقة الثانية أن يستعمل اللفظ في المفهوم العلمي مقترنًا بما يدل على المعنى العلمي المقصود منه دون تصريح أو تنصيص اكتفاء بالقرينة ، و بعد أن يشتهر الاستعمال و ينتشر يستغنى عن القرينة لأن المدلول الاصطلاحي أصبح يتبادر منه عند إطلاقه . . و هذا مثل الألفاظ الشرعية نحو ( الصلاة ) و ( الحج ) .
و من هنا يمكن القول بأن مفهوم مصطلح في حدود تعريف الأقدمين له ينطبق على هذه الألفاظ الشرعية ، إلاّ أن الاصطلاح فيه لم يكن عن طريق التعيين و إنما بطريقة التعيّن .
و قد تكون كلمة ( مصطلح ) هنا عندما وضعت علمًا لعلم الحديث أو لقسم منه ـ هي الأخرى ـ سلك فيها الطريقة الثانية . . و ربما سلك فيها الطريقة الأولى ، و تاريخ نشوء هذه ، العلم هو الذي يكشف عن ذلك .
و نخلص من جميع ما تقدم إلى النتائج التالية :
1 ـ إن فن مصطلح الحديث يراد به ما يعرف في علم الحديث بـ ( أقسام الحديث ) و قد يعمم إلى ما يشمل علم الحديث .
2 ـ إن كلمة ( فن ) في عبارة ( فن مصطلح الحديث ) قد لا تعني شيئًا مما ذكر لكلمة فن من معاني في المعاجم العربي لأنها تؤدي معنى ( العلم التطبيقي ) ، المعنى الذي لم تذكره المعاجم العربية في قائمة معاني كلمة فن .
و من هنا أقترح إضافته إلى المعجم .
3 ـ إن كلمة ( مصطلح ) تستعمل في اللغة العربية لإفادة معنى المصدر ، و اسم المصدر ، و اسم المفعول .
و المراد منها في عبارة ( مصطلح الحديث ) إما اسم المصدر أو اسم المفعول لأنهما يُفهمان معنى واحدًا هنا .
4 ـ إن كلمة ( مصطلح ) المصدرية إن أخذت من الفعل اللازم دلت على ( الصلح ) ، و إن أخذت من الفعل المتعدي بالواسطة دلت على ( التعارف ) و ( الاتفاق ) .
5 ـ إن العرف الخاص ينقسم إلى عرف علمي و عرف غير علمي ، و الذي يماثل ما يطلق عليه في العرف العلمي كلمة ( مصطلح ) يطلق عليه في العرف غير العلمي كلمة ( عرف ) .
و هي تفرقة أقترح إضافتها إلى المعجم .
6 ـ إن الاصطلاح قد يكون بالتعيين و قد يكون بالتعين 14 .

  • 1. المعجم الوسيط ، مادة ( فن ) .
  • 2. a. b. c. d. م . ن .
  • 3. انظر : الصحاح في العلوم و اللغة : مادة فن ، و معجم المصطلحات لعربية في اللغة و الأدب : مادة فن .
  • 4. a. b. المعجم الوسيط : مادة فن .
  • 5. المعجم الأدبي : مادة Art Sm .
  • 6. المعجم الأدبي 197 .
  • 7. المنجد : مادة فن .
  • 8. مادة ( صلح ) .
  • 9. محيط المحيط ، مادة : صلح .
  • 10. المعجم الوسيط ، مادة : صلح .
  • 11. التعريفات ، مادة : صلح .
  • 12. المنجد ، مادة : صلح .
  • 13. العربية لغة العلوم و التقنية : 118 .
  • 14. عبد الهادي الفضلي ـ أستاذ مشارك / قسم اللغة العربية جامعة الملك عبد العزيز بجدة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى