بسم الله الرحمن الرحيم
ـ الحلقةُ الرابع عشرة ـ
بقلم الرَّاجي عفوَ ربِّه: زكريَّا بركات
تحدَّثنا في مقالاتٍ سابقة عن أسُس التقارُب ومُبرِّرات الوحدة بين الزيديَّة والإماميَّة، وأشرنا إلى أنَّ من تلك الأسُس والمبرِّرات: روايةَ أئمَّة الزيديَّة عن عُلماء الإماميَّة، ممَّا يكشف عن وجود التواصُل والثِّقة بين الطَّرَفين.. وأريد في هذه الحلقات أن أضرب أمثلةً لذلك من أسانيد روايات كتاب تيسير المطالب في أمالي أبي طالب، وهو من أهمِّ مصادر الزيديَّة في الحديث، وهو لإمام الزيديَّة: أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ت 424 هـ) ، الملقَّب عندهم بـ (الإمام النَّاطق بالحقِّ) . فقد روى الإمامُ أبو طالبٍ الهارونيِّ في أماليه مجموعة من الأحاديث عن جماعة من علماء الإماميَّة، وقد استخرتُ الله في استخراج أسماء علماء الإماميَّة الذين اعتمد عليهم الإمام أبو طالب الهاروني في روايات كتابه الأمالي.. وهذه هي الحلقة الرابع عشرة والَّتي نتناول فيها رواية الإمام أبي طالب الهاروني عن المحدِّث الفقيه الإماميِّ الاثناعشريِّ الثقة الجليل: الفضيل بن يسار النَّهدي رضي الله عنه.
فقد تتبَّعتُ روايات الإمام أبي طالب الهارونيِّ فوجدته روى عن الفضيل بن يسار في موضع واحد من كتاب الأمالي، ومن المؤسف أنَّ الاسم تحرَّف في المطبوع إلى “الفضل بن بشَّار”، ولم ينتبه المحقق عبد الله العزِّي إلى ذلك..! والدليل على وقوع التحريف هو عدم وجود راوٍ باسم الفضل بن بشَّار في كتب الحديث، وأنَّ الراوي عنه في هذا الموضع من أمالي أبي طالب هو أبان بن عثمان الأحمر، والفضيل بن يسار من مشايخه المعروفين، ولا يوجد في مشايخ أبان بن عثمان شيخٌ باسم الفضل.
وقد كان الفضيل بن يسار النهدي من أجلَّاء فُقهاء الإماميَّة الاثناعشريَّة وثقاتِ محدِّثيهم ومُصنِّفيهم، روى عن الباقر والصادق عليهما السلام.
ترجم له النجاشي في رجاله (ص309) برقم 846 ، ووثَّقه، وكذلك الشيخ الطوسي في رجاله (ص143) برقم 1545 ، وحكى السيد الخوئي في معجم الرجال 13 : 336 عن الشيخ المفيد في الرسالة العددية عدَّه للفضيل بن يسار من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام.
وترجمته في رجال الكشي (ص213) برقم 377 ، وفيها روايات تبيِّن جلالته وعظمة قدره. وحكى الكشي في رجاله (ص238) برقم (431) إجماعَ الإماميَّة على تصديق الفضيل بن يسار والانقياد له بالفقه.
وقال العلَّامة الحلِّي في الخلاصة (ص132) : ثقة عينٌ جليل القدر.
ومواضع روايات (الفضيل بن يسار) في الكتب الأربعة عند الإماميَّة تتجاوز 500 موضعاً، وفي غيرها أكثر من 190 موضعاً.
وبمتابعة كتُب الإماميَّة الاثناعشريَّة نجد أنَّهم رووا مجموعة من نصوص الإمامة عن الفضيل بن يسار، منها روايتهم عنه حديث: “من مات وليس له إمامٌ مات مِيْتَةً جاهليةً” في كمال الدين للصدوق 2 : 412 برقم 10 . ورووا عنه الإشارة إلى إمامة الباقر (ع) بسند صحيح في بصائر الدرجات (ص110) برقم 5 ، ورووا عنه بسند صحيح في المصدر نفسه (ص112) برقم 14 الإشارةَ إلى إمامة الصادق (ع) .
إنَّ النَّظر بإنصاف إلى رواية أئمَّة الزيديَّة عن علماء الإماميَّة وفقهائهم، ممَّا يحمل البصيرَ على القول بثقة أئمَّة الزيديَّة بعُلَماء الإماميَّة، خصوصاً حين يأخذ بعين الاعتبار أنَّ كتُب أئمَّة الزيديَّة متلقَّاة عندهم بالقبول، وهم يعتمدون عليها في العلم والفتيا؛ فإنَّ الكتاب الحديثيَّ لا يكون معتمداً إلَّا بعد سلامة طُرُق روايته واعتبارها، واعتبارُ طُرُق الرواية لا يتمُّ إلَّا بالثِّقة بمن يقع في أسانيدها من رُواة. وباتِّضاح هذه الفكرة يُمكن التوفيقُ بين الزيديَّة والإماميَّة بإزالة سوءِ الظنِّ، كخُطوة من خطوات التَّقريب والتَّوفيق بين هذين المذهبين العريقين على أساس مُعطيات علميَّة حقيقيَّة.
والحمدُ للّهِ ربِّ العالمين.