مقالات

القاتل…

كان ( عبد الله الأفطس ) مِن أحفاد الإمام السجَّاد ( عليه السلام ) رجلاً مؤمناً مُجاهداً ثوريَّاً ، بذل جهوداً عظيمة لإنقاذ المُجتمع الإسلامي مِن نِير حُكم طُغاة بني العباس ، فأمر هارون الرشيد بالقبض عليه وإرساله مخفوراً إلى بغداد ، حيث ألقاه في السجن ، وإذ طال أمدُ سجنه أخذ يزداد سَخطاً وغضباً ، لما لحقه مِن الظلم والجور ، فكتب رسالة إلى هارون الرشيد أسمعه فيها صرخات تظلمه في ألفاظ مِن الشتيمة والسُّباب .
فقرأ هارون الرسالة وقال : عبد الله الأفطس قد ضاق ذرعاً بالسجن ، وبما يُعاني منه فيه مِن عذاب وتألُّم ، فكتب إليَّ هذه الرسالة ليُثير غضبي فآمر بقتله وأُريحه مِن عذاب السجن ، ولكنِّي لن أفعل ذلك أبداً ، ثمَّ أحضر وزيره جعفراً البرمكي وأمره أنْ يقوم بنفسه بمُراقبة عبد الله وينقله إلى سجن آخر أوسع وأفضل.
صادف اليوم التالي عيد النوروز ، وعندما جيء بعبد الله أمام جعفر البرمكي أخذ يُكرِّر ما كان قد كتبه في رسالته ، مِن السُّباب والشتائم لهارون الرشيد ولحُكمه وحُكومته الجبَّارة ، فغضب جعفر عند سماع تلك الشتائم فأمر فوراً بضرب عُنقه ، فاحتزَّ رأسه وغسله ووضعه في طبق وأرسله إلى قصر الخليفة هارون مع سائر الهدايا ، التي كان قد أعدَّها لتقديمها إليه بمُناسبة عيد النوروز ، وإذ رفع هارون الغِطاء عن الطَّبق أثناء استعراضه الهدايا رأى رأس عبد الله الأفطس ، فصرخ طالباً جعفراً البرمكي ، وعند حضوره صاح في وجهه غاضباً : ويلك ! لماذا قتلت عبد الله ؟! كيف ترتكب هذا الخطأ الكبير ؟!
فأجابه : لأنَّه شتم أمير المؤمنين .
فقال هارون : إنَّ قتل عبد الله مِن دون إذني أقبح بكثير مِن شتائم عبد الله !
ثمَّ أمر بتغسيل جُثَّة عبد الله وتكفينه ودفنه ، وظلَّت هذه الحادثة تُراود خاطر هارون طول حياته .
ولم يمضِ وقت طويل حتَّى أخذ الشكُّ يُراود الخليفة نحو جعفر ، وقرَّر أنْ يأمر جلاَّده مسرور السياف بقتله ، وفي الليلة التي قرَّر أنْ يقتله فيها استدعى مسروراً ، وأمره أنْ ينطلق فيقتل جعفراً بعد أنْ يُخبره بأنَّه يقتله بسبب قتله عبد الله الأفطس ابن عَمِّ الخليفة مِن دون إذنه 1 .

  • 1. الأخلاق: 2 / 400 ، للعلامة الشيخ محمد تقي الفلسفي ( رحمه الله ).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى