بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: زكريَّا بركات
قال لهم النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : “لا أدري ما تحدثون بعدي”. (المصدر: موطأ الإمام مالك) .
وقال لهم: “لتتَّبعُنَّ سَنَنَ مَنْ قبلكم ـ أي اليهود والنصارى ـ شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جُحر ضب لسلكتموه”. (المصدر: صحيح البخاري) .
وقال لهم: “لَيَرِدَنَّ علَيَّ الحوضَ رجالٌ ممَّن صاحبني، حتَّى إذا رأيتهم وَرُفِعُوا إِلَيَّ، اخْتُلِجُوا دُونِي، فلأقولَنَّ: أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي! فَلَيُقَالنَّ لِي: إنَّك لا تدري ما أحدَثُوا بعدَك”. (المصدر: صحيح مسلم) .
فالمشكلة تكمن ـ إذاً ـ في عدم استقامتهم في المستقبل، وبالتحديد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..
فقدَّم لهم الحلَّ ليُتِمَّ الحُجَّة عليهم بتعريفهم ما يوجب لهم البقاءَ على الهداية بعدَهُ، فقال لهم:
“إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتَّى يردا علَيَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما”. (المصدر: سنن الترمذي) .
وفي مرض وفاته أراد تأكيد ذلك بالكتابة، فقال لهم:
“ائتوني بالكتف والدواة ـ أو اللَّوح والدواة ـ أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً”. (المصدر: صحيح مسلم) .
فلم يقبلوا ذلك، بل اتَّهموا النبيَّ (ص) بالهذيان قائلين: “إن رسول الله (ص) يهجر”. (المصدر: صحيح مسلم) .
وجعلوا أنفسهم أولى بالمعالجة واتِّخاذ القرار من رسول الله (ص) ، فارتأوا أن يفصلوا بين القرآن والعترة، فقال قائلهم: “عندكم القرآن، حسبنا كتاب الله”..! (المصدر: صحيح البخاري) .
لقد فهموا أنَّ النبيَّ (ص) يريد أن يسجِّل الوصيَّة بالثقلين (القرآن والعترة) ، فكانت (حسبنا كتاب الله) إعلاناً لرفض العترة بحُجَّة كفاية الكتاب..!
فقرَّر رسول الله (ص) أن يخرجهم من بيته، فقال لهم: “قوموا عنِّي”. (المصدر: صحيح البخاري) .
فكان ابن عباس (رض) يبكي لهذا المصاب الجلل، ويعبر عنه بالرزيَّة، أي المصيبة، قائلاً: “إنَّ الرزيَّة كلَّ الرزيَّة ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم”. (المصدر: صحيح البخاري) .
وبالرغم من أنَّ ابن عباس (رض) كان مفسِّراً للقرآن الكريم، فإنَّه لم يوافقهم على أنَّ القرآن الكريم يمكن أن يُجدي نفعاً لوحده وبمعزل عن العترة الطاهرة.. وأمَّا من هم أقلُّ فهماً للقرآن الكريم، فارتكبوا هذه المجازفة الفظيعة..
هكذا بدأت قصة الحرمان؛ بفصل العترة عن القرآن، واستمرَّت إلى هذا الزمان.. فكان من الله الخذلان لأمَّة العصيان..
ولو كان ابن عباس (رض) حيًّا باقياً إلى هذا الزمان، لبكى بدل الدموع دماً؛ حسرة وتأسُّفاً على ما شهدته وتشهده الأمَّة الإسلاميَّة من رزايا متعاقبة ومتفاقمة امتداداً لتلك الرزيَّة التي بكى لأجلها حتى بلَّت دموعُه الحصى..
وإنَّا للّٰه وإنَّا إليه راجعون.