مقالات

الإمامة والبلوغ…

نص الشبهة: 

يزعم الشيعة: أن من شروط الإمام: التكليف، وهو البلوغ والعقل، والثابت أن إمامهم الغائب المسمى محمد العسكري ثبتت إمامته وهو ابن خمس أو ثلاث سنين من خلال توقيعاته، فلماذا استبعد هذا الشرط وقيل بإمامته؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..

فإننا نجيب بما يلي:

لم يشترط أحد البلوغ في الإمامة

أولاً: لم يقل أحد في اشتراط البلوغ بالإمامة، ولا بالنبوة.. بل قالوا: يشترط البلوغ في التكليف، وفي صلاة الجماعة بالنسبة لسائر الناس.
ثانياً: هناك آيات تدلُّنا على أن لبعض الناس خصوصية، تجعل لهم أحكاماً خاصة بهم، فمثلاً يقول الله سبحانه عن نبي الله يحيى بن زكريا: ﴿ يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ 1.
ويقول سبحانه عن مريم لما ولدت عيسى«عليه السلام»: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ 2.
وروي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: كنت نبياً وآدم بين الماء والجسد، أو بين الماء والطين 3.
وذلك كله يدلُّ: على أن عيسى، ويحيى «عليهما السلام» ونبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله»، كانوا في أتم الأحوال، وأعلى درجات الفهم والعقل والكمال، حتى استحقوا هذه المراتب العظمى وهم بهذه السن، بل منذ الولادة.. بل وقبل ذلك أيضاً..
وإذا كانت الإمامة منحة إلهية، تستند إلى استعدادات عالية، وملكات رفيعة، وتربية وصناعة إلهية على قاعدة: ﴿ … وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴾ 4، وليست أمراً عادياً، ولا اختياراً بشرياً.. فإن لمن يختارهم الله سبحانه خصوصيات في فهمهم ووعيهم، وفي كثير من شؤونهم، فلا ينبغي استبعاد أن يكون تكليفهم يختلف عن تكليف غيرهم، وأن يكون من خصوصياتهم إعطاؤهم مقام الإمامة في سن مبكرة، تماماً كما كان الحال بالنسبة لعيسى ويحيى «عليهما السلام»، وغيرهما ممن اختارهم الله قادة وسادة، وهداة، وأسوة، وقدوة لعباده..

متى كان تحديد البلوغ ؟!

لقد رأينا أن غير واحد قالوا: إن البلوغ قد حدَّد بعد الهجرة إلى المدينة في قضية رد ابن عمر، وقبوله في الغزو، أما قبل ذلك، فكان التمييز والإدراك هو المعتمد في البلوغ، وعليه يدور مدار التكليف 5.
ويشهد لذلك: أن علياً «عليه السلام» قد أسلم، وهو ابن عشر سنين، وكان ذلك يحرج بعض الناس الذين يحبون أن تكون فضيلة السبق إلى الإسلام لغيره «عليه السلام»، فخرجوا علينا بمقولة: أن علياً «عليه السلام» أول من أسلم من الصبيان، وأبو بكر أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء.. الخ.. 6.
وهو كلام فارغ، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل أولية علي «عليه السلام» في الإسلام من فضائل علي «عليه السلام»، وقد قال ذلك لفاطمة «عليها السلام» حين زوجها إياه 7.
وأما افتخاره هو «عليه السلام» بهذا الأمر فحدّث ولا حرج، وعبارة: أول أمتي سلماً، أو أول الأمة إسلاماً، أو أول رجل أسلم 8 يدحض كل شبهة تثار حول هذا الأمر..
بل قد صرح هو «عليه السلام» ـ مفتخراً بذلك ـ: أنه أسلم قبل أن يسلم أبو بكر 9، وبأنه قد صلى قبل الناس سبع سنين 10، ولم يقل له أحد: كنت آنئذ صبياً، ولم تكن بالغاً أو عاقلاً..

بماذا يتحقق البلوغ ؟!

بالنسبة للبلوغ نقول:
إن البلوغ للرجال بالإحتلام، وبنبات الشعر على العانة.. وهذان ليس لهما سن محدَّد. ويذكرون: أن الذين قتلوا من سبي بني قريظة قد نُظِرَ منهم إلى إنبات العانة.
وقد ذكروا: أن عمرو بن العاص كان يكبر ولده عبد الله باثنتي عشرة سنة فقط 11.
وقالوا أيضاً: إن الراشد بالله قد وطأ جارية، وهو ابن تسع سنين، فحملت منه 12.
ويذكر عن بعض النساء: أنهن قد حملن في سن الطفولة المبكرة جداً.
ثالثاً: ونذكر السائل أخيراً بأن هذا الأمر ـ أعني صغر السن ـ لا ينحصر بالإمام المهدي «عليه السلام»، فقد تولى الإمام الجواد، والإمام الهادي «عليهما السلام» مهمات الإمامة في سن مبكرة أيضاً..
كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قرّر إمامة الحسنين «عليهما السلام»، وكان عمرهما حين وفاته «صلى الله عليه وآله» ست أو سبع سنين. حيث قال: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» 13. ولم يقل: متى بدأت، أو متى تبدأ إمامتهما. فدلَّ ذلك على أنها تبدأ ـ على الأقل ـ من حين إنشائه لمقام الإمامة لهما..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 14.

  • 1. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 12، الصفحة: 306.
  • 2. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآيات: 27 – 31، الصفحة: 307.
  • 3. راجع المصادر التالية: الإحتجاج للطبرسي ج 2 ص 248 والفضائل لابن شاذان ص 34 وبحار الأنوار ج 15 ص 353 وج 50 ص 82 والغدير ج 7 ص 38 و ج 9 ص 287 ومسند أحمد ج 4 ص 66 و ج 5 ص 59 و 379 وسنن الترمذي ج 5 ص 245 والمستدرك للحاكم ج 2 ص 609 ومجمع الزوائد ج 8 ص 223 وتحفة الأحوذي ج 7 ص 111 و ج 10 ص 56 و المصنف لابن أبي شيبة ج 8 ص 438 والآحاد والمثاني ج 5 ص 347 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص 179 والمعجم الأوسط ج 4 ص 272 والمعجم الكبير ج 12 ص 73 و ج 20 ص 353 والجامع الصغير ج 2 ص 296 وكنز العمال ج 11 ص 409 و 450 وتذكرة الموضوعات للفتني ص 86 وكشف الخفاء ج 2 ص 129 وخلاصة عبقات الأنوار ج 9 ص 264 عن ابن سعد، ومستدرك سفينة البحار ج 2 ص 392 و 522 عن كتاب النكاح، وعن فيض القدير ج 5 ص 69 وعن الدر المنثور ج 5 ص 184 وفتح القدير ج 4 ص 267 والطبقات الكبرى لابن سعد ج 1 ص 148 و ج 7 ص 59 والتاريخ الكبير للبخاري ج 7 ص 274 وضعفاء العقيلي ج 4 ص 300 والكامل لابن عدي ج 4 ص 169 و ج 7 ص 37 وعن أسد الغابة ج 3 ص 132 و ج 4 ص 426 و ج 5 ص 377 وتهذيب الكمال ج 14 ص 360 وسير أعلام النبلاء ج 7 ص 384 و ج 11 ص 110 و ج 13 ص 451 ومن له رواية في مسند أحمد ص 428 وتهذيب التهذيب ج 5 ص 148 وعن الإصابة ج 6 ص 181 والمنتخب من ذيل المذيل ص 66 و تاريخ جرجان ص 392 وذكر أخبار إصبهان ج 2 ص 226 وعن البداية والنهاية ج 2 ص 275 و 276 و 392 وعن الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج 1 ص 166 وعن عيون الأثر ج 1 ص 110 والسيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 288 و 289 و 317 و 318 ودفع الشبه عن الرسول ص 120 وسبل الهدى والرشاد ج 1 ص 79 و 81 و 83 و ج 2 ص 239 وعن ينابيع المودة ج 1 ص 45 و ج 2 ص 99 و 261.
  • 4. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 39، الصفحة: 314.
  • 5. راجع: إسعاف الراغبين للصبان (مطبوع بهامش نور الأبصار) ص149 والسيرة الحلبية ج 1 ص 269 والكنز المدفون ص 256 و 257 عن البيهقي، والتمهيد لابن عبد البر ج 18 ص 88.
  • 6. نزهة المجالس ج 2 ص 147 والبداية والنهاية ج 3 ص 17 و 26 و 27 والسيرة الحلبية ج 1 ص 275 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 90 وراجع: سنن الترمذي ج 5 ص 306 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص 63 وراجع: كتاب الأوائل للطبراني ص 82 وتفسير الثعلبي ج 5 ص 85.
  • 7. راجع: المناقب للخوارزمي ص 106 وكشف الغمة للأربلي ج 1 ص 148 و 374 والغدير للشيخ الأميني ج 2 ص 44 ج 3 ص 954 و 220 و ج 9 ص 394 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص 93 و 144 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 3 ص 257 و ج 13 ص 227 و 233 وكنز العمال ج 11 ص 605 و ج 13 ص 114 و 135 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج 1 ص 276 و 279 و 290 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص 50 والعثمانية للجاحظ ص 289 و 294 وفضائل أمير المؤمنين «عليه السلام» لابن عقدة الكوفي ص 24 و 102 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص 98 وشرح الأخبار ج 2 ص 360 وكنز الفوائد للكراجكي ص 121 وبحار الأنوار ج 38 ص 19 و ج 43 ص 136 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 4 ص 151 و 152 و 155 و ج 15 ص 325 و 338 و 339 و 340 و 410 و ج 20 ص 271 و ج 22 ص 142 و 153 و 186 و 256 و 359 و 360 و ج 23 ص 526 و 529 و 537 و 611 و 614 و ج 31 ص 268 و ج 32 ص 46 و 211 و ج 33 ص 324 و 326 و 327. ودفع الإرتياب عن حديث الباب ص 16 وفتح الملك العلى للمغربي ص 67 و 68 وتاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 132 وأسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 520 وغاية المرام للبحراني ج 5 ص 179.
  • 8. راجع على سبيل المثال: سيرة ابن إسحاق ص 138 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج 1 ص 275 و 290 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص 7 و ص 50 والعثمانية للجاحظ ص 294 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 6 ص 167 و 168 و ج 13 ص 233 وغاية المرام ج 2 ص 67 و 68 و ج 6 ص 8 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 91 و السيرة الحلبية ج 1 ص 268 و 275 ومناقب المغازلي، ومناقب الخوارزمي ص 18 ـ 20 والغدير ج 3 ص 220 ـ 236 و ج 10 ص 168 و 29 و 322 و ج 9 ص 392 تجـد الكثير من التصريحات بذلك، وكذا في تاريخ بغداد ج 4 ص 233 وحلية الأولياء ج 1 ص 66 وتهذيب تاريخ دمشق ج 3 ص 407.
  • 9. راجع: المعارف لابن قتيبة (ط دار المعارف) ص 169 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 4 ص 122 و ج 13 ص 200 و 228 و 240 والعثمانية (دار الكتاب العربي ـ مصر، وتحقيق: عبد السلام محمد هارون) ص 290 والبداية والنهاية (دار إحياء التراث العربي) ج 7 ص 370 والآحاد و المثاني ج 1 ص 151 والكامل لابن عدي ج 3 ص 274 وتاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 33 وتهذيب الكمال ج 12 ص 18 وأنساب الأشراف للبلاذري ص 146 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص 9 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج 1 ص 38 وينابيع المودة ج 2 ص 146.
  • 10. سنن ابن ماجة ج 1 ص 44 والمستدرك للحاكم ج 3 ص 112 والمصنف لابن أبي شيبة ج 7 ص 498 والآحاد و المثاني ج 1 ص 148 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص 584 والسنن الكبرى للنسائي ج 5 ص 107 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 46 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 1 ص 30 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج 13 ص 122 وتذكرة الموضوعات للفتني ص 96 وتفسير الثعلبي ج 5 ص 85 وتهذيب الكمال ج 22 ص 514 وميزان الاعتدال ج 3 ص 102 والسيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 431 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج 1 ص 70 وينابيع المودة ج 1 ص 189 و 193 و 455 و ج 2 ص 148 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 4 ص 209 و 213 عن فضائل الصحابة لابن حنبل، وسنن المصطفى لابن ماجة (ط الغازية ـ مصر) ج 1 ص 57 والرياض النضرة (ط محمد أمين الخانجي بمصر) ج 2 ص 155.
  • 11. المعارف لابن قتيبة (ط سنة 1390 هـ) ص 125 و (ط دار المعارف) ص 286 والمستدرك للحاكم ج 3 ص 526 وفتح الباري ج 5 ص 203 وعمدة القاري ج 1 ص 131 و ج 13 ص 240 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج 3 ص 957 وأسد الغابة ج 3 ص 233 والإصابة ج 4 ص 166 وتهذيب التهذيب ج 5 ص 294 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 13 ص 236 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص 208 والتاريخ الصغير للبخاري ج 1 ص 167 و ج 5 ص 5 والتعديل والتجريح للباجي ج 2 ص 898 وتاريخ مدينة دمشق ج 31 ص 242 و 244 و 249 وقال ابن حبان في كتابه الثقات ج 3 ص 211 ومشاهير علماء الأمصار ص 93: بينه وبين أبيه ثلاثة عشر سنة.
  • 12. السيرة الحلبية ج 1 ص 269 و (ط دار المعرفة) ج 1 ص 434 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 36 ص 301.
  • 13. راجع: مجمع البيان ج 2 ص 452 و 453 و 311 و غنية النزوع للحلبي ص 299 والسرائر لابن إدريس ج 3 ص 157 وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص 404 والإرشاد للمفيد ج 2 ص 30 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص 303 والمسائل الجارودية للمفيد ص 35 والنكت في مقدمات الأصول للمفيد ص 48 ومناقب آل أبي طالب ج 3 ص 141 و 368 وبحار الأنوار ج 16 ص 307 وجوامع الجامع للطبرسي ج 3 ص 70 وإعلام الورى ج 1 ص 407. وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 26 ص 48 عن ابن كرامة البيهقي في كتابه الرسالة في نصيحة العامة (النسخة مصورة في مكتبة امبروزيانا بإيطاليا) ص 18. ونقل المرعشي في ج 19 ص 217 عن الأستاذ توفيق أبو علم في «أهل البيت» (ط مطبعة السعادة بالقاهرة) ص 195: وقد تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا، وهما ريحانتاي من الدنيا.
  • 14. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (45).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى