مقالات

نبذةٌ عن حديث الطير

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات

روى الحافظُ ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق ج42 ص254، قال:
“أخبرنا أبو غالب بن البنا، أنا أبو الحسين ابن الآبنوسي، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا محمد بن مخلد بن حفص، نا حاتم بن الليث، نا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عمر القارئ، عن السُّدِّي، نا أنس بن مالك، قال: أُهدي إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أطيارٌ، فقسمها وترك طيراً، فقال: اللهم ائتني بأحبِّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء عليُّ بن أبي طالب، فدخل يأكل معه من ذلك الطير”. انتهى.

بيان حال كلِّ واحد من رجال السند ثم الحكم على السند:

1 ـ مصنف الكتاب هو الحافظ ابن عساكر، واسمه: علي بن الحسن بن هبة الله، وكنيته: أبو القاسم، ولقبه: ابن عساكر، ترجم له الذهبي في “سير أعلام النبلاء” 40 : 79 برقم 354 ، فقال: “الإمام، العلامة، الحافظ الكبير، المجوِّد، محدِّث الشام، ثقة الدين، أبو القاسم الدمشقي، الشافعي…” إلى أن قال: “وكان فهماً، حافظاً، مُتقناً، ذكيًّا، بصيراً بهذا الشأن، لا يلحق شأوُه، ولا يُشقُّ غباره، ولا كان له نظير في زمانه”. توفي سنة571 هـ.

2 ـ أبو غالب ابن البنا فهو: أحمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي. ترجم له الذهبي في “سير أعلام النبلاء” 38 : 61 برقم 352 ، فقال: “الشيخ الصالح الثقة، مسند بغداد…”، إلى أن قال: “وكان من بقايا الثقات”.

3 ـ أبو الحسين ابن الآبنوسي هو: محمد بن أحمد بن محمد بن علي، ابن الآبنوسي البغدادي. ترجم له الذهبي في “سير أعلام النبلاء” 35 : 70 برقم 38 ، وقال: “الشيخ الثقة”.

4 ـ أبو الحسن الدارقطني هو الحافظ الشهير: علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي، من كبار أئمة أهل السنَّة وحفَّاظهم وثقاتهم، صاحب السنن المعروفة بـ “سنن الدارقطني”. ترجم له الذهبي في “سير أعلام النبلاء” 32 : 31 برقم 332 فقال: “الإمام الحافظ المجود شيخ الإسلام علم الجهابذة”.

5 ـ محمَّد بن مخلد بن حفص، كنيته أبو عبد الله، ولقبه الدوري، ويعرف بالعطار والخضيب أيضاً. وهو من أئمة أهل السنة وحفَّاظهم. ترجم له الذهبي في “سير أعلام النبلاء” 29 : 237 برقم 108 فقال: “الإمام الحافظ الثقة القدوة”.

6 ـ حاتم بن الليث، أبو الفضل البغدادي الجوهري، حافظ ثقة، ترجم له الذهبي في “السير” 24 : 20 برقم 195 ، وقال: “الحافظ المُكثر الثقة”.

7 ـ عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي، هو من رجال البخاري ومسلم والسنن الأربعة، وهو إمامٌ حافظ ثقة، ترجم له الذهبي في السير برقم 215 فقال: “الإمام الحافظ العابد”.

8 ـ عيسى بن عمر القارئ هو: عيسى بن عمر الأسدى المعروف بالهمدانى، أبو عمر الكوفى القارئ الأعمى. ثقة من رجال الترمذي والنسائي. وثقه يحيى بن معين والنسائي وأبو حاتم وأبو بكر الخطيب والعجلي وابن نمير وابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الذهبي في السير: الإمام المقرئ العابد.

9 ـ السدي هو: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، أبو محمد القرشي الكوفي الأعور. من رجال صحيح مسلم والسنن الأربعة، وثقه أحمد بن حنبل والعجلي وقال: عالم بالتفسير. وذكره ابن حبان في الثقات. وحدَّث عنه شعبةُ بن الحجَّاج، وهو لا يروي عن الضعفاء كما هو معروف.
وقال يحيى بن سعيد: لا بأس به، ما سمعت أحداً يذكره إلا بخير، وما تركه أحد.
وقال النسائي: صالح، وقال: لا بأس به.
وقال ابن عدي: مستقيم الحديث، صدوق لا بأس به.
وقال الذهبي: حسن الحديث. وقال عنه أيضاً: الإمام المفسِّر.
وضعَّفه آخرون بتضعيفات غير مفسَّرة، فلا يُعبأ بها مع هذه التوثيقات.

10 ـ أنس بن مالك صحابي، والصحابي عند أهل السنة في أسمى مراتب العدالة والتوثيق.

فتحصل من ذلك أنَّ السند نقيٌّ صحيحٌ مُتَّصل بالثقات الأجلَّاء، فهو حديث رواه إمام حافظ، عن شيخ صالح ثقة، عن شيخ ثقة، عن إمام حافظ ثقة، عن إمام حافظ ثقة، عن حافظ ثقة، عن إمام حافظ ثقة، عن إمام مقرئ عابد ثقة، عن إمام مفسِّر ثقة، عن صحابيٍّ. فلا يرتاب في صحته إلَّا مريضٌ لم يؤتَ حظًّا من الإنصاف.

وقد حُكي تصحيحُه عن الحافظ العلائي في كتاب “النقد الصحيح” قائلاً: “له طرق كثيرة غالبها واهٍ، وفي بعضها ما يعتبر به، فيقوى أحد السندين بالآخر”.

وحُكي تحسينُه عن الحافظ ابن حجر العسقلاني في أجوبته عن أحاديث وقعت في مصابيح السنة، وهي ملحقة في آخر كتاب مشكاة المصابيح ج3 ص317 .

وقال الحاكم النيسابوري في كتاب المستدرك ج3 ص141 برقم 4650 : “قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحَّت الرواية عن عليٍّ وأبي سعيد الخدري وسفينة”. انتهى.

بل قال بعض أهل العلم بتواتر الحديث لكونه كثير الطرق كما عرفت من كلام الحافظ العلائي والحاكم النيسابوري الآنفين..

وقال الحافظ الذهبي في كتاب تذكرة الحفاظ ج3 ص164 : “وأمَّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدًّا قد أفردتها بمصنَّف، ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل”. انتهى.

وقال الحافظ ابن كثير في كتاب البداية والنهاية ج7 ص390 : “قد جمع الناس في هذا الحديث مصنَّفات مفردة، منهم: أبو بكر بن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي، ورأيتُ فيه مُجلَّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسِّر صاحب التاريخ”. انتهى.

ويؤيده أنه مروي عن عشرة من الصحابة، وهم: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وحُبْشي بن جُنَادة، وسعد بن أبي وقاص، وسَفينة، وعبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، ويعلى بن مرة، وأبو رافع، وأبو سعيد الخدري.

فالقول بصحَّته قطعيٌّ، والاعتقاد بتواتره رضيٌّ، ولا يطعن فيه إلَّا مخذول شقيٌّ.

هذا باختصار، والحمد لله ربِّ العالمين.

https://chat.whatsapp.com/GaqaJFFGf23GppIuC0IMcm
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى