تعتبر معركة “الاحزاب”، وقصة بني قريظة، وزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بزينب بنت جحش من أروع الحوادث التاريخية التي وقعت في السنة الخامسة من الهجرة.
وأوّل هذه الحوادث- كما عليه المؤرخون المسلمون- هو زواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالمرأة المذكورة.
وقد ذكر القرآن الكريم تفاصيل هذه القضية ضمن الآيات (4، 6، 36، الى 40) من سورة “الاحزاب”، ولا يبقى- حينئذ- مجال لأكاذيب المستشرقين ودسائسهم ومختلقاتهم الواهية.
ونحن هنا ندرُسُ هذه القضية على ضوء أصح المصادر والينابيع التاريخية الاسلامية التي لم تطلها أيدي العبث والتحريف، والمسخ، والتشويه، ألا وهو القرآن الكريم، ثم بعد ذلك نتحدث حول ما قاله المستشرقون ومن لف لفهم، ونحى منحاهم في التعامل مع تاريخ السيرة النبوية.
من هو زيد بن حارثة?
كان زيد شاباً سرقه قُطّاع الطرق من الأعراب وهو صغير من قافلة، وباعوه عبداً في سوق عكاظ، وقد اشتراه حكيم بن حزام نعمّته خديجة بنت خويلد، وقد أهدته خديجة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعد زواجها منه.
ولقد دفعت سيرةُ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله الحسنة، وأخلاقه الفاضلة وسجاياه النبيلة زيداً هذا في أن يحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حباً شديداً، حتى أنه عندما جاء أبوه الى مكة يبحث عنه، وعلم بوجوده عند النبيّ صلّى اللّه عليه وآله مشى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وطلب منه أن يعتقه، ويعيده اليه، ليعيده بدوره إلى اُمه ويُلحقه بأقربائه، فأبى زيد إلا البقاء عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وفضّل ذلك على المضي مع أبيه، والعودة إلى وطنه، وعشيرته، وقد خيّره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في المكث عنده أو الرحيل مع أبيه إلى وطنه.
على أن ذلك الانجذاب والحب كان متبادلاً بين زيد ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فكما أن زيداً كان يحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ويحب أخلاقه وخصاله، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يحب زيداً كذلك لنباهته وأدبه حتى أنه أعتقه وتبنّاه، فكان الناس يدعونه زيد بن محمد بدل زيد بن حارثة، ولكي يتأكد ذلك وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذات يوم وقال لقريش:“يا من حضر إشهدُوا أن زيداً هذا إبني”2.
وقد بقي هذا الحبُ المتبادل بين زيد، وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى أن استشهد هذا المسلم الصادق والمؤمن المجاهد في معركة مؤتة، فحزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لمصرعه كما حزن لولد من أولاده.
زيد يتزوجُ بابنة عمة النبيّ
لقد كان من أهداف رسول الاسلام العظيم صلّى اللّه عليه وآله هو أن يخفف من الفواصل بين طبقات المجتمع وفئاته، ويقارب بينها قدر الامكان، ليعيش البشر جميعاً تحت لواء الانسانية والتقوى إخوةً متحابّين لا تبعد بعضهم عن بعض مقاييس الثروة والنسب، بل يكون الملاك في التفاضل هو الأخلاق الفاضلة والسجايا الانسانية.
من هنا كان يجب التعجيل في ازالة التقاليد العربية البالية التي كانت تقضي بأن لا يتزوج بنات السادة والاشراف بأبناء الطبقات الضعيفة والفقيرة.
وأي وسيلة لضرب هذا التقليد القبيح الظالم وتحقيق المساواة الكاملة أفضل من أن يبدأ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في تحطيم هذا التقليد بأقربائه وذويه ليقدّم بذلك درساً عملياً للاُمة في هذا المجال، فقام بتزويج عتيقه “زيد بن حارثة” من شريفة من بني هاشم وهي ابنة عمته زينب بنت جحش حفيدة عبد المطلب ليعلم الناس أنه يجب عليهم الاقلاع عن تلك التقاليد الجاهلية الظالمة بسرعة، ويعرفوا أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله هو أوّل من نفّذ في حق ذويه ما كان يردّده من قوله: “لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى” و”إنّ المؤمن كفؤ المؤمن”.
ولأجل تحطيم ذلك التقليد الجاهليّ الخاطئ ذهب رسول اللّه بنفسه إلى منزل زينب، وخطبها لزيد، فلم تبد زينب وأخوها رغبةً في هذا الأمر في الوهلة الاُولى لأنّ الأفكار الجاهلية كانت لا تزال مترسبة في قلوبهم، ومن ناحية اُخرى كان الرد على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أمراً صعباً ولهذا تذّرعاً بعبودية “زيد” السابقة وحاولا بذلك التخلّص من مطلب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله.
فلم يلبثا أن نزل قوله تعالى يشجب رد زينب وأخيها لطلب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله:﴿وما كان لِمُؤمِنٍ ولا مُؤمِنةٍ إذا قضى اللّهُ ورسُولُه أمراً أن يكُون لهُمُ الخِيرَةُ مِن أمرهِم، ومن يعص اللّه ورسُولهُ فقد ضلَّ ضلالاً مُبين﴾3.
فتلاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليهم فوراً فدفع إيمان زينب وأخيها الصادق برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأهدافه المقدسة إلى أن تبادر زينب إلى الاعلان عن رضاها ورضا أخيها بهذا الزواج، فتزوّجت ابنة شريف قوم “زينب” بعتيق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله زيد وبذلك طبّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واحداً من أعظم مناهج الاسلام الحيّة، وآدابه الانسانية الرفيعة، وحطّم عملياً واحدة من أقبح السنن الجاهلية، وأكثرها تخلفاً واجحافاً.
زيد يطلق زوجته
إلا أن هذا الزواج لم يدم طويلاً، فقد آل إلى الطلاق، والافتراق ويعزو البعضُ ذلك إلى نفسيّة “زينب” وسلوكها الحاد حيث كانت ربما تذكر لزيد دنوّ حسبه، وعلوّ حسبها، وبذلك كانت تمرّ في ذائقته طعم الحياة وتسبب انزعاجه.
ولكن يحتمل أن السبب وراء هذا الطلاق كان هو زيد نفسه، فان تاريخ حياته يشهد بأنه كان يعاني من روح العزلة، وعدم الالفة، فقد اتخذ أزواجاً متعددة وطلقهنّ (إلا الاخيرة منهن حيث استشهد عنها وهي في حبالته) فيكون هذه الطلقات المتعددة دليلاً على عدم القدرة على الانسجام مع زوجاته، لحالة نفسيّة كان يعاني منها.
ويشهد بذلك أيضاً خطاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الحادّ، له، فان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله لمّا عرف بأن زيداً يبغي طلاق زوجته زينب غضب وقال: ﴿إمسك عليك زوجك واتّق اللّه﴾4.
ولو كان الذنب كلّه ذنب زوجته زينب لما كان يُعدُّ تطليقها عملاً مخالفاً للتقوى.
ومهما يكن فقد طلق زيد زينباً وافترقا، ثم تزوج بها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بعد ذلك.
زواج النبيّ بمطلقة متبناه لابطال سنة جاهلية اُخرى:
ولكن قبل أن ندرس العلة الاساسية لهذا الزواج لا بد أن نلقي نظرة فاحصة إلى مسألة النسب الذي يعدّ مقوماً مهماً من مقومات المجتمع الصحيح.
وبعبارة اُخرى وأكثر تحديداً لا بد أن ندرس الفرق الجوهري بين الولد الحقيقي، وبين المتبنى.
وتوضيحاً لهذا الأمر نقول:كان يوجد في المجتمع العربي الجاهلي أبناءُ لا يعرفُ لهم آباء أو لهم آباء معروفون، وكان الرجل يعجبه أحد هؤلاء فيتبناه ويدعوه ابنه، ويُلحقُه بنسبه وتصير له حقوق البنوة وملحقاتها.
ولما كان هذا شذوذاً عن الاساس الطبيعي للاسرة أبطله الاسلام وذلك لأن الولد الحقيقي ينتمي إلى أبيه بجذور تكوينية، فالوالد هو- في الحقيقة- المنشأ المادي لوجود ابنه، ويرث الولد من والده ووالدته الكثير من صفاتهما الجسمية والروحية، وبذلك يكون امتداداً طبيعياً لوالديه.
وعلى أساس هذه الوحدة الطبيعية، ووحدة الدّم يتوارث الآباء والأبناء، وتترتب أحكام خاصة في مجال الزواج والطلاق، والتحليل والتحريم.
وبناءً على هذا فان مثل هذا الموضوع الذي ينشأ من جذور تكوينية واقعية، لا يُوجد أبداً باللفظ واللسان.
ولهذا قال اللّه سبحانه في الكتاب العزيز في معرض الردّ على من يتصور المتبنّى ولداً حقيقياً لمجرد ادعاء البنوة:﴿وما جعلَ ادعياءكُم ابناءكُم ذلِكُم قولكُم بأفواهِكُم واللّهُ يقُولُ الحقَّ وهُو يهدي السبيل* اُدعوهُم لآبائهم هُو أقسطُ عند اللّه فإن لم تعلمُوا آباءهُم فاخوانُكُم فِي الدين وموالِيكم وليس عليكُم جُناح فيما أخطأتُم بِهِ ولكِن ما تعمّدَت قُلُبكُم وكان اللّهُ غفوراً رحيم﴾5.
فلا يكون الابن المتبنى والولد الحقيقي في صعيد الموضوع سيان أبداً، فكيف في صعيد الاحكام كالتوارث، والزواج والطلاق وما شابه ذلك.
فاذا ورث الولد الحقيقي من ابيه او بالعكس أو حرمت زوجة الولد الحقيقي على أبيه بعد طلاقها من زوجها لا يمكن أن نقول أن الابن المتبنى يشبهه ويشترك معه في هذه الاحكام أبداً.
ومن المسلم به أنَّ مثل هذا التشريك في الحقوق والشؤون مضافاً إلى كونه لا يستند الى أساس معقول وصحيح هو نوع من العبث بعامل النسب، وهو العنصر المهم في المجتمع السليم الصحيح.
وعلى هذا الاساس إذا كان التبني بدافع العاطفة أمراً مستحسناً ومقبولاً، إلا انه إذا كان بهدف إشراكه في سلسلة من الأحكام الاجتماعية التي هي من شؤون الولد الحقيقي وحقوقه يعد أمراً بعيداً وغريباً جداً عن المحاسبات العلمية، والاسس الموضوعية.
ولقد كان المجتمع العربي- كما اسلفنا- يعدّ الابن بالتبني كالولد الحقيقي دون فرق، وقد كُلّف رسول اللله صلى الله عليه وآله من جانب الله تعالى بأن يقضي على هذا التقليد الجاهلي والسنة الخاطئة باجراءٍ عملي صارخ وذلك بالتزوج بزينب مطلَّقة متبناه ” زيد “، ويمحو من حياة المجتمع العربي هذا التقليد القبيح بالعمل الذي يفوق القول، ووضع القانون، في التأثير، والفاعلية، ولم يكن لهذه الزيجة غير هذا السبب.
لقد كان هذا التقليد أمراً مقدّساً في المجتمع العربي بشكلٍ كبير جدّاً بحيث لم يكن أحد ليجرأ على نقضه ومخالفته والتزوج بمطلّقة دعيّه6 لقبحه في نظر العرب لذلك دعا الله سبحانه نبيّه الى القيام بهذا العمل الخطير، إذ قال:﴿وَإذ تقُول للذي أنعم اللّهُ عليه وانعمت عليه أمسِك عليك زوجك واتّقِ اللّه وتُخفي في نفسِك ما اللّهُ مُبديه وتخشى الناس واللّهُ أحقُّ أن تخشاه فلمّا قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمرُ اللّهِ مفعُول﴾7.
إن هذا الزواج مضافاً إلى كونه استهدِف منه تحطيم سنّة جاهليّة مقيتة (سنة عدم الزواج بمطلقة المتبنى) واعادة العلاقات العائلية الى وضعها الصحيح يعتبر من أقوى مظاهر المساواة في الإسلام، لأن النبيّ الاكرم صلّى اللّه عليه وآله تزوّج بمطلّقة عتيقه وقد كان مثل هذا العمل مخالفاً لشؤون المجتمع يومذاك.
ولقد أثار هذا الاقدام الشجاع موجةً من الاعتراض والنقد من جانب المنافقين، وأصحاب العقول الضيّقة، فقد طرِحت هذه المسألة في الاوساط والنوادي وأخذوا يشنعون بها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ويقولون: لقد تزوّج محمّد بمطلّقة دعيّه.
فأنزل اللّه تعالى في الرد على تلكم الافكار والاقوال الباطلة قوله:﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾8.
على أن القرآن لم يكتف بهذا البيان بل امتدح نبيَّه الذي نفّذ حكم اللّه بشجاعة كاملة بقوله:﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًاً* الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾9.
وخلاصة المفاد لهاتين الآيتين هي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كغيره من الأنبياء يُبلّغ رسالات اللّه ولا يخاف لوم اللائِمين، وكيد المنافقين، وإرجاف المرجفين.
هذه هي فلسفة تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بزينب بنت جحش مطلّقة دعيّه ومتبناه وعتيقه زيد بن حارثة في ضوء القرآن الكريم.
المستشرقون وقضية تزوّج النبيّ بزينب
إن زواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بزينب مطلّقة زيد بن حارثة- كما لاحظت- قضية بسيطة خالية عن أي إبهام أو غموض.
ولكنَّ جماعةً من المستشرقين تذرّعوا بها لإغراء البسطاء ومن شاكلهم غير الملمّين بالتاريخ الاسلامي وأرادوا بذلك إضعاف إيمان الذين لا يعرفون السيرة النبويّة حقَّ المعرفة، فانّنا يجب أن ندرس ما قالوه في هذا المجال، ونكشف للقارئ الكريم عن مواطن الدسّ والتحريف فيه.
ولا يخفى أن الاستعمار البغيض لم يكتف للسيطرة على بلادنا باستخدام القوة العسكرية، والسلاح الاقتصادي بل ربما دخلها متستراً بقناع العلم والتحقيق، فقد سعى- ولم يزل- لفرض أسوأ هيمنةٍ فكريةٍ شاملةٍ وتبعيّة ثقافيّة مقيتة على شعوبنا وفق تخطيط دقيق ومدروس وهذا هو ما يسمّى بالاستعمار الفكري، والثقافي.
وفي الحقيقة فان المستشرِق هو طليعة ذلك الاستعمار، بل وجيشه المتقنع بقناع العلم والمعرفة الذي ينفذ إلى أعماق المجتمع، ويتسسلّل إلى اوساط المفكرين والمثقفين وينفث سمومه القاتلة، ويخدّر العقول، ويمهّد النفوس للاستعمار السافر، والمكشوف.
ويمكن أن لا يرتضي كثير من الكتّاب وعشّاق القلم والثقافة في الغرب منطقنا هذا فيعمدوا الى رمينا بالتحجر، والعصبيّة والتخلف ويتصوروا باننا نقول ما نقوله بدافع العصبيّة القومية أو الدينية، ولكنَّ كتاباتِ المستشرقين وإخفاءهم المتعمَّد والكثير للحقائق، وتحريفهم ودسّهم المكشوف في تاريخ الاسلام حيناً والخفيّ حيناً آخر يشهد بوضوح أنّ دافعهم في كثير ممّا كتبوا ليس حبَّ العلم وتحرّي المعرفة، فان أكثر ما كتبوه ممزوج بطائفةٍ من أفكارهم المعادية للاسلام، ولرسول اللّه والمسلمين10.
ويشهد على هذه النزعة- بجلاءٍ ووضوحٍ- موقِفُهُم من زواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بزينب بنت جحش وما نسجوه من قضايا خياليّة حول هذه القضية، التي وقعت بهدف إبطال سنةٍ باطلةٍ، فأعطوها صبغة قصص الحب وأساطير الغرام على طريقة القصّاصين والروائيين وديدنهم، وعمدوا إلى حكاية تاريخية مختلقة وضخّموها ونفخوا فيها ونسبوه إلى أطهر إنسان عرفه العالم البشري.
وعلى كل حال فان أساس هذه الاُسطورة عبارات نقلَها ابنُ الأثير11 ومن قبله الطبري12 وبعضُ المفسّرين، وهي أنه: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يريد زيداً وعلى الباب ستر من شعر فرفعته الريح فرآها وهي حاسرة فأعجبته!!!
ولكن المستشرقين بدل أن يتحققوا من سند هذه الأقوال، لم يكتفوا بنص ما ذكره اُولئك المؤرّخون والمفسرون، بل الصقوا به الكثير الكثير حتى تحوّلت تلك الجُمل العابرة إلى قصةٍ تشبه أقاصيص ألف ليلة وليلة.
إنّ من المؤكّد أنّ الذين يعرفون سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الطاهرة يدركون أنّ هذا التاريخ إنّما هو في أصله وفرعه من نسج الخيال، وصنع الأوهام، وانها تخالف ما في صفحات التاريخ النبويّ الوضّاءة النقيّة مخالفةً كاملةً، الى درجة أن علماء معروفين كالفخر الرازي والآلوسي كذّبوا هذه القصة بشكلها الذي ذكرها ابن الاثير والطبري بصراحة كاملة وقالوا: إن هذه الرواية رواية باطلة زوّرها واختلقها أعداء الاسلام، وراجت في كتب المؤلفين المسلمين13.
فكيف يمكن القول بأنّ هذه القصة وبهذه الكيفية كانت مما يعتقد بصحته ابن الأثير، والطبريّ في حين أن هناك العشرات ممن نقلوا خلافها وبرّأوا ساحة النبيّ العظيم صلّى اللّه عليه وآله من هذه المساوئ.
وعلى أية حال فإننا نشير في الصفحات التالية إلى دلائل اختلاقِ هذا القسم من التاريخ، ونعتقد أن القضية في واقعها وحقيقتها واضحة جداً، واغنى من ان ندافع عنها.
واليك أدِلّتنا
أولاً- ان التاريخ المذكور يخالف المصدر الاسلامي الاصيل وهو (القرآن الكريم) لأنّ القرآن بشهادة الآية (37) من سورة الأحزاب تصرّح بأنّ زواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من زينب كان لأجل إبطال سنة جاهلية باطلة وهي السنّة القاضية بأنه لا يحق لأحد أن يتزوج مطلقة دعيّه، خاصة وأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فعل ذلك بأمر اللّه سبحانه وليس بدافع من الرغبة الشخصية، والحب الشخصي، ولم يكذّب ذلك أحد في صدر الاسلام.
فاذا كان ما قاله القرآن الكريم مخالفاً للحقيقة لسارع اليهود والنصارى والمنافقون الى نقده وتفنيده، ولأحدثوا ضجة بسبب ذلك، في حين أنّ مثل هذا لم يُؤثر من أعداء الاسلام الذين كانوا يتحيّنون الفرص للايقاع برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وتلويث سمعته.
ثانياً- أن “زينب بنت جحش” هي تلك المرأة التي اقترحت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الزواج بها قبل أن يتزوج بها “زيد” ولكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أصرّ على ان تتزوج غلامه المعتق زيداً رغم رغبتها في الزواج من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
فلو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يحبّ الزواج بها- وهو يعرفها طبعاً- لما وجد مانعاً من ذلك عندما طلبت منه الزواج بها، فلماذا لم يتزوج بها? ولما رفض طلبها?.
أجل، انه لم يتزوج بها ولم يجب مطلبها بل الحّ عليها أن تتزوج بشخص آخر رغم أنه أحسَّ برغبةٍ شديدة لدى زينب في الزواج منه لا من غيره.
وبعد تكذيب هذا القِسم المحرّف من التاريخ الاسلامي لا يبقى مجال لتعليقات وأوهام جنود الاستعمار وطلائعه المغرضين.
إننا نبرّئ ساحة رسول الاسلام العظيم صلّى اللّه عليه وآله من أمثال هذه الترّهات والنسب الرخيصة ونرى أن ساحته المقدسة أجلّ من أن ننقل كلمات هذا الفريق من الكتّاب المغرضين الحاقدين في حقّ نبيٍ بقي مكتفياً بزوجة تكبره بثمانية عشر عاماً، الى أن بلغ سن الخمسين.
من هنا نعرض عن ذكر أقوالهم.
ولا بأس بأن نذكر هنا ما كتبه جماعة من المحققين المصريين الذين أشرفوا على طباعة “التاريخ الكامل” لابن الأثير تعليقاً على ما أدرجه في هذا المجال:
هذه رواية باطلة زوّرها الملاحدة، واختلقها أذهان أعداء الدين الاسلامي ليطعنوا في نبي الاسلام عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وهل يُعقل: انه لا يعرف ابنة عمته التي كان ولي زواجها إلى مولاه زيد? وانما دسائس الزنادقة، ومبشّري المسيحية قد تغلغلت في نفوس العلماء من حيث لا يعلمون، فافتكروا في رواية الخبر، فاتخذوه أساساً، وأعرضوا عن كتاب اللّه وعن قول اللّه تعالى من أنّ اللّه أعلمه بأنها صارت زوجه قبل أن استشاره زيد في طلاقها.
والعجيب أن ابن الأثير مع جلالة قدره ينقل هذه الرواية المزيَّفة التي هي طعن صريح في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وقد قلّد في روايته هذه ابن جريرٍ قبلهُ، وكلاهما وقع في هوّة الضلالة من حيث لا يشعر، ولو عُرضت كلُّ رواية على كتاب اللّه تعالى لما أقدم أحد على مثل هذا الافك العظيم!!
إن زينب هي وهبت نفسها لرسول اللّه فزوّجها من مولاه، ثم تزوجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم “كي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم اذا قضوا منهن وطر”، فاذن كان الزواجُ لأجل التشريع، وكان عمليّاً، لشدة نفرة أهل الجاهلية من هذا الزواج من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله، لانهم يعدّون المتبنى ولداً صريحاً أو في مرتبته.
قال الفخر الرازي: وفيه إشارة إلى أنَّ التزويج من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله لم يكن لقضاء شهوة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بل لبيان الشريعة بفعله، انتهى.
ونحن نعتب عليه أيضاً إذ جعله اشارة ولم يجعله صريحاً وبما أن روح التقليد الأعمى قد اشتدّ بين المسلمين منذ زمن بعيد فالحكاية التي أوردها المؤلف نقلها كثير من المفسرين غير مفكرين بما فيها من طعن في الدين لإفادتها أن الشريعة الاسلامية عبارة عن إتباع أهواء أو تنفيذ شهوات تنزهت عن ذلك كله، ويرحم اللّه السيّد الآلوسي حيث قال في تفسيره: وحاصل العتاب: لِم قلت “اَمسِك عليك زوجك”، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهو مطابق للتلاوة، لأنّ اللّه أعلم أنه مبدي ما أخفاه عليه الصلاة والسلام ولم يظهر غير تزويجها منه فقال: “زوّجناكه” فلو كان الضمير محبتها وارادة طلاقها، ونحو ذلك لأظهره جلّ وعلا، وللقصّاص في هذه القصّة كلام لا ينبغي أن يُجعل في حيّز القبول، انتهى.
ثم أورد الروايات المزيفة التي تشبه ما أورده المؤلف (أي ابن الأثير) محذراً الناس منها ومن أمثالها التي لا تروج إلا على الحمقى والمغفلين انتهى. راجع هامش الكامل في التاريخ ج 2 ص 121. طبعة القاهرة ادارة الطباعة المنيرية عام 1349 هجري.
توضيح عبارتين
هذا واستكمالاً للبحث، واتماماً للفائدة ندرج نص الآية التي نزلت في هذا المجال، والتي تسبّبت جملتان منها في إثارة الشكوك لدى بعض الجاهلين بحقائق السيرة النبويّة الزكية، ونعطي بعض التوضيحات اللازمة حولهما: واليك نص الآية أولاً:﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾.
وفيما يلي الجملتان اللتان تحتاجان الى التوضيح:﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾.
فماذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يُخفي في نفسِهِ وقد أظهرهُ اللّهُ وأبداه بعد كل تلك النصيحة التي نصح بها صلّى اللّه عليه وآله زيداً?
ربما يتصور أحد أن الأمر الذي كان يخفيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله هو رغبة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في تطليق زيد زوجته زينب أي أنه وان كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ينهى زيداً في الظاهر عن تطليق زينب، إلا أنه كان في سرّه يرضى بذلك بل يرغب فيه ليتسنّى له بعد ذلك أن يتزوجها هو.
ولا شك أنّ هذا الاحتمال غير صحيح مطلقاً لأن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله إذا كان يبطن مثل هذا الأمر، فلماذا لم يبد اللّه سبحانه نيته هذه بآيات اُخرى، في حين أنه سبحانه وعد في هذه الجملة بأن يظهر ما كان يخفيه رسولُ اللّه في نفسه إذ قال تعالى: ﴿اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾?!
ولهذا قال المفسرون: إن المقصود مما كان يخفيه هو الوحيُ الالهيُّ الّذي أنزلهُ اللّهُ عليه، وتوضيح ذلك هو: أنّ اللّه تعالى أوحى إليه بأن زيداً سيطلّق زوجته رغم نصيحة النبيّ، وأنه صلّى اللّه عليه وآله سيتزوج بها من بعده لإبطال سنّةٍ جاهليةٍ مقيتةٍ (وهي حرمة الزواج بمطلّقة الدعيّ).
ومن هنا كانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حين نصيحته لزيد ونهيه عن تطليق زينب زوجته مُلتفتاً ومنتبهاً إلى هذا الوحي الالهيّ أيضاً، ولكنه أخفى هذا الوحيَ عن زيد وغيره، ولكن اللّه تعالى أخبر النبيَّ في نفس تلك الجملة بأنه تعالى سيبدي للناس ما يخفيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في قلبه، وأن الامر لن يبقى خافياً على أحد بإخفائه صلّى اللّه عليه وآله له.
ويشهد بهذا المعنى أنّ القرآن الكريم اظهر الامر في ذيل نفس هذه الآية إذ قال:﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾14.
فمن هذا التعقيب يستفاد أن ما كان يخفيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله هو الوحيُ الالهيُّ، بأنه عليه أن يتزوج بزوجة دعيّه بعد طلاقها لإبطال سنة جاهلية خاطئة.
2- واما الجملة الثانية التي هي بحاجة الى التوضيح فهي قوله تعالى: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُُ﴾. غير أن هذا القسم من الآية هي الجملة الثانية الأقلّ إيهاماً وغموضاً من الجملة السابقة بدرجات، لأن تجاهل سنّة عريقة متجذرة في بيئة منحرفة (وهي الزواج بمطلّقة الدعيّ) يقترن- بطبيعة الحال وحتماً- بحرج نفسيٍّ يزول ويرتفع لدى الأنبياء بتوجههم إلى الأمر الالهي..
واذا كان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يعاني من حرج نفسيٍّ شديد من هذه القضيّة فانما هو لأجل أنه صلّى اللّه عليه وآله كان يتصوّر أن جماعة العرب الذين لم يكن عهدهم بالإسلام طويلاً، لم يمر على انقطاعهم عن عاداتهم وتقاليدهم الجاهلية سوى زمن قصير سيقولون: إن النبي ارتكب عملاً سيّئاً، والحال أن الامر ليس كما يعتقدون.
قال العلامة الطباطبائي في هذا الصدد: قوله: “لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطر” تعليل للتزويج وبيان مصلحة للحكم. وقوله: و”كان أمر اللّه مفعول” مشير الى تحقق الوقوع وتأكيد للحكم.
ومن ذلك يظهر أن الذي كان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يخفيه في نفسه هو ما فرض اللّه له أن يتزوجها لا هواها، وحبه الشديد لها وهي بعدُ مزوَّجة كما ذكره جمع من المفسرين، واعتذروا بأنها حالة جبليّة لا يكاد يسلم منها البشر فإن فيه أولاً: منع أن يكون بحيث يقوى عليه التربية الإلهية. وثانياً: أنه لا معنى حينئذ للعتاب على كتمانه وإخفائه في نفسه فلا مجوّز في الإسلام لذكر حلائل الناس والتشبّب بهن15.
ولما كانت المسألة مسألة وضع قانون جديد لهذا مضى القرآن الكريم يؤكدها ويزيل عنصر الغرابة عنها فقال تعالى: ﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا* مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا* تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا* يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًاً* وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا*** وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾16.
ففي هذه الآيات اشارة إلى
1- أن ما قام به النبي من التزوج بزينب كان بأمر اللّه، وكان على سبيل سنّ قانون وتشريع سنة ولكن بصورة عملية، وإن ذلك القانون علم اللّه ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها.
2- أن زيداً ليس ابن محمَّد صلّى اللّه عليه وآله انما هو متبنّاه ودعيّه بل هو ابن والده حارثة واقعاً وحقيقة وليس ذلك إلا تقرير وتأكيد للحقيقة التي سبقت الاشارة إليها في قوله تعالى: “وما جعل أدعياءكم أبناءكم”.
3- أن ما قام به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من التزوج بمطلّقة متبنّاه هو جزء من تشريعه الذي يشرّعه بأمر اللّه وإذنه تعالى لتسير عليه البشرية، وفق آخر رسالة السماء الى الأرض، لا أنه أمر واقع بدافع شخصي.
4- إن اللّه هو الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية وما يصلحها وهو الذي فرض على النبيّ ما فرض ليحلّ للناس ازواج أدعيائهم اذا ما قضوا منهن وطراً وانتهت حاجتهم منهن واطلقوا سراحهن. قضى اللّه هذا وفق علمه بكل شيء، ومعرفته بالاصلح والاوفق من النظم والشرائع.
5- إن ما سنّه اللّه للمسلمين وما اختارهُ تعالى للامة الاسلامية في مجال العلاقات العائلية يريد بها الخير والخروج من الظلمات إلى النور، فعليهم ان يذكروه ويشكروه أبداً ودائماً، فانه سيكون لهم لو أطاعوه وسبّحوه وذكروه شأن في الملأ الاعلى فهو يصلي عليهم وملائكته، ويذكرهم هناك بالخير، وانما يفعل كل هذا من منطلق الرحمة والعناية بهم.
6- ان وظيفة النبي صلّى اللّه عليه وآله في المسلمين هي (الشهادة) عليهم، فليحسنوا العمل، وهي (التبشير) لهم بما ينتظر العاملين من رحمة وغفران، و(الانذار) للغافلين المسيئين بما ينتظرهم من عذاب ونكال، و(الدعوة الى اللّه) لا إلى دنيا أو مجد أو عزة قومية أو عصبيّة جاهلية، وذلك باذن اللّه فما هو بمبتدع، ولا بقائل من عنده شيئاً.
7- ان على النبي صلّى اللّه عليه وآله أن يبشّر المؤمنين المطيعين لاوامر اللّه بأن لهم فضلاً كبيراً، ولا يطيع الكافرين، والمنافقين، وألا يحفل أذاهم له وللمؤمنين، وان يتوكل على اللّه وحده وهو بنصره كفيل، وهو يوحي بأن المنافقين أرجفوا بالنبي صلّى اللّه عليه وآله في هذه القضية، ارجافاً عظيماً.
وكل هذه الامور توحي بأن تغيير تلك السنة الجاهلية (عدم الزواج بمطلّقة المتبنّى) كانت عملية صعبه فاحتاجت إلى كل هذا التعقيب، وبالتالي تثبيت اللّه للنفوس فيه، كي تتلقى ذلك الأمر بالرضى والقبول والتسليم، وهذا هو الحال عند سنّ القوانين المهمّة والخطيرة.
1- يرى مؤلف كتاب تاريخ الخميس أن هذه الحادثة وقعت في شهر ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة ولكن هذا الرأي يبدو غير صحيح من وجهة نظر المحاسبة الاجتماعية، لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان منشغلاً بغزوة “الاحزاب”، و”بني قريظة” من 24 شهر شوال من السنة الخامسة الى 19 من شهر ذي الحجة من نفس السنة فيكون تحقق مثل هذا الزواج في مثل هذه الظروف أمراً مستبعداً جداً، واذا كان الزواج من زينب يُعدّ من حوادث السنة الخامسة لزم ان يكون قد تحقق قبل الحادثتين المذكورتين، ولهذا عمدنا الى ذكر هذه الحادثة قبل تينيك الواقعتين.
2- اسد الغابة: ج 2 ص 235 وكذا الاستيعاب والاصبابة مادة: زيد.
3- الاحزاب: 36.
4- الاحزاب: 37.
5- الأحزاب: 4 و 5، راجع تفسير الميزان: ج 16 ص 290 و 291.
6- الدعيّ هو الابن المتبنى وجمعه أدعياء.
7- الأحزاب: 37.
8- الأحزاب: 40.
9- الأحزاب: 38 و39.
10- للتأكّد الأكثر مِن هذا الأمر (راجع كتاب المستشرقون).
11 و12- الكامل في التاريخ: ج 2 ص 121، جامع البيان في تفسير القرآن: ج 22 ص 10.
13- مفاتيح الغيب: ج 25 ص 212، روح المعاني: ج 22 ص 23 و24.
14- الاحزاب: 37.
15- تفسير الميزان: ج 16 ص 343.
16- الاحزاب: 38- 48.
المصدر: http://alrasoul.almaaref.org