مقالات

الإمامة والعاجز…

نص الشبهة: 

إذا كان علي «رضي الله عنه» يعلم أنه خليفة من الله منصوص عليه، فلماذا بايع أبا بكر وعمر وعثمان «رضي الله عنهم»؟! فان قلتم : إنه كان عاجزاً ، فالعاجز لا يصلح للإمامة؛ لأنها لا تكون إلا للقادر على أعبائها. وإن قلتم: كان مستطيعاً ولكنه لم يفعل، فهذه خيانة. والخائن لا يصلح إماماً! ولا يؤتمن على الرعية. ـ وحاشاه من كل ذلك ـ فما جوابكم إن كان لكم جواب صحيح؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وبعد ..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن علياً «عليه السلام» لم يبايع أبا بكر كما أفادته بعض النصوص .. وقد ذكرنا ذلك في الإجابة على السؤال رقم 5.
وكذلك الحال بالنسبة لبيعته «عليه السلام» لعمر وعثمان، فإنه لا مجال لإثبات حصول هذه البيعة التي يدعيها السائل.
ثانياً: حتى لو بايع علي «عليه السلام» أبا بكر ، فإنما بايعه تحت وطأة ضرب زوجته، وإسقاط جنينها، ومحاولة إحراق بيته على من فيه، وفيه الزهراء والحسنان، وعلي «عليهم السلام» بالإضافة إلى الخادمة فضة .. ولا بيعة لمكره 1.
ثالثاً: يدعي أهل السنة ـ على ما في البخاري وغيره ـ: أن علياً «عليه السلام» إنما بايع أبا بكر بعد ستة أشهر 2، وسؤالنا هو: لماذا تخلف عن بيعته كل هذه الفترة؟! هل لأنه كان راغباً ببيعته، متلهفاً عليها؟! أم لأن أحداثاً جرت، وأموراً حصلت، لا يزال أنصار الخلفاء يجهدون على طمسها وإخفائها؟!
رابعاً: لقد قتل الطغاة يحيى بن زكريا، وقتل بنو إسرائيل أنبياءهم، ولم يتمكن هارون عن منع بني إسرائيل من اتخاذ العجل رباً. ولم يستطع النبي «صلى الله عليه وآله» فعل أي شيء مع قريش قبل هجرته إلى المدينة طيلة ثلاث عشرة سنة، فهل بطلت نبوتهم، وذهبت صلاحيتهم لمقام النبوة؟!
بل لقد منع بعضهم النبي «صلى الله عليه وآله» من كتابة كتاب للأمة، لكي لا تضل بعده أبداً، ولم يتمكن من تسيير جيش أسامة، وذلك في مرض موته، فهل بطلت نبوته، لأن النبوة إنما تكون للقادر على حمل أعبا ئها؟!
وإن كان هؤلاء الأنبياء قادرين على دفع الأعداء، وإجبارهم على تنفيذ أوامرهم، وكان هارون قادراً على المنع من اتخاذ العجل. وكان النبي «صلى الله عليه وآله» قادراً على كتابة الكتاب بالقوة والقهر، وعلى تنفيذ جيش أسامة كذلك ولم يفعلوا، فهل يصح للسائل أن ينسب إليهم الخيانة ـ والعياذ بالله ـ ويقول: إن الخائن لا يصلح أن يكون نبياً، ولا يؤتمن على الرعية .. وحاشاهم من ذلك ..
والخلاصة: أن الله قادر تكويناً على محق الجبابرة والطغاة، وعلى تسيير الأمور وفق ما يريد، ولكنه لا يفعل ذلك، لأنه يخالف الحكمة، وفيه نقض للسنن.
وهكذا يقال بالنسبة للأنبياء «عليهم السلام»، فإنه تعالى يمكن أن يُقْدِرَهُم على تحقيق كل ما يحبون .. ولكنه لا يفعل ذلك لما قلناه من أنه مناف للحكمة، وللسنن التي أراد سبحانه أن تجري الأمور عليها ..
خامساً: إن الإمامة والنبوة تتحقق بالنص الذي يبين النصب الإلهي لشخص بعينه لهذا المقام الخطير، واختياره لهذه الكرامة الإلهية، ولا يؤخذ فيه رضا الناس بالمنصوب ، ولذلك حارب الناس الأنبياء، وقتلوا الكثيرين منهم ..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله .. 3.

  • 1. راجع: البداية والنهاية ج10 ص90 ومقاتل الطالبيين ص190 وتاريخ الأمم والملوك (ط أورپا) ج3 ص200 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج6 ص190 والكامل في التاريخ ج5 ص532 .
  • 2. راجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص82 وصحيح مسلم ج5 ص154 وشرح أصول الكافي ج7 ص218 والصوارم المهرقة ص71 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص413 وشرح مسلم للنووي ج12 ص77 وفتح الباري ج7 ص378 وعمدة القاري ج17 ص258 وصحيح ابن حبان ج14 ص573 ونصب الراية للزيلعي ج2 ص360 والبدايـة والنهايـة ج5 ص307 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص568 والإكمال في أسماء الرجال ص168.
  • 3. ميزان الحق (شبهات . . و ردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، سنة 1431 هـ ـ 2010 م، الجزء الأول، السؤال رقم (18).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى