قال نصر بن مزاحم في « كتاب صفين » : دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة بعد رجوعه من البصرة ومعه أشراف من أهل البصرة (۱).
وقد قدم على الإمام عليّ عليه السلام بعد قدومه الكوفة من البصرة ، الأحنف بن قيس ، وجارية بن قدامة وحارث بن زيد ، وزيد بن جبلة ، وأعين بن ضبيعة وعظّم النّاس بنو تميم ، وكان فيهم أشراف ، ولم يقدم هؤلاء على عشيرة من أهل الكوفة.
فقام الأحنف بن قيس ، وجارية بن قدامة ، وحارثة بن بدر ، فتكلّم الأحنف فقال يا أمير المؤمنين أنّه إنْ يك بنو سعد لم تنصرك يوم الجمل فأنّها لم تنصر عليك وقد عجبوا أمس من نصرك ، وعجبوا اليوم ممّن خذلك ، لأنّهم شكوا في طلحة والزبير ، ولم يشكّوا في معاوية ، وعشيرتنا في البصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا لهم العدوّ ـ أيّ معاوية وأشياعه من أهل الشام ـ وانتصفنا بهم وأدركوا اليوم ما فاتهم أمس.
ثمّ خاطب عليّ عليه السلام حارثة فوافق الأحنف في رأيه ، فقال عليه السلام للأحنف أكتب إلى قومك ، فكتب إليهم يحثّهم على الخروج والمسير إليه لقتال معاوية بن أبي سفيان.
وكتب معاوية بن صعصعة وهو ابن أخي الأشعث إلى بني سعد أبياتاً من الشعر في ذلك ، فلمّا انتهى كتاب الأحنف ، وشعر معاوية إلى بني سعد ساروا بجماعتهم حتّى نزلوا الكوفة فعزّت بالكوفة وكثرت.
وعن عبد الله بن عوف قال : إنّ عليّاً عليه السلام لم يبرح النخيلة حتّى قدم عليه ابن عبّاس بأهل البصرة ، قال وكان كتب عليّ عليه السلام إلى ابن عبّاس :
أمّا بعد : فاشخص إليّ بمن قبلك من المسلمين والمؤمنين ، وذكرهم بلائي عندهم ، وعفوي عنهم ، واستبقائى لهم ، ورغبهم في الجهاد ، وأعلمهم الّذي لهم في ذلك الفضل والسلام.
قال : فلمّا وصل كتابه إلى ابن عبّاس بالبصرة قام في الناس ، فقرأ عليهم الكتاب وحمد الله وأثنى عليه وقال :
يا أيّها النّاس استعدّوا للشخوص إلى إمامكم ، وانفروا خفافاً وثقالاً ، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ، فإنّكم تقاتلون المحلين القاسطين ، الذين لا يقرأون القرآن ، ولا يعرفون حكم الكتاب ، ولا يدينون دين الحقّ ، مع أمير المؤمنين وابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان بالحق والقيّم بالهدى والحاكم بحكم الكتاب الّذي لا يرتشي في الحكم ، ولا يداهن الفجار ، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال : نعم والله لنجيبنك ولنخرجنّ معك ، على العسر واليسر ، والرضا والكره ، تحتسب في ذلك الخير ، وتأمّل به من الله العظيم من الأجر.
وقام إليه خالد بن معمر السدوسي فقال : سمعنا واطعنا فمتى استنفرتنا نفرنا ، ومتى دعوتنا أجبنا.
وقام إليه عمرو بن مرحوم العبدي فقال : وفق الله أمير المؤمنين ، وجمع له أمر المسلمين ، ولعن المحلين القاسطين الّذين لا يقرأون القرآن ، نحن والله عليهم حنقون ، ولهم في الله مفارقون ، فمتى أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا إن شاء الله.
فأجاب النّاس إلى المسير ونشطوا وخفوا (۲).
ويقول معاوية بن أبي سفيان في رسالته إلى الإمام عليّ عليه السلام :
ولا حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة ؛ لأنّهم أطاعوك ولم يطعك أهل الشام (۳).
وكذلك خرج شيعة البصرة لقتال الخوارج فقال ابن الأثير خرج شريك الأعور وكان من شيعة عليّ لقتال الخوارج من البصرة وانتخب ثلاث آلاف فارس من الشيعة (٤).
الهوامش
۱. كتاب صفين : ص ۳.
۲. بحار الأنوار : ج ۳۲ ص ٤۰٦.
۳. بحار الأنوار : ج ۳۲ ص ۳۹۳.
٤. الكامل في التاريخ : ج ۱۳ ص ٤۳۱.
مقتبس من كتاب : [ ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ] / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۱۱ ـ ۱۳