مقالات

لغة القرب الالهي في السبع المثاني (ج1)

يعلمنا القرآن الكريم المنهج الذي يؤدي الى بلوغ أعلى مراتب القرب الالهي التي من خلالها يحقق الإنسان هدف الحياة، ويبين لنا الوسائل الموصلة الى الكمال المطلق أي الباري (جلَّ وعلا) بما يؤمن لنا السعادة التامة، ويحذرنا من مخالفة ما يدعونا اليه ويؤدي بنا الى الانزلاق في الهاوية، ومن مناهج الحياة التي ذكرها القرآن الدعاء ، والآيات القرآنية التي جاءت بصيغة الدعاء كثيرة منها

قوله تعالى :(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)(الفاتحة: 6، 7)

والبحث في هاتين الآيتين سيكون من حلقتين الأولى سنتناول فيها الهداية ومعانيها وسبل تحصيلها والحلقة الثانية ستخصص للصراط ومعانيه.

إن الغرض العام من سورة الحمد هي تعليم الإنسان حقيقة العبودية ومضامينها ، ومن أجلى صور العبودية مع الباري تعالى الدعاء، حيث يبين لنا القرآن كيف ندعوا الباري تعالى وما هي المطالب التي نطلبها منه.

ولكي نعي المضامين العالية لهذا الدعاء القرآني لا بد من توضيح موضوعه في الفرعين التاليين  :

الفرع الأول : طلب الهداية .

الفرع الثاني : الصراط .

الحديث عن الهداية سنقسمه كما يلي:-

1- معنى الهداية: وتعني الدلالة نحو طريق الرشد أي الخروج من الضلال، وهي دلالة بلطف وتستعمل أيضا في الشدة من قبيل التهكم في المعنى كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (آل عمران: 21) .

2- مراتب الهداية : من تتبع الآيات القرآنية يتضح لنا أن الهداية من الالفاظ المشككة التي لا تستعمل بمعنى واحد ومن مراتبها :

أ – الهداية التي تكون لجميع الخلق في الضروريات وكل بحسبه حيث قال تعالى : (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه: 50) .

ب – الهداية التي هي غرض بعث الأنبياء وإنزال الكتب السماوية قال تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)(طه: 123)، (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) (المائدة: 44), (وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) (المائدة: 46) (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185), (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) (فصلت: 44), (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (الأعراف: 181) .

ج – الهداية المفاضة منه تعالى بعد تحقق الهداية بالمعنى الأولي حيث قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى) (محمد: 17) .

د – الهداية الى ولاية أهل البيت (عليهم السلام) قال تعالى  : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (طه: 82) عن الصادق (عليه السلام)، وأبو حمزة عن السجاد (عليه السلام) في قوله تعالى: (ثُمَّ اهْتَدَى) إلينا أهل البيت . (بحار الأنوار / جزء 24 / صفحة-147).

وفي هذا المعنى أيضاً عن أبي جعفر (عليه السلام) في قولهِ تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) قال: ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة أو الايمان والعمل الصالح حتى اهتدى، والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتى يهتدي قال : قلت : إلى من ؟ جعلني الله فداك، قال : إلينا . (بحار الأنوار / جزء 27 / صفحة – 169) .

3- الهداية الالهية لا تأتي من فراغ :

ينبغي الالتفات الى ان تعليم القران الكريم للإنسان بطلب الهداية لابد أن يكون ذلك مما يصح طلبه من الباري تعالى حيث أنه يهدي قوما ويضل آخرين، غير أنه (جلَّ وعلا) لا يهدي عبثاً وتشهياً وإنما لا بد من حصول المقدمات لدى الإنسان التي تؤهله لنيل الالطاف الالهية في الهداية أو زيادة الضلال لمن له مقدمات الاضلال وبالتأمل في الآيات الكريمة يتضح المقصود جليا :

(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (التغابن: 11), (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد: 17)، (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة: 257)، فنلاحظ أنه لابد من حصول الإيمان لحصول الهداية أو حصولها للزيادة .

وفي الاضلال نشاهد النتيجة بعينها حيث قال تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة: 26)، (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) (إبراهيم: 27) فكان من لوازم الفسق والظلم الاضلال الالهي .

4 – معنى طلب الهداية :

إن الإنسان عندما يطلب الهداية فكأنما طلب الدين كله والإعتصام بالله من كل شر، فهذا الدعاء جامع لكل معاني القرب الإلهي والسعادة حيث قال تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران: 101) .
السيد علي عادل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى