مقالات

موقف القرآن الكريم من اليهود والنَّصارى

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدَّث عن ضلال اليهود والنصارى وكفرهم وشركهم، وعداوتهم للمؤمنين، وجرائمهم، ولزوم مجاهدتهم بالقتال.. ومن المهمِّ أن يتدبَّر المؤمنُ تلك الآيات حتى يتحصَّن ـ فكريًّا وعاطفيًّا ـ ضدَّ أيِّ ميول خاطئة يحاولُ تغذيتَها منافقو الأمَّة بهدف إيجاد ولاية ومحبَّة لليهود والنصارى في قلب المسلم.. فإنَّ الانحراف في هذا المجال، أقصد: مجالَ الولاية، هو السببُ الرئيسُ لذهاب عزَّة الأمَّة الإسلاميَّة، وما تعيشُه من ذلٍّ وهوان، وسيطرةِ الاستكبار العالميِّ على العالم، وتمكُّنِهِ من استضعاف المسلمين.

والآيات المحذِّرة من اليهود والنصارى كثيرةٌ يطول المقام بذكرها وشرحها، ولكن نقتصر على ما يلي من الآيات الكريمة مع بيان مختصر لما تدلُّ عليه.

1 ـ قال الله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ…) [البقرة: 105] .

إنَّ أهل الكتاب والمشركين، وانطلاقاً من حسدهم وكفرهم؛ لا يحبُّونكم ولا يحبُّون لكم الخير.. ومن خذلان الله للإنسان أن يكون محبًّا لعدوِّه الذي يبغضه.

2 ـ وقال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا…) [المائدة: 82] .

واليهود ـ بالإضافة إلى المشركين ـ أشدُّ النَّاس عداوةً لكم..

3 ـ وقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [المائدة: 78] .

لقد لعن كلٌّ من داود وعيسى ـ عليهما السلام ـ بني إسرائيل بسبب عصيانهم وعدوانهم.

4 ـ وقال تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة: 80] .

من أشدِّ المعاصي التي ارتكبها أهلُ الكتاب: خروجُهم من ولاية الله ودخولهم في ولاية الكفَّار، فكان ذلك سبباً لغضب الله عليهم، واستحقاقهم للخلود في العذاب.

وهذه أبرز سمة للمنافقين في القرآن الكريم، فقال الله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلهِ جَمِيعًا) [النساء: 138 ـ 139] . ومن هنا نفهم أنَّ أهل الكتاب يشتركون مع المنافقين في سمتهم البارزة وهي ابتغاء العزَّة بالالتجاء إلى الكفَّار والمشركين وترك ولاية الله تعالى.

5 ـ وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء: 150 ـ 151] .

ومن المعلوم أنَّ هذه السمة هي السمة البارزة لليهود والنصارى عبر التاريخ، فهم يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون بآخرين، ويجتمعون على الكفر بنبوَّة خاتم الأنبياء وسيِّدهم محمد بن بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولذلك فلا ينبغي لمؤمن أن يشكَّ في كفر اليهود والنصارى، بل عليه أن يعتقد أنهم هم الكافرون حقًّا بصريح القرآن الكريم.

6 ـ وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6] .

فهل هنالك مجال ـ بعد هذه التصريحات القرآنية كلها ـ للشك في كفرهم؟

7 ـ قال الله تعالى مخاطباً أهل الكتاب: (…أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) [البقرة: 87] .

فأهل الكتاب ليسوا مجرَّد كُفَّار مُكذِّبين، بل هم مجرمون شركوا في قتل أنبياء الله وولغوا في دمائهم.

قال الله تعالى: (…إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) [النساء: 101] .

وهذا هو التعبير نفسه الذي جاء في عداوة الشيطان مراراً في القرآن الكريم: (…إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء: 53] .

وحين يصرِّح القرآن الكريم بعداوة أهل الكتاب وغيرهم من الكفار والمشركين، فالغرض من ذلك تحذير المؤمنين منهم، ومطالبتهم بمقابلة العداوة بالعداوة، كما قال في عداوة الشيطان الرجيم: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا…) [فاطر: 6] .

فأيَّةُ حماقة يرتكبها الإنسان حين لا يعادي عدوَّه، بل ينضوي تحت ولايته، ويبتغي عنده العزَّة؟!

وبعد هذه التصريحات الواضحة، لا ينبغي الشك في حرمة ولاية اليهود والنصارى باعتبارهم كفاراً حقيقيين، وباعتبارهم أعداءً للمؤمنين.. وهذا ما أكَّدته آيات القرآن الكريم.

8 ـ فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51] .

أيها المؤمنون؛ لا تكونوا في ولاية اليهود والنصارى، إن الله ينهاكم عن ذلك.. والدخول تحت ولايتهم يجعل الموالي لهم داخلاً في حكمهم عند الله تعالى [من استحقاق الغضب والخلود في العذاب] .

9 ـ وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 57] .

المؤمن الذي يعتقد بحقَّانية دينه، يحترم دينه ويجعله معياراً للتمييز بين الصالح والطالح من الناس، فكيف يستطيع المؤمن الصالح أن يتولَّى أهلَ الكتاب والكُفَّارَ، مع إنَّهم لا يحبُّون المؤمنين، بل لا يحبُّون لهم الخير، بل هم يستهزئون بدين الإسلام وينظرون إليه بازدراء واحتقار، فمن ينظر إليك وإلى دينك بهذه النظرة، فهو لا يستحق منك المودَّة والانتماء، بل يستحق منك الكراهية والعداء. فمن والاهم ـ بعد اتِّضاح موقفهم ـ فهو يكشف عن أنه لا يحترم الدين الذي ينتمي إليه وبالتالي فإيمانه مختلٌّ غير صحيح. وقد عرفنا أنَّ موالاة الكفَّار هي الصفة البارزة للمنافقين وأهل الكتاب.

10 ـ وقال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة: 55] .

فعليكم ـ أيها المؤمنين ـ أن تختاروا الموقف الصحيح في مجال الولاية، فأهل الكتاب والكفَّار ليسوا هم أولياءكم، بل أولياؤكم: الله ورسوله وأولو الأمر الذي لهم صفات خاصة سامية.

وكيف يُعقل أن يوالي المؤمن أناساً أمر الله بقتالهم؟!

11 ـ قال الله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29] .

فالأمر لا يقتصر على النهي عن ولاية اليهود والنصارى، بل يلزم جهادهم بالقتال؛ فهم ليسوا مؤمنين بالله ولا باليوم الآخر، وإن كانوا يتظاهرون بذلك.. فدينهم باطل وهم كفَّارٌ حقيقيُّون بحُكم الله عزَّ وجلَّ.

12 ـ وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة: 56] .

فأنتم ـ أيها المؤمنون ـ ستكون لكم الغلبة على اليهود والنصارى وأوليائهم من الكفَّار والمشركين، إذا لم تكونوا في ولايتهم، بل كنتم في ولاية الله وولاية رسوله وولاية أولي الأمر منكم، وخضعتم لما أمر الله به من أحكام، ومن أهمِّها جهادُ اليهود والنصارى وعدم السماح لهم بتنفيذ مخطَّطاتهم في السيطرة عليكم.

ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى