مقالات

العصمة…

تعتبر عصمة الإمام و خلافته لرسول اله (صلی الله عليه و آله و سلم) إحدي أهم المسائل التي ما تزال حتي اليوم تثير جدلاً و اسعا ً بين المسلمين، فالشيعة الإمامية يعدون العصمة شرطا ً أساسا ً للإمامة، و بدونها لا يکون الإمام إماما ً حقا، فيما يعتقد أهل السنة بخلاف ذلک فلا يرونها شرطا ً لخلافة الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم)؛ فمن الممکن ان يکون الخليفة فاسقا ً لجواز ذلک.

وللعصمة أکثر من تعريف: علی أن أبرزها و أصحها هو: “إنّها عبارة عن ملکة و قوة نفيسة تنشأ عن مشاهدة حقائق الوجود و رؤية الملکوت و بها يمتنع المعصوم عن ارتکاب المعاصي و الذنوب أو الوقوع في الأخطاء”.

فاعصمة تعني:

  • تلقي الحقّائق و أدراک الواقع دون خطأ.
  • حفظ الشريعة و انعدام الغفلة في شي ء منها.
  • تبليغ الشريعة و إظهارالأحکام کما أنزلهاالله.
  • سداد في العمل و احتراز من کلّّ خطأ.

ولا ننسي هنا أن نشير إلي انتفاء والمعاصي في حياة المعصوم لا يعني انعدام قدرته علی ارتکابها؛ کأن يجبره الله علی الطاعة، فالمعصوم کسائر عبادالله مخير في عمله و سيرته فلا جبر و لا الزام في طاعته، غير ان بصيرته قد بلغت أعلی درجات الإدراک حتي أصبح في مأمن من إغواء الشيطان أو تأثير النفس الإمارة بالسوء.

إشکال

لعل هناک من يورد إشکالا ًحول أصل الصعمة، فيشکک قائلاً: کيف يمکن لإنسان عادي تموج في أعماقه مثل سائر الناس الغزائز الحيوانية و الميول والرغبات النفسية أن يکون في مأمن من الوقوع في الذنب و ارتکاب المعصية حتي لا يمکن احتمالها فيه أبدا ً؟!

الجواب

ان الإنسان مجبول علی طلب الکمال فهو ينشد تکامله و سعادته في کلّّ حرکاته و يسعي من أجل نيل ذلک ليل نهار. فکلّّ ما يقوم به انما ينطلق من اعتقاده أو توهّمه بأن مصلحته و سعادته انّما تکمن في ذلک، حتي في ما يرتکبه من أخطاء، و يفعله من قبائح، بل حتي الذي يقدم علی الانتحار انما يفعل ذلک لأنّه يعتقد ان انتحاره سيضع حدّا ً لآلامه و حياته المريرة، و لو کان يدرک ان ما يفعله هو قبيح مستهجن، لمافعل ذلک أبدا ً. واللص عندما يسرق لا يفعل ذلک وهو يستهجن عمله بل إنّه يظن عمله مفيداً و ضروريا ً في أن يعيش حياة هانئة.

والمقامر يلعب لکي يربح -مثلا ً- والقاتل عندما يبرر فعله الشنيع، و بشکل عام يبقي تفسير جميع أعمال الإنسان في ضوء هذه النظرية تابعا ً لاعتقاد المصلحة أو توهما.فعلی ضوء ما يدرک الإنسان من المضار و المنافع و مدي أهميتها له يقدم الانسان علی عمل ما.

وربّّّما کانت درجة الرؤية لديه ضعيفة إن لم تکن مقلوبة، فقد يتصوّر القبيح قبيحاً و لکنه لا يلمّ بکلّّ صورته فيجعل من تلک الرؤية الناقصة مبرّراً لکبح رغباته و شهواته، إذا انّه ام يصل بعد الدرجة النهائية في الرؤية لکي يحصل عنده اليقين الکامل الذي يرتقي إلي مرحلة الشهود.

لقد أشرنا في بحوث سابقة و بشکل إجمالي إلي ان الإمام ينطوي علی حالة من الرؤية الباطنية العميقة و أنّه يشتمل علی حقيقة الدين، و يدرک في حالة من الشهود الکامل المعاصي و القبائح و يراها کما هي لا کما تصورها الأوهام، وبالتالي فهو علی بصيرة عالية و ايمان عميق يحجزه عن ارتکابها أو الوقوع في حبائلها و هو في حصن حصين عن کلّّ الآثام و الذنوب بإرادة منه و اختيار.

إشکال آخر

ان طبيعة الخلق الإنساني تنطوي علی قابلية الخطأ والنسيان، و بما أن الأئمة و الأنبياء بشر عديون فهم بالتالي لايشکلون استثناء لهذه القاعدة، فکيف يمکن أن نتصورانسانا ً ما يتمتع بإدراکات علمية و جهاز عصبي و حدس کسائر البشر و هو في مأمن عن الوقوع في الخطأ و احتمال الانحراف و النسيان.

الجواب

صحيح ان الأنبياء و الأئمة هم بشر عاديون و لکن سيتبيّن من خلال الأدلّة في بحوث قادمة إنّهم علی مستويات علمية عالية و إنّهم في هذه الناحية يفوقون سائر البشر بشکل ملحوظ.

ان علومنا التي نعرفها هي عبارة عن سلسلة من الفاهيم و التصورات التي نکتسبها عن طريق الحواس و وسائل المعرفة العقيلة، لذا فهي معرّضة للخطأ والنسيان.

اما النبي و الإمام فهو علی علاقة بعالم الغيب و هو يطل علی عالم الملکوت من خلال بصيرته النفاذة، فهو يعيش عالم الحقائق الکبري، فعلوم الأئمة لا تتحصل عن طريق الحواس بل إنّها تفور في ذواتهم کالينا بيع المتدفّقة، إنّهم ينطوون علی کنوز من المعرفة الحقيقة، و مثل هؤلاء الأفراد لا يحتمل النسيان والخطأ في حياتهم.

ثم ان النسيان و الخطأ لايشکل ضرورة في أصل الخلقة البشرية، فما هو المانع إذن في أن يهب الله الحکيم رسله و أوصياء هم ملکة تعصمهم من آفة للشکّ في هذه المسألة الحسّاسة1.

  • 1. من کتاب دراسة عامة في الامامة.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى