مقالات

شبهة وردها…

نص الشبهة: 

مادامت خلافة علي عهد من الله تعالى وإعلان نبوي من رسوله (ص) ، فلماذا لم يَصِرْ علي الخليفة الأول للنبي (ص) بلا فصل؟ فهل عجز الله عن تحقيق إرادته نعوذ بالله ؟

تقولون إن خلافة علي وعد إلهي ، فهل أن الخلافة الموعودة هي خلافة الصديق الأكبر أبي بكر وغلبته هي الخلافة الموعودة لعلي أم غيرها ؟ فإن كانت غيرها فكيف صار أبو بكر غاصباً ، وإن كانت نفسها فكيف تحققت لأبي بكر ولم تتحقق لعلي ؟

هل أن الإمامة والخلافة منصوصة من الله تعالى؟

يشترط في الإمامة والخلافة الغلبة ، وقد غلبت خلافة الخلفاء ، فلماذا لم تغلب إمامة الأئمة الإثني عشر ، أم أنهم لم يكونوا أئمة بالحق فلم تغلب إمامتهم ؟

الجواب: 

أولاً : أن السائل لم يميز بين الإرادة التكوينية لله تعالى والإرادة التشريعية ، فالإرادة التكوينية هي التي يقول عنها عز وجل : ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ 1فما أراده سبحانه بهذه الإرادة يستحيل أن يتخلف .
أما الإرادة التشريعية فهي كإرادته عز وجل من إبليس أن يسجد لآدم ، ومن كل الناس أن يؤمنوا بربهم ، لكنه أعطاهم الإختيار والقدرة فلم يسجد إبليس ولم يحقق إرادة الله تعالى منه ، ولم يؤمن أكثر الناس ولم يحققوا إرادة الله تعالى منهم ، وهذا لا يعني عجز الله تعالى ، لأن إرادته هنا تشريعية لا تكوينية.
وكذلك هو حال الأمم بعد أنبيائهم عليهم السلام فقد أمرهم الله تعالى وأراد منهم أن يطيعوا أوصياء الأنبياء عليهم السلام، ولكنهم عصوا الله تعالى وعزلوا الأوصياء عليهم السلام ونصبوا غيرهم من قبائلهم وأحزابهم واختلفوا واقتتلوا !
وهذا لا يعني العجز من الله تعالى ، لأن إرادته هنا تشريعية لا تكوينية ، قال الله تعالى :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ 2.
فهو سبحانه أراد ، أي سمح لهم أن يختاروا الخير أو الشر .

وثانياً : إن الغلبة والحكم ليست من شروط الإمامة أبداً ، فإن أكثر أوصياء الأنبياء عليهم السلام لم يحكموا بعدهم ، وكانوا مغلوبين مضطهدين ، كما أشارت الآية المتقدمة .
بل لقد نص النبي صلى الله عليه وآله على أن الأئمة من بعده سوف تكذبهم الأمة وتعاديهم ، وتقتل علياً والحسن والحسين عليهم السلام، وسوف يكونون مغلوبين ، لكنهم لا يضرهم تكذيب من كذبهم !!
ففي معجم الطبراني الكبير : 2 / 213 و 214 ح 1794: (عن جابر بن سمرة عن النبي قال : يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً، لا يضرهم من خذلهم ، ثم همس رسول الله صلى الله عليه وآله بكلمة لم أسمعها ، فقلت لأبي ما الكلمة التي همس بها النبي (ص)؟ قال أبي : كلهم من قريش) .
وفي معجم الطبراني الكبير : 2 / 256 ح 2073 : (عن جابر بن سمرة : (قال سمعت رسول الله (ص) وهو يخطب على المنبر ويقول : اثنا عشر قيماًَ من قريش ، لا يضرهم عداوة من عاداهم ! قال: فالتفت خلفي فإذا أنا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي في ناس ، فأثبتوا لي الحديث كما سمعت ) . انتهى . وقال عنه في مجمع الزوائد : 5 / 191 : رواه البزار عن جابر بن سمرة وحده ، وزاد فيه : ثم رجع ، يعني النبي (ص) إلى بيته ، فأتيته فقلت : ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج . و رجاله ثقات) . انتهى .
فقد نصت الأحاديث النبوية في مصادركم على أن هؤلاء الأئمة الربانيين عليهم السلام الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه وآله سيكونون مغلوبين ويكذبهم الناس ، وأن ذلك لا يضر بإمامتهم و هدايتهم وبركتهم على الأمة . وهذه الصفات لا توجد إلا في الأئمة من أهل البيت عليهم السلام .
وثالثاً : أن الغلبة والتمكين ليست شرطاً في النبوة ، فكيف تكونان شرطاً في الإمامة ؟! ألا ترى أن أكثر أنبياء الله عليهم السلام مغلوبين مكذبين مقتولين ، وأن الذين غلبوا وحكموا منهم قلة قليلة ؟!!
فأوصياء نبينا صلى الله عليه وآله كانوا مغلوبين كغيرهم من الأوصياء عليهم السلام 3 .

  • 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 117، الصفحة: 18.
  • 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 253، الصفحة: 42.
  • 3. من كتاب : مسائل مجلة جيش الصحابة ( أجوبة على مسائل وجهتها إلى علماء الشيعة ، مجلة الخلافة الراشدة الباكستانية ، التابعة لمنظمة جيش الصحابة ) للشيخ علي الكوراني العاملي ، السؤال رقم : 11 ـ 14 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى