مقالات

جزاء الإيثار

بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم

يُروى أنَّ الإمام عليًّا (عليه السلام) أصبح ذات يومٍ فسأل زوجته سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) إن كان في البيت طعامٌ يمكن أن تقدِّمه له ليتناوله.. فأجابته السيدة الزهراء (ع) بأنَّ البيت ليس فيه طعامٌ منذ يومين؛ إلَّا شيء يسير لا يكفي كلَّ من في البيت، فإن تناوله الإمام عليٌّ (ع) لم يبق شيء للزهراء (ع) والأطفال ليأكلوه.. فتساءل الإمام عليٌّ (ع) عن سبب سكوت السيِّدة الزهراء (ع) ، وقال لها: لو أنك ذكرت ذلك لجئتكم بشيء تأكلونه.. فأجابته السيِّدة الزهراء (ع) أنَّ سبب سكوتها عن ذكر ذلك هو أنها استحيت من الله (تعالى) أن تحمِّل الإمام عليًّا (ع) مشقَّة ذلك.
فخرج الإمامُ عليٌّ (ع) من البيت متوكِّلاً على اللّٰه تعالى، قد أحسن ظنَّه بربِّه وأنه لا يُخيِّبه.. فتمكَّن من اقتراض دينار، فبينما هو يفكِّر في شراء طعام لبيته بالدينار؛ وإذا به يصادف “المقداد” مكشوف الرأس، حافيَ القدمين في يوم حارٍّ.. فاسترعى منظرُه استغرابَ الإمام عليٍّ (ع) ، فسأله عن سبب خروجه من بيته في تلك الساعة الحارَّة على تلك الحالة الغريبة.. فحاول “المقداد” أن يخفي الأمر عن الإمام علي (ع) ، فقال له الإمام علي (ع) : “يا ابن أخي؛ إنه لا يحل لك أن تكتمني حالك”.
فلمَّا رأى “المقداد” إصرار الإمام علي (ع) على معرفة حاله؛ أخبر الإمامَ بأنَّ الفقر والجوع هو الذي أخرجه مضطرباً حيران في وقت الحرِّ؛ بعد أن سمع بكاء عياله.. فلم يتحمَّل البقاء في البيت، وخرج على تلك الحالة مهموماً في تلك الساعة من الحرِّ..
فلمَّا سمع الإمامُ عليٌّ (ع) كلام “المقداد”؛ انهمرت الدموع من عينيه، حتى بلَّت دموعُه لحيتَه.. ثم قال الإمام للمقداد: والله ما أخرجني من بيتي إلَّا الذي أخرجك، ولقد تمكنت من اقتراض دينار، فخذ الدينار، فإنِّي أوثرك على نفسي وأقدِّمك عليها..
فأخذ “المقداد” الدينار، وانطلق الإمام علي (ع) إلى المسجد.. وبقي في المسجد لصلاة الظهر، ثم العصر، ثم المغرب..
فلمَّا انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاة المغرب، مرَّ بقرب علي (ع) في الصف الأول، فأشار إليه إشارة فهم منها الإمام علي (ع) أنَّ النبي (ص) يطلبه في أمر.. فأسرع الإمام علي (ع) يمشي وراء النبي (ص) ، فلحق به عند باب المسجد.. وبعد التحيَّة والسلام؛ سأل النبيُّ (ص) عليًّا (ع) : هل عندك شيءٌ في البيت لنتعشَّى؟
فتحيَّر الإمام علي (ع) في الجواب، فأرخى عينيه إلى الأرض ساكتاً في حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فلمَّا نظر النبي (ص) إلى سكوت علي (ع) ، قال له: مالك يا أبا الحسن..؟! إمَّا أن تجيب بالإيجاب أو بالنفي.. فأجاب الإمام عليٌّ (ع) : “حُبًّا وكرامةً؛ بلى اذهب بنا”..
وقد كان الله (تبارك وتعالى) أوحى إلى رسول الله (ص) أن يتعشى في بيت عليٍّ وفاطمة (ع) . فأخذ النبي (ص) بيد علي (ع) فانطلقا حتى دخلا البيت، فوجدا السيدة فاطمة في مُصلَّاها، وقد انتهت من الصلاة، وخلفها إناءٌ فيه طعام حارٌّ والدخان يتصاعد من الإناء..
فأقبلت السيدة الزهراء (ع) من مُصلَّاها تستقبل النبيَّ (ص) بالسلام والترحيب..
وطلب النبيُّ (ص) من ابنته الزهراء (ع) أن تقدِّم لهم العشاء، فأخذت الزهراء (ع) الإناء فوضعته بين يدي النبي (ص) ..
فلما رأى الإمام علي (ع) إلى الإناء، وشمَّ ريح الطعام الطيب؛ بقي ينظر إلى الزهراء (ع) باندهاش؛ متسائلاً عن مصدر هذا الطعام الذي لم يرَ مثله قطُّ ولا شمَّ مثل رائحته الطيبة..
فوضع النبي (ص) كفَّه المباركة على كتفي عليٍّ (ع) ، ثم هزَّها قائلاً: “يا علي؛ هذا ثواب دينارك، هذا جزاء دينارك، هذا من عند الله؛ (إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب) [آل عمران/37] ، ثمَّ جرت الدموع من عيني رسول الله (ص) وهو يقول لعليٍّ وفاطمة (ع) : الحمد للّٰه الذي أبى أن يخرجكما من الدنيا إلَّا بعد أن يجري لك ـ يا علي ـ الفضيلة التي أجراها لنبيِّه زكريا، ويجري لك ـ يا فاطمة ـ الفضيلة التي أجراها لمريم؛ ثمَّ قرأ رسول الله (ص) الآية التي تتحدث عن ذلك في شأن زكريا ومريم (عليهما السلام) ، وهي قوله تعالى: (كلَّما دخل عليها زكريا المحرابَ وجدَ عندها رزقاً…) [آل عمران/37] .

المصدر: “فضائل سيدة النساء” لابن شاهين (الحديث/13) ، مع تصرُّفٍ في العبارة.

والحمدُ للّٰه ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى