نص الشبهة:
فإن قيل : إذا كانت العلة في استتار الإمام خوفه من الظالمين واتقائه من المعاندين فهذه العلة زايلة في أوليائه وشيعته ، فيجب أن يكون ظاهرا لهم أو يجب أن يكون التكليف الذي أوجب إمامته لطفا فيه ساقطا عنهم ، لأنه لا يجوز أن يكلفوا بما فيه لطف لهم ثم يحرموه بجناية غيرهم .
الجواب:
قلنا : قد أجاب أصحابنا عن هذا بأن العلة في استتاره من الأعداء هي الخوف منهم والتقية . وعلة استتاره من الأولياء لا يمتنع أن يكون لئلا يشيعوا خبره ويتحدثوا عنه مما يؤدي إلى خوفه وان كانوا غير قاصدين بذلك . وقد ذكرنا في كتاب الإمامة جوابا آخر ، وهو أن الإمام ( عليه السلام ) عند ظهوره عن الغيبة إنما يعلم شخصه ويتميز عينه من جهة المعجز الذي يظهر على يديه لان النص المتقدم من آبائه عليهم السلام لا يميز شخصه من غيره ، كما يميز النص أشخاص آبائه ( عليهم السلام ) لما وقع على إمامتهم .
والمعجز إنما يعلم دلالة وحجة بضرب من الاستدلال ، والشبهة معترضة لذلك وداخلة عليه ، فلا يمتنع على هذا أن يكون كل من لم يظهر له من أوليائه ، فلان المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصر في النظر في معجزه ، ولحق به هذا التقصير عند دخول الشبهة لمن يخاف منه من الأعداء ، وقلنا أيضا أنه غير ممتنع أن يكون الإمام عليه السلام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئا من أسباب الخوف ، فإن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه ، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه ، ولا سبيل له إلى العلم بحال غيره .
ولو لا أن استقصاء الكلام في مسائل الغيبة يطول ويخرج عن الغرض بهذا الكتاب لأشبعناه ها هنا .
وقد أوردنا منه الكثير في كتابنا في الإمامة ولعلنا نستقصي الكلام فيه ونأتي على ما لعله لم نورده في كتاب الإمامة في موضع نفرده له ، إن أخر الله تعالى في المدة وتفضل بالتأييد والمعونة ، فهو المؤول ذلك والمأمول لكل فضل وخير قربا من ثوابه وبعدا من عقابه ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين 1 .
- 1. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى ، دار الأضواء : 237 ـ 238 .