مقدّمة
جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان، وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام ومن عبادة غير الله الواحد الصمد، ومن الانسياق وراء الشهوات والمطامع التي يزيّنها له الشيطان، وتهذيب نفسه من بواعث الأنانية والحقد والعدوان، ومن الرذيلة والانحطاط.
فالأخلاق[1] العظيمة السامية تُرافق الرسالة العظيمة التي حملها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى العالمين، ولها أهميّة بالغة في صياغة مفاهيم وقيم وأحكام هذا الدين الحنيف، وتُمثّل أهم الجهات الإنسانيّة التي عُني بها الدين الإسلامي الحنيف، واهتمَّ بها اهتماماً كبيراً، وهذا ما يظهر جليّاً من تعاليم القرآن الكريم وإرشادات السنّة الشريفة؛ إذ يدخل العامل الأخلاقي في كلّ مرفق من مرافق الحياة التي يدعو لها الإسلام ويحث على رعايته والاهتمام به، سواء في علاقته بنفسه أم بأُسرته وأرحامه وجيرانه، أو ضمن المجتمع الكبير الذي يبني فيه الإنسان المسلم علاقاته المختلفة
مع المسلمين وغيرهم، على مختلف الأصعدة؛ الاجتماعية منها، والاقتصادية، والعلمية وغيرها، كما لم يغفل الإسلام عن قيم الأخلاق حتّى في الحروب مع أعداء الدين.
وإذا تأمّلنا سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نجدها الأُنموذج الأرقى لمكارم الأخلاق، كيف لا وقد خاطبه الباري سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)[2]، ولو كان هناك خطاب أجلّ منه في المدح والثناء لمدحه به ـ جلّ وعلا.
فقد كانت أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم معجزة من معاجزه الخالدة، التي تُدلّل على صدق نبوّته؛ إذ تعامل بأخلاق عالية حتّى مع أعدائه والمناوئين له، وشهد بذلك أئمة الكفر أنفسهم، فهذا أبو سفيان الذي أعلن ذلك صراحة بقوله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ولقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثمّ سالمتك فنعم المسالم أنت»[3].
ناهيك عن المواقف التي تُدلّل على ذلك، والتي تزخر بها كتب المؤلفين، نعم فقد كان قلبه يتّسع لكل النّاس.
وأمّا حروبه صلى الله عليه وآله وسلم التي خاضها، فهي إنّما كانت دفاعاً عن وجود الإسلام وكرامة الإنسان، ومن أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، وتحقيق العدل والحق في الأرض، وإشاعة الأخلاق الفاضلة، ولم يحارب يوماً إلّا بعد الإبلاغ والنصيحة والدعوة إلى عبادة الله الواحد، والذين حاربهم هم أُولئك الطغاة المستبدّون الذين تسلّطوا على رقاب النّاس، ومنعوا من وصول صوت الإسلام إلى آذان المحرومين والمعذّبين في الأرض[4].
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يَترك طريقاً من أجل هداية عدوّه وإرشاده إلاّ سلكه، فكان همّه الوحيد هداية خصمه بأية وسيلة، كما كان يُوصي أُمراء جيشه أن لا يقتلوا إلّا مَن قاتلهم، وكان يَنهاهم عن المُثلة[5] ولو بالكلب العقور[6].
ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، وتغلّب على مشركي قريش الذين حاربوه وآذوه وأخرجوه من دياره وتآمروا عليه وأرادوا قتله بكل وسيلة عفا عنهم، وقال مقولته المعروفة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»[7].
لقد سلك أئمة أهل البيت عليهم السلام منهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأدّبوا بآدابه السامية، وتَرجموها واقعاً في أعمالهم وممارساتهم وعلاقاتهم، في سلمهم وحربهم، فكانت إرادة الله لهذه الصفوة من الخلق أن تكون أخلاقهم قدوة لجميع النّاس على مرِّ العصور والأزمان، وفي جميع جوانب الحياة المختلفة، لتحقيق الخير والعدل والسعادة للبشرية.
ولو تَصفّحنا حياةَ الإمام الحسين عليه السلام لوجدنا الخلق الرفيع هي الخصيصة البارزة في سلوكه وحياته، فقد أثبت بسلوكه الرسالي، وأخلاقه العالية التي هي أخلاق رسول الله وأخلاق القرآن الكريم أنّه كان بحقٍّ ممثّل الرسالة، والوريث الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصار عليه السلام الإسلام نفسه بكلّ قيمه ومبادئه العظيمة الخيِّرة، حتّى اعترف له بذلك عدوّه اللّدود معاوية بن أبي سفيان أمام ابنه يزيد وجمع من أعوانه ومريديه، حين طلبوا منه أن يُبيّن عيباً للحسين بن علي عليهما السلام ، فقال: «وما عسيتُ أن أعيبَ حسيناً، وما أرى للعيب فيه موضعاً»[8].
لقد رسم لنا الإمام الحسين عليه السلام أُنموذجاً رائعاً في المواقف الأخلاقيّة الخالدة، لا سيّما في نهضته المباركة التي قام بها للوقوف بوجه الانتهاكات غير الأخلاقيّة للحزب الأُموي الظالم، هذه النهضة التي لم تَنفكّ عن أخلاق الإسلام وقيمه ومبادئه العظيمة، التي كانت تُمثل أخلاق محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الملتزمة بحذافير التشريع الإسلامي ودقائق المُثل العليا للدين.
وهذا ما يتّضح من خلال سلوكه وأخلاقه في ظروف الحرب، التي تُعتبر من أشدّ الظروف التي يُمكن أن تَمرَّ على الإنسان، ففي تلك المواقف التي يَصعبُ فيها ضبطُ التصرّفات والتعاملات وفق الضوابط الأخلاقيّة والإنسانية، إلّا أنّ الإمام الحسين عليه السلام وهو ثمرة تربية الرسول وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهم السلام أثبت أنّ الالتزام بالقواعد الإسلامية المثالية التي وردت في كتاب الله تعالى ليس ضرباً من الخيال، أو تحتاج إلى عالمٍ مثالي خالٍ من الشر والرذائل، بل هو أمر ممكن؛ لأنّها قواعد واقعية إضافةً إلى كونها مثالية، قواعد يمكن تطبيقها، وأن يحيى بها الإنسان كما استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يحيى بها، وهكذا الإمام عليّ وسائر المعصومين عليهم السلام .
وفيما يلي نعرض أهم المواقف الأخلاقيّة التي اتّخذها الإمام الحسين عليه السلام في حربه ضد طاغية عصره، وسيكون بحثنا في محاور ثلاثة هي:
أوّلاً: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع الأعداء.
ثانياً: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع الأتباع.
ثالثاً: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع غير الإنسان.
المحور الأول: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع الأعداء
ويتضمن هذا المحور عدّة نقاط هي:
1ــ الحوار وإلقاء الحجة على الخصم
ذكرنا فيما سبق أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد تجسّدت فيه أخلاق الإسلام وأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها المحافظة على القيم الأخلاقيّة حتى في حال الحرب، ومن مصاديق هذه الأخلاق حواره مع الأعداء والمخالفين، وإلقاء الحجّة عليهم قبل الحرب، وهو خُلق قرآني محمّدي، فالإمام كان حريصاً على هداية الآخرين، ساعياً لتوضيح الحقائق وكشف الأُمور وبيان الواقع لهم، ليهلك مَن هلك عن بيّنة، ويحيى مَن حيّ عن بيّنة.
وهذا ما يظهر لنا بوضوح في كلّ موقف وقف فيه الإمام مع مَن يختلف معه، حتّى وإن كان مِمَّن يريد قتله وسفك دمه، فكان يُحاورهم بالتي هي أحسن، من قبيل الحرّ وجيشه؛ إذ تَحدّث معهم ونصحهم، وذلك في منطقة البيضة[9]، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أيُّها النّاس، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مَن رآى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يُدخله مُدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غيّر، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رُسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رُشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري، ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور مَن اغترّ بكم، فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم، ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم والسلام»[10].
وهكذا كانت خطاباته الكثيرة في جموع جيش يزيد في يوم عاشوراء، فالإمام الحسين عليه السلام لم يكن ينتظر من أُولئك شيئاً إلّا الرغبة في إنقاذهم من ضلالهم، فكان ينادي: «فانسبوني فاُنظروا مَن أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فاُنظروا هل يحلُّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله، والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟! أوَ ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟! أوَ ليس جعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟! أوَ لم يبلغكم قول مُستفيض فيكم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة.
فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحق، والله، ما تعمدّت كذباً مُذ علمت أنّ الله يَمقُتُ عليه أهله، ويضرُّ به مَن اختلقه، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم مَن إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك؛ يُخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!… فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكّون أثراً ما أنّي ابن بنت نبيّكم؟! فوالله، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة؟!»[11].
فمن خلال هذه الكلمات وغيرها بيّن الإمام الحسين عليه السلام واقع الأمر، وأوضح لهم قبح العمل الذي يُوشكون على فعله، فلم يترك عذراً لمُعتذر.
كما أنه عليه السلام أذن لِمَن أراد أن يخطب من أصحابه لوعظ القوم، كزهير بن القين الذي خرج حينما زحف جيش يزيد نحو معسكر الإمام الحسين عليه السلام ، وقد أبلغ بالنصح والوعظ لهم، إلاّ أنّ القوم لم يستجيبوا لهذا النداء، بل سبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد، فكانوا ممَّن ختم الله على قلوبهم، ووصل الحال أن رماه شمرُ بن ذي الجوشن بسهم ولم يُثنِه ذلك من النصيحة لهم، ولكنهم أصرّوا على غيّهم وضلالتهم، عند ذلك ناداه رجل من معسكر الإمام عليه السلام قائلاً: «إنّ أبا عبد الله يقول لك: أقبل، فلعمري، لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ»[12].
ثم تقدّم الإمام الحسين عليه السلام حينما رأى صفوفهم كالسيل والليل، فخطب قائلاً: «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور مَن غرَّته، والشقيّ مَن فتنته، فلا تغرنّكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور… فنعم الربّ ربّنا! وبئس العباد أنتم! أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ أنتم رجعتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم ولما تريدون! إنّا لله وانّا إليه راجعون! هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبُعداً للقوم الظالمين»[13].
ولم يَنحصر كلام الإمام عليه السلام في النصح والموعظة وإلقاء الحجّة مع الجموع فقط، بل كان ذلك مع آحاد النّاس أيضاً، كعبيد الله بن الحرّ الجعفي، الذي كان عثماني العقيدة كما يذكر بعض المؤرخين ولأجل ذلك خرج إلى معاوية وحارب الإمام علياً عليه السلام يوم صفين[14]، وكان من زعماء العرب، ولكنّه مع ذلك لمّا اكتشف ظلم الأُمويين وعدوانهم حاول منذ البداية أن يتجنّب حرب الحسين عليه السلام ، فخرج من الكوفة هرباً وتخلّصاً من ابن زياد، ولكنّه التقى الإمام عليه السلام في الطريق، فَعرضَ عليه الإمام الحسين عليه السلام نصرته فأبى، مع علمه واعترافه بالسعادة الأُخروية لمن يشايع الحسين عليه السلام ، وكان ما كان من موقف إذ عرض على الإمام أن يأخذ فرسه، إلّا أنّ الإمام عليه السلام رفض ذلك قائلاً: «أما إذا رغبت بنفسك عنّا فلا حاجة لنا إلى فرسك»[15].
ويشبه هذا الموقف موقف عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه، اللذين التقاهما الحسين عليه السلام وطلب منهما النصرة، وألقى عليهما الحجّة، فاعتذرا بالعيال وأمانات النّاس، فقال الإمام عليه السلام لهما: «فانطلقا فلا تسمعا لي واعية، ولا تريا لي سواداً؛ فإنّه مَن سمع واعيتنا، أو رأى سوادنا فلم يُجبنا ولم يُعنّا كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في النار»[16].
وعندما عجزت الوسائل السلميّة وأُلقيت على الأعداء الحجّة، ووصل الأمر إلى طريق مسدود كانت الحرب هي نهاية المطاف؛ لأنّ الإمام عليه السلام أبى إلّا العزّة والكرامة، وقال مقولته المشهورة: «والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»[17].
2ــ رفض البدء بالقتال
المعروف من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام هو عدم البدء بالقتال في حروبهم مع أعداء الإسلام الأصيل؛ لأنّهم عليهم السلام دعاة سلام وليسوا دعاة حرب، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في معاركه التي خاضها كمعركة بدر وغيرها ـ وهي معارك دفاعية ـ يبتدأ أعداءه بالقتال، ولا يقاتل إلّا بعد أن يبدأ الطرف الآخر بذلك.
وكما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يبدأ أحداً بقتال كان الإمام علي عليه السلام كذلك، ولم يكن موقفه من الخوارج، إلّا امتداداً لذلك الخُلُق المحمّدي، فقد قال عليه السلام لأصحابه: «كفّوا عنهم حتّى يبدأوكم»[18].
وهذا ما قام به سيّد الشهداء في ثورته المباركة، حيث حرص عليه السلام على تجسيد مفاهيم الإسلام وقيمه في الحروب، فقد رفض البدء بالقتال، ففي طريقه إلى كربلاء قابل أوّل طلائع جيش يزيد بن معاوية بقيادة الحرّ الرياحي، الذي جعجع بالإمام الحسين عليه السلام ، ومنعه من أن يُواصل طريقه إلى الكوفة، فطلب زهير بن القين من الإمام عليه السلام قتالهم؛ لأن ذلك أهون من قتال الجيوش التي سوف تأتي بعدهم.
فقال الإمام عليه السلام : «ما كنت لأبدأهم بالقتال»[19]. ولو أنّ الإمام قاتلهم لهزمهم، ولكنّه رفض البدء بقتالهم.
وفي اليوم العاشر من المحرّم وقف شمر أمام معسكر الإمام الحسين عليه السلام ، وبدأ يكيل السباب والشتم للإمام، فأراد مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فقال له الإمام عليه السلام : «لا ترمِه؛ فإنّي أكره أن أبدأهم»[20].
وقبل نشوب الحرب كان كلّ مَن يخرج من أنصار الإمام الحسين عليه السلام للوعظ والنصيحة يتراجع إلى الوراء إذا رُمي بالسهام؛ اتّباعاً لتعليمات الإمام الحسين عليه السلام .
وكان هذا الخُلُق حجّة أُخرى على القوم تُضاف إلى الحجج المتقدّمة، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام موصياً أصحابه: «لا تقاتلوا القوم حتّى يبدأوكم، فإنّكم بحمد الله على حجّة، وترككم إياهم حتّى يبدأوكم حجّة أُخرى لكم»[21].
ولهذا كان الإمام الحسين عليه السلام يقول لجيش يزيد (لعنه الله): «…أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة…»[22].
3ــ سقاية جيش الحر
إنّ المواقف الإنسانية والأخلاقيّة التي وقفها الإمام الحسين عليه السلام في رحلته إلى الشهادة على صعيد كربلاء قلَّ نظيرها، ولو وُجِدت لكانت مُنحصرة ببيت النبوّة والإمامة، ومن هذه المواقف سقاية الماء للأعداء، التي تأسّى فيها الإمام الحسين عليه السلام بجّده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد نقلت لنا كتب التاريخ والسير أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر أمرَ المسلمين بالسماح للمشركين بشرب الماء من البئر التي كانت تحت سيطرة جيش المسلمين[23].
وهذا ما فعله أيضاً أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفّين، فبالرغم من أنّ الماء في بادئ الأمر كان تحت سيطرة معسكر معاوية، الذين أحاطوا بشريعة الفرات، وسألهم الإمام علي عليه السلام وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فيشرب الجيشان على السواء. فقال معاوية: لا والله، ولا قطرة حتّى يموتوا عطشاً. عند ذلك تَقدّم الإمام عليه السلام بأصحابه، وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّى أزالهم عن مراكزهم بعد قتال ذريع، سقطت فيه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين، كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك إلى الحرب. فقال عليه السلام : «لا والله، لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يُغني عن ذلك»[24]؛ فإنَّ أخلاق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الإلهية أبت عليه أن يُقابل الشرّ إلّا بالخير، والسيئة إلّا بالحسنة، والضلال إلّا بالهُدى[25].
وهكذا كانت أخلاق سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام مع الحرّ الرياحي وكتيبته كتيبة الطليعة التي كان قوامها ألف فارس، حين التقوا بالركب المبارك للإمام عليه السلام وقد أوشك العطش أن يفتك بهم.
وتفصيل ذلك: إنّ الإمام الحسين عليه السلام سار من «بطن العقبة حتّى نزل شراف[26]، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثمّ سار منها حتّى انتصف النهار، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه. فقال له الحسين عليه السلام : الله أكبر، لِمَ كبّرت؟ قال: رأيت النخل. فقال له جماعة من أصحابه: والله، إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. فقال الإمام الحسين عليه السلام : فما ترونه؟ قالوا: نراه والله آذان الخيل. قال: أنا والله أرى ذلك. ثمّ قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم بوجهٍ واحد؟ فقلنا: بلى، هذا ذو حَسمى[27] إلى جنبك، تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل[28] فتبيّناها وعدلنا، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب[29]، وكأن راياتهم أجنحة الطير، فاستبقنا إلى ذي حسمى فسبقناهم إليه، وأمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضُربت. وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حَرِّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفاً. ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس[30] من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزِلَت عنه وسقوا آخر، حتّى سقوها كلّها. فقال علي بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية. والراوية عندي السقاء، ثمّ قال: يا بن أخي، أنخ الجمل. فأنخته، فقال: اشرب. فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين عليه السلام : أخنث السقاء. أي: اعطفه، فلم أدرِ كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي»[31].
إنّ مثل هكذا مواقف تتزاحم فيها القيم الأخلاقيّة لكثرتها، فتجد فيها الرحمة والعطف والشفقة والإحسان والكرم من قِبَل الإمام عليه السلام على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة التي تعزُّ فيها الجرعة الواحدة، وهو عالم بحراجة الموقف ونفاد الماء، وأنّ غداً دونه تسيل النفوس، ولكن العنصر النبوي والكرم العلوي لم يتركا صاحبهما إلّا أن يحوز الفضل.
وهنا كان بإمكان الإمام عليه السلام أن يبيدهم عن آخرهم، ويغنم كلّ ما معهم من خيول وجمال ومتاع، وكان ذلك عليه سهلاً يسيراً، إلّا أنّ أخلاقه العالية دعته لأن يسقيهم ويرشّف خيولهم، مع علمه بأنّهم سيقاتلونه في نهاية المطاف.
وهذه المناقب العالية والأخلاق السامية هي أمرٌ طبيعي ومتوقع في سجلِّ أهل البيت الأطهار عليهم السلام ؛ لأنّ عادتهم الإحسان، وسجيّتهم الكرم حتّى مع الأعداء.
وهذه أخلاق لا يُعادلها شيء، فلو عرضنا هذه المواقف للعالم لدخل العالم إلى الإسلام عن طريق الإمام الحسين بن علي عليه السلام .
4 ــ قبول توبة مَن خالفه
بعد تلك الخطابات التي خطبها الإمام الحسين عليه السلام وبعض أصحابه رضوان الله عليهم والتي بيّنوا من خلالها الحقائق وواقع الأُمور، والهدف الذي خرجوا من أجله بوجه الطاغية يزيد ندم الحرّ الرياحي على ما اقترفه من خطأ حين منع الإمام ومَن معه وجعجع بهم، وفي الصعاب والملمات تظهر معادن الرجال، فحينما زحف عمر بن سعد نحو معسكر الإمام الحسين أتاه الحرّ قائلاً: «أصلحك الله! أمُقاتل أنت هذا الرجل؟ قال له: أي والله، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي. قال: أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضىً؟ قال عمر بن سعد: أما والله، لو كان الأمر إليّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى ذلك.
فأقبل الحرّ حتّى وقف من النّاس موقفاً، ومعه رجل من قومه يُقال له: قرة بن قيس، فقال له: يا قرة، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا. قال: أما تريد أن تسقيه؟ فظنّ قرة أنّ الحرّ يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال، وكره أن يَراه حين يصنع ذلك، فانطلق قرة ليسقيه، فأخذ الحرّ يَدنو من الإمام الحسين عليه السلام قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه يُقال له: المهاجر بن الأوس ـ: ما تريد يا بن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت الحرّ وأخذته مثل الرعدة، فقال له: يا بن يزيد، والله، إنّ أمرك لمريب، والله، ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً؟ ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟! فقال الحر: إنّي والله أُخيّر نفسي بين الجنّة والنّار، ووالله، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعتُ وحرِّقتُ.
ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام ، فقال له: جعلني الله فداك يا بن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق، وجَعجعتُ بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلّا هو، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي: لا أُبالي أن أُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون بعض ما تدعوهم إليه، ووالله، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربي، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال: نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. وقال: أنت الحرّ كما سمتك أُمّك، أنت الحرّ إن شاء الله في الدنيا والآخرة، انزل. قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري. قال الحسين عليه السلام : فاصنع يرحمك الله ما بَدا لك»[32].
ثمّ تقدّم نحو جيش ابن سعد ووعظهم فلم ينفع، فقاتل حتّى استُشهِد رضوان الله عليه.
وهكذا تحوّل الحرّ ببركة سعة صدر الإمام الحسين عليه السلام وعفوه عنه وقبول توبته إلى صفِّ الإيمان والحقِّ والجهاد والشهادة.
5 ـ لم يُجهز على جريح
رُغم كثرة الأقلام المأجورة التي حاولت وللأسف أن تَنال مِن ثورة الإمام الحسين عليه السلام ؛ دفاعاً منهم عن طاغية الشام يزيد، وتصحيحاً لموقفه في قتل سيد شباب أهل الجنّة، إلّا أنّنا لا نجد أنهم ذكروا ولو مورداً واحداً يتنافى مع أخلاق الإسلام قد صدر من الإمام أو من أتباعه في معركة الطفّ، ولو كان لبان، خصوصاً مع وجود مَن يَتحيّن الفرصة؛ لكي يذكر مثلبة واحدة عن الإمام الحسين عليه السلام . فالإجهاز على الجريح تعدُّ واحدة من مثالب الحروب، ومع ذلك فهذا تاريخ بني أُمية وهم من أشدّ المناوئين لمنهج الإمام الحسين لم يُحدّثنا عن إجهاز الإمام عليه السلام على أيِّ جريح سقط من الأعداء.
وهذا خُلُق دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ودعا إليه أمير المؤمنين عليه السلام في الحروب التي خاضاها، وبما أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج إلا لكي يخطو خطى جدِّه وأبيه؛ لذا نراه قد جسَّد هذا الخلق بأتم وجه.
المحور الثاني: أخلاق الحسين عليه السلام مع الأتباع
ويتضمّن هذا المحور عدّة نقاط هي:
1 ــ الوفاء بالعهود والمواثيق
الوفاء بالعهود والمواثيق من الأخلاق الفاضلة في جميع الأديان، وقد جسّدت النهضة الحسينية هذه القيم الأخلاقيّة في أشدّ المواقف خطورة، فقد حرص الإمام الحسين عليه السلام على الوفاء بالعهد، وكان ذلك في أشدّ الظروف قساوة، وأكثرها إيلاماً ومحنة.
ومواقف الإمام الحسين عليه السلام زاخرة بهذا النوع من الخُلُق مع عامّة الخلق فضلاً عن الأتباع، منها: عهده وميثاقه مع الحرّ بن يزيد الرياحي على أن يسايره فلا يعود إلى المدينة ولا يدخل الكوفة، وقد التزم الإمام بذلك، ورفض مخالفة هذا الاتفاق عندما سنحت له الفرصة لذلك حين جاء الطرمّاح بن عدي الطائي وقال للإمام الحسين عليه السلام : «والله، إنّي لأنظر فما أرى معك أحداً، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة، وفيه من النّاس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه، فسألت عنهم، فقيل: اجتمعوا ليُعَرضوا ثمّ يُسرّحون إلى الحسين. فأنشدك الله إن قدرت على ألّا تقدم عليهم شبراً إلّا فعلت، فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى من رأيك، ويَستبين لك ما أنت صانع، فسر حتّى أُنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى (أجأ)[33]، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، والله، إن دخل علينا ذل قط، فأسير معك حتّى أُنزلك القرية، ثمّ نبعث إلى الرجال ممَّن بأجأ وسلمى من طيء، فوالله، لا يأتي عليك عشرة أيام حتّى يأتيك طيء رجالاً وركباناً، ثمّ أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله، لا يُوصَل إليك أبداً ومنهم عين تطرف.
فقال له: جزاك الله وقومك خيراً، إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأُمور في عاقبة»[34].
فبرغم حراجة الموقف إلّا أنّ الإمام عليه السلام وَفَى بعهده، وإن كان ذلك الوفاء قد أفقده عشرين ألف ناصر في ظرف قد عزّ فيه الناصر.
ومن الجدير بالذكر أنّ الطرماح بن عدي عندما أقبل كان دليلاً لأربعة نفر جاءوا معه لنصرة الإمام الحسين عليه السلام ، فأقبل إليهم الحر بن يزيد قائلاً: «إنّ هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم.
فقال له الحسين عليه السلام : لأمنعنّهم مما أمنع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألّا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد. فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك. قال عليه السلام : هُم أصحابي وهم بمنزلة مَن جاء معي، فإن تممت عليّ ما كان بيني وبينك وإلّا ناجزتك. قال: فكفَّ عنهم الحر»[35].
موقف آخر التقى فيه الإمام الحسين عليه السلام في طريقه إلى كربلاء برجل اسمه الضحّاك بن عبد الله المشرقي، فدعاه إلى نصرته، فاستجاب هذا الرجل ولكنّه علّق استجابته على شرط، وهو أن ينصر الحسين ما دام له ناصر، فإذا نفد أنصاره ولم يكن هناك فائدة من نصرته انسحب من ذلك! فوافقه الإمام الحسين عليه السلام على شرطه هذا، رغم غرابة هذا الشرط؛ إذ كيف يمكن لإنسان حظي بشرف الدفاع عن الحسين عليه السلام وعن أهل بيت النبوّة أن يتركهم في ساعة هم أحوج فيها إلى الناصر والمعين؟!
ولما كان يوم عاشوراء، واحتدم القتال حتّى استُشهِد من أنصار الحسين مَن استُشهِد، جاء هذا الرجل ليذكّر الإمام بشرطه، وأنّه يريد الانسحاب من المعركة، فقال له عليه السلام : «نعم، انجُ بنفسك إن استطعت، ولكن كيف يكون لك ذلك؟». وكان هذا الرجل قد خبأ فرساً له تحت خيمة انتظاراً لساعة الهرب هذه، ومع غرابة هذا الموقف واستهجانه، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام بقي محافظاً على الوفاء بما قطعه على نفسه، رغم الظرف القاسي والزمن العصيب[36].
2 ــ الصدق والصراحة مع جيشه
إذا كان الإمام الحسين عليه السلام قد أذهل العقول بمواقفه الأخلاقيّة التي وقفها مع أعدائه، فكيف بمواقفه التي وقفها مع جيشه وأتباعه؟! وكثيرة هي هذه المواقف، منها صدقه وصراحته مع جيشه.
فقد جَرت عادة القادة العسكريين أن يُخفوا عن أتباعهم وجيوشهم الكثير من التفاصيل أو المعلومات، خصوصاً ما يُؤثّر منها على حالتهم المعنويّة والنفسيّة، لكي لا تخور عزائمهم وتضعف قواهم، ممّا يؤثر سلباً على نتائج المعركة والحرب، وكثيراً من الأحيان لا يتوقف القادة عند حدّ إخفاء المعلومات والتفاصيل، بل قد يتعمّدون أُسلوب الكذب على أتباعهم؛ بحجّة أنّ الغاية تبرِّر الوسيلة.
وهذا ما لا نراه في القيادة الإلهيّة والرساليّة للإمام الحسين عليه السلام ، هذه القيادة الصادقة التي تمتلك الشجاعة الفائقة لكي تُخبر عن أدقّ التفاصيل لكافة العسكريين، وليس للمقرّبين من القائد فقط؛ لأنّ هذه القيادة همّها وهدفها الأوّل الإنسان المخلص، والعبد التّقي الذي يُقدم على العمل بدافع ديني يقيني، لا من منطلق مصالح دنيويّة آنيّة يطمع بها، أو منصب قيادي تشريفي يطمح إليه.
ولذا؛ كان الإمام الحسين عليه السلام على عكس أُولئك القادة العسكريين، إذ إنّه منذ بداية نهضته المباركة وحربه المقدسة كان صادقاً وواضحاً مع أتباعه، والمصاديق على ذلك كثيرة، منها:
أ- إخبارهم باستشهاده واستشهاد مَن معه
بيّن الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه في أكثر من مرّة بأنّ نجاح ثورته إنّما تكون باستشهاده واستشهاد جميع أنصاره، ولم يُمارس عليه السلام الكذب والخداع والتمويه مع أنصاره، وإنّما أوضح لهم أنّ هدف حركته وهو إصلاح الواقع لا يتمّ إلّا من خلال بذل دمه الطاهر ودماء مَن اتّبعه من أهل بيته وأصحابه، ولم يعتمد على تجهيل النّاس الحالمين بما لا ينال، أو التغرير بهم عن طريق الشعارات والوعود الفارغة، فلم يُمنِّ النّاس بالأموال أو بالمُلك، أو بأيّ أمر من أُمور الدنيا، بل أعلمهم منذ بداية الأمر بأنّ الشهادة هي مصيره ومصير مَن يتبعُه، كيف لا؟! وهو القائل في خطبته عند الخروج من مكّة مُتوجّهاً لأرض العراق ـ علماً بأنّ تطورّ الأحداث حتّى ذلك الوقت كان لصالحه عليه السلام ـ : «خُطّ الموت على وُلد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوبَ إلى يوسف، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جُوفاً، وأجربةً سُغباً، لا محيصَ عن يوم خُطَّ بالقلم» إلى أن قال: «مَن كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل، فإنّي راحل مُصبحاً إن شاء الله»[37].
وكتب إلى بني هاشم لمّا أراد الخروج إلى الكوفة كتاباً جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّ مَن لَحِقَ بي استُشهِد، ومَن لم يَلحق بي لم يُدرك الفتح»[38].
فالشهادة هي الهدف، والإمام لم يُخفِ ذلك عن أتباعه وجيشه، بل كانت الأُمور واضحة لديهم، ويعلمون أيضاً أنّ ثمن هذه الشهادة هو حفظ الإسلام.
وهذا عكس ما تُمليه جميع العلوم العسكريّة، وقيادة الأعمال القتاليّة في عصرنا الحاضر، أو في العصور المتقدمة.
ب – إخبارهم باستشهاد مسلم وهانئ وابن يقطر
ومن مصاديق صراحة الإمام الحسين عليه السلام مع جيشه وأتباعه إخبارهم بما وصله من أخبار عن استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر.
فقد روى عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان تفاصيل ذلك، قالا: «لمّا قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلّا اللحاق بالحسين عليه السلام في الطريق؛ لننظر ما يكون من أمره، فأقبلنا ترقل[39] بنا نياقنا مسرعين حتّى لحقنا بزرود[40]، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة، قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين عليه السلام ، فوقف الحسين عليه السلام كأنّه يريده ثمّ تركه ومضى، ومضينا نحوه، فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا لنسأله؛ فإنّ عنده خبر الكوفة. فمضينا حتّى انتهينا إليه فقلنا: السلام عليك. فقال: وعليكم السلام. قلنا: ممن الرجل؟ قال: أسدي. قلت: ونحن أسديان، فمَن أنت؟ قال: أنا بكر بن فلان. وانتسبنا له، ثمّ قلنا له: أخبرنا عن النّاس وراءك. قال: نعم، لم أخرُج من الكوفة حتّى قُتِل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورأيتهما يُجرّان بأرجلهما في السوق.
فأقبلنا حتّى لحقنا الحسين صلوات الله عليه، فسايرناه حتّى نزل الثعلبية ممسياً، فجئناه حين نزل فسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام، فقلنا له: رحمك الله، إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك علانية، وإن شئت سراً. فنظر إلينا وإلى أصحابه ثمّ قال: ما دون هؤلاء ستر. فقلنا له: رأيتَ الراكب الذي استقبلته عشيّة أمس؟ قال: نعم، وقد أردت مسألته. فقلنا: قد والله استبرأنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل، وإنّه حدّثنا أنّه لم يَخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم وهانئ، ورآهما يُجرّان في السوق بأرجلهما. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! رحمة الله عليهما. يكرر ذلك مراراً… فسار حتّى انتهى إلى زُبالة[41] فأتاه خبر عبد الله بن يقطر، فأخرج إلى النّاس كتاباً فقرأه عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنّه قد أتانا خبر فظيع، قُتِل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام. فتفرّق النّاس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً، حتّى لم يبقَ معه إلّا أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة مع نفر يسير ممَّن انضووا إليه.
وإنّما فعل الإمام ذلك لأنه عليه السلام علم أنّ بعض الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنون أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون ما يقدمون عليه»[42].
فكان الإمام عليه السلام وفي كلّ موقف مرّ عليه صادقاً وصريحاً مع أتباعه، ولم تكن الحرب سبباً لأن يحيد عن الصدق والصراحة ولو بمقدار ذرّة، حتّى لو أدّى ذلك إلى تفرّق الكثير ممَّن كان معه.
3 ــ اجتماعه بالمقاتلين وتخييرهم بين البقاء أو الرحيل
لم يتّخذ الإمام عليه السلام لجمع المقاتلين والأنصار أُسلوب حرمان الأتباع أو جعلهم في احتياج دائم، هذا الأُسلوب الذي يتّخذه بعض السياسين والقادة للتسلّط على رقاب النّاس، وتسييرهم بالاتجاه الذي يريدونه، وكذلك لم يَعتمد على النهج الفرعوني في الاستخفاف بالنّاس لتحصل الإطاعة منهم، ولا على أُسلوب الترهيب والتهديد والعقوبة والاتهامات الكيدية والتلفيقات الجاهزة وحسب الحاجة والمقاس، بل ولا على أُسلوب الترغيب بالأُمور الدنيوية من منصب أو مال.
فالإمام الحسين عليه السلام وهو إمام معصوم طاهر مطهّر لم يتّبع هذه الأساليب الرخيصة الدنيئة في الوصول إلى تلك الأهداف والقيم والمثل العليا في الإصلاح والإنقاذ والتغيير والقضاء على الفساد وحاشاه عن ذلك، في حين نجد أنّ الطاغية يزيد قد استخدم كلّ تلك الأساليب المشينة، ولا غرابة أن يصدر ذلك من شخص كيزيد.
وعندما نستعرض كيفية تجميع الإمام لأنصاره لا نجده استغلّ موقعه الديني المميّز، فهو سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم وابن علي وفاطمة عليهما السلام ، ومَن نزل فيه ما نزل من آيات القرآن الكريم، وجاء فيه ما جاء من أحاديث جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، فمع ذلك كلّه لم يُجبر أحداً على اللحوق به، بل كان يدعو إلى نصرته ضمن مفاهيم الدين وحجّة الحقّ ودليل القرآن والسنّة، كقوله: «فمَن قبلني بقبول الحق فالله أوْلى بالحق، ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق»[43].
فالإمام وكما ذكرنا سابقاً كان صادقاً وصريحاً مع جيشه وأتباعه، وقد أخبرهم باستشهاده واستشهاد مَن معه، وكان بين فترة وأُخرى يخبرهم أنه سيُقتل وتُسبى حريمه، ولم يُخبرهم أنّه سينتصر عسكرياً.
إنّ الإمام لم يكتفِ بذلك فقط، بل أذِنَ لهم بالانصراف، فهو على يقين بأنّ الحرب واقعة لا مفرّ منها، وهي حرب غير متكافئة من الناحية العسكرية، وسيكون مصيره ومصير مَن يبقى معه القتل لا محالة، فكانت أخلاقه العالية تدعوه لأن يرفع الكلفة عن الذين اتّبعوه، وأن يعطيهم الفرصة لإعادة النظر في مواقفهم قبل أن يبدأ القتال، فلعلّ منهم مَن اتّبع الإمام ظنّاً باستتباب أمر الكوفة لصالحه، ولمّا تغيّر الموقف استحيى من التراجع، فالإمام كان يخشى من استحياء بعضهم من تركه.
ولهذا جعلهم في حلٍّ من بيعته، وأذِن لهم بتركه، والشواهد على ذلك كثيرة، منها: ما ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال: «كنت مع أبي الليلة التي قُتل صبيحتها، فقال لأصحابه: هذا الليل فاتّخذوه جملاً؛ فإنّ القوم إنّما يريدونني، ولو قتلوني لم يَلتفتوا إليكم، وأنتم في حلٍّ وسعة. فقالوا: لا والله، لا يكون هذا أبداً. قال: إنّكم تُقتلون غداً كذلك، لا يُفلت منكم رجل. قالوا: الحمد الله الذي شرّفنا بالقتل معك»[44].
وهكذا جعل الإمام أهل بيته وأصحابه على بيّنة من الأمر، ووضع الأُمور في نصابها الصحيح، فأماط الحرج عن نفسه وعنهم، وأتاح لهم الفرصة لمراجعة موقفهم من الحرب، أو قُل: من الشهادة، فما كان منهم إلّا الصمود والثبات من أجل إمامهم وإحياء أمر دينهم، حتى قال الإمام في حقهم: «فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً»[45].
ومن موقف الإمام هذا نعرف أيضاً مدى شجاعته عليه السلام ؛ إذ إنّه كان مستعدّاً للقتال حتّى لو بقي وحيداً، لا ناصر له ولا معين، ولا عجب في ذلك؛ فإنّه قد ورث شجاعة جدّه وأبيه صلوات الله عليهم.
4 ــ في خطاباته وأفعاله مع جيشه وأتباعه
في كلّ نهضة هنالك قيادة وطليعة وقاعدة ترتبط بروابط مشتركة من أهداف وبرامج ومواقف، والقيادة دائماً هي القدوة التي تعكس أخلاقها على أتباعها، وفي النهضة الحسينية تجسّدت الأخلاق الفاضلة في العلاقات والروابط حيث الإخاء والمحبّة والتعاون والود والاحترام بين القائد وأتباعه، وبين الأتباع أنفسهم.
عندما نطالع كلام الإمام الحسين عليه السلام في خطبه وحواراته مع جيشه وأتباعه لا نجد إلّا جميل القول وحسن التواضع، بخلاف ما يكون عادةً بين أيّ قائد وجيشه؛ إذ جرت عادة قادة الجيوش على إصدار الأوامر، وفي أحيان كثيرة على غلظة في القول والفعل، خصوصاً إذا كان القائد شخصية مرموقة ذات شأن عظيم، إلّا أنّ أخلاق الإمام الحسين عليه السلام أبت له أن يكون كسائر أُولئك القادة، فهو قائد إلهي وإمام معصوم، أخلاقه أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي نفس أخلاق القرآن الكريم.
والأمثلة على ذلك عديدة، منها: لمّا رمى عمر بن سعد بسهم نحو معسكر الإمام الحسين قائلاً: اشهدوا لي عند الأمير بأنّي أوّل رامٍ رمى نحو معسكر الحسين عليه السلام ، ثم توالت السهام على المعسكر، عند ذلك قال الإمام عليه السلام لأصحابه: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه؛ فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم»[46].
ولمّا اشتدّ الأمر بالإمام عليه السلام ومَن معه، ودنوا من الحياة الأبدية والسعادة الأُخروية قال لهم الإمام عليه السلام : «صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأُيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وما هو لأعدائكم إلّا كمَن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إنّ أبي حدّثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذَبت ولا كُذِبت»[47].
ولما زحف ابن سعد بجيشه في عشيّة يوم التاسع من المحرم نحو معسكر الإمام، كان الحسين عليه السلام جالساً أمام خيمته، محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أُخته العقيلة زينب عليها السلام الصيحة، فدنت من أخيها قائلة : «يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الإمام الحسين عليه السلام رأسه وقال: إنّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم الساعةَ في المنام فقال لي: إنّك تَروح إلينا. فلطمت وجهها ونادت بالويل، فقال لها: ليس لكِ الويل يا أُخيّة، اسكتي رحمك الله»[48]، فالإمام لم يزجرها، ولم يتكلم معها بلهجة فيها شدّة، بل تكلّم معها بكل عطف وحنان.
وفي ذات الحادثة جاء أبو الفضل العباس عليه السلام إلى أخيه الحسين عليه السلام يخبره بقدوم ابن سعد وجيشه نحوه، فنهض الإمام وقال له: «يا عباس، اركب بنفسي أنت يا أخي، حتّى تلقاهم فتقول لهم: ما لكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم»[49]، والشاهد في هذا الكلام قوله عليه السلام : «اركب بنفسي أنت»، إذ تحمل في طيّاتها أجمل معاني الأدب، وفيها من الحبِّ والحنان الكثير، فبالإضافة إلى كونها كاشفة عن مدى المودّة التي يحملها الإمام تجاه أخيه أبي الفضل، تكشف أيضاً عن روائع الأخلاق التي يتحلّى بها الإمام عليه السلام .
وعندما نطالع أفعال الإمام الحسين عليه السلام مع أنصاره وأتباعه نجد أنّ الأخلاق الحسينية قد تجسّدت بأروع معانيها، خصوصاً في اليوم العاشر من المحرم، بصور كثيرة، ومواقف عديدة، ليس من السهل إحصاؤها، ولكن نذكر على سبيل المثال ما يلي:
كان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاً كبيراً صحابياً، وكان ممّن رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمع حديثه، وشهد معه بدراً وحنيناً، لمّا حصلت المعركة جاء إلى الإمام الحسين عليه السلام مستئذناً منه في القتال بين يديه، فبرز شادّاً وسطه بالعمامة، رافعاً حاجبيه بالعصابة، فلمّا نظر إليه الحسين عليه السلام بهذه الهيئة بكى وقال: «شكر الله لك يا شيخ»[50].
وكان الإمام عليه السلام يمشي إلى مَن كان يسقط من أصحابه على رمضاء كربلاء، ولم يُفرّق بين العبد والحر، ولا بين الهاشمي وغيره، فتارة يضع خدّه الشريف على خدّ هذا العبد الذي سقط في ساحة الميدان يتلفظ آخر أنفاسه، وأُخرى على خدّ ذاك الحر، ووضع الخدّ يُعد من أعظم أنواع الاحترام عند العرب، وكان أيضاً يعتنق تارة هذا وأُخرى ذاك، فأبت أخلاقه عليه السلام التفرقة بين الناس على أساس غير أساس التقوى والقرب من الله، وهذا هو المنهج الذي ورثه أهل البيت عليهم السلام من جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وكمثال لذلك نأخذ قصة (جون) الذي كان خادماً للصحابي الجليل أبي ذرّ الغفاري (رضوان الله عليه)، ثمّ انتقل إلى خدمة الإمام الحسين عليه السلام ، ورافقه إلى كربلاء، وعندما رأى أصحاب الإمام عليه السلام وهم يسقطون شهداء واحداً تلو الآخر، تقدّم هذا العبد إلى المولى الحسين عليه السلام بكلّ خشوع وتذلل يستأذنه في قتال الفئة الباغية، إلّا أنّ الإمام عليه السلام قال له بكلّ حبّ وتقدير: «أنت في إذن منّي؛ فإنّما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتلِ بطريقنا، فقال: يا بن رسول الله، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم، والله، إنّ ريحي لنتن، وإنّ حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليَّ بالجنّة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويَبيَّض وجهي، لا والله، لا أُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الإمام، فقاتل حتى استُشهِد»[51].
وبعد الشهادة ذهب إليه الإمام الحسين عليه السلام وقال: «اللّهم بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمد»[52]. فكان كلّ مَنْ يمرّ بالمعركة يشمّ منه رائحة طيّبة أذكى من المسك.
وموقف آخر مع عبد آخر وهو واضح التركي مولى الحرث المذحجي، لمّا صُرِع استغاث بالإمام الحسين عليه السلام ، فأتاه أبو عبد الله واعتنقه، فقال: «مَن مثلي وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع خدّه على خدّي! ثم فاضت نفسه الطاهرة»[53].
وهكذا الحال مع أسلم مولاه؛ إذ مشى إليه الإمام عليه السلام واعتنقه، وكان به رمق، فتبسّم وافتخر بذلك ومات[54].
إلى غير ذلك من الصور التي تبيّن الأخلاق الإسلاميّة العظيمة التي كان عليها سيد الشهداء عليه السلام ، التي لا تفرّق بين عبد رقيق وسيّد جليل، ولا بين أبيض وأسود.
5 ــ مواساته عليه السلام لأصحابه
لقد شارك الإمام الحسين عليه السلام أنصاره وجيشه في السرّاء والضرّاء، وواساهم وأهليهم بنفسه وأهليه، عاش في وسطهم، يَتعرّض لما يتعرّضون له، ولم يضع فاصلاً بينه وبينهم كما يفعل الكثير من القادة عادة مع جنودهم، بل كان فيهم كأحدهم، وهو القائل: «نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ أُسوة»[55].
ولما كان صبيحة اليوم العاشر من محرّم ثبت هو وأهل بيته في القلب، وكان أوّل مَن تقدّم من أهل بيته وَلَده وفلذّة كبده علي الأكبر[56].
6 ــ غيرته على النّساء
لا تحتاج غيرة الإمام الحسين عليه السلام على النساء إلى كلام وتطويل، ولكن غاية ما يمكن قوله: إنّ كربلاء كانت حافلة بكل القيم الأخلاقية السامية، بل هي مدرسة متكاملة في الأخلاق الإسلامية بأروع صورها، ومن هذه القيم: غيرته عليه السلام على النساء، وصيانته للمرأة، فالإمام قد منع من التعرض إلى حُرمه وحُرم أتباعه والوصول إلى خيامهنّ ما دام حيّاً، ولهذا أضرم النّار في الخندق الكائن خلف المعسكر ممّا يلي خيام النساء، اللواتي لم يصطحبهنَّ الإمام إلّا لإكمال مسيرة حركته الإصلاحية؛ لما لهنَّ من دور في إبلاغ أهداف هذه الحركة والنهضة الإلهية المباركة.
فإلامام كان حريصاً أشدّ الحرص على خدر هذه الثلة المؤمنة من النساء، فأرجع أُمّ وهب، وكان وهب رجلاً نصرانياً أسلم على يدي الحسين عليه السلام هو وأُمّه، فاتبعوه إلى كربلاء، فقاتل بين يدي الإمام، ثم أُسر، فأُتيَ به إلى عمر بن سعد (لعنه الله) فأمر بضرب عنقه، فضُربت عنقه، ورُمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، عند ذلك أخذت أُمّه سيفاً وبرزت تريد القتال، فقال لها الإمام الحسين عليه السلام : «يا أُم وهب، اجلسي؛ فقد وضع الله الجهاد عن النساء، إنّك وابنك مع جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة»[57]، فغيرة الإمام وحميته على النساء أبت أن يسمح لهن بالقتال وبالبروز أمام الأعداء.
وهذا ما حصل أيضاً مع أُم عمرو بن جنادة الأنصاري، فبعد أنْ قُتل زوجها جاء ولدها جنادة وهو ابن إحدى عشرة سنة يستأذن الحسين عليه السلام في القتال، فأبى الإمام وقال: «هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأُولى، ولعلّ أُمّه تكره ذلك. فقال الغلام: إنّ أُمّي أمرتني. فأذِنَ له، فما أسرع أنْ قُتل ورُمي برأسه إلى جهة الحسين عليه السلام ، فأخذته أُمّه ومسحت الدم عنه، وضربت به رجلاً قريباً منها، وعادت إلى المخيّم فأخذت عموداً لتقاتل به وقيل: سيفاً، إلّا أنّ الإمام عليه السلام ردّها إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجُلَين[58].
وهذه الحادثة لا تكشف فقط عن الغيرة الحسينية، بل فيها دلالة واضحة على العاطفة والإحساس المرهف الذي امتاز به سيد الشهداء عليه السلام ، وإن كان في ظرف الحرب والقتال، ففي ظروف القتال قد يَنسى القادة العواطف والأحاسيس ويتعاملون بعقولهم لمعالجة الظروف العصيبة، ولكن الإمام عليه السلام وبرغم كل تلك الظروف راعى العواطف والأحاسيس في تعامله مع أتباعه، كما هو الحال مع أُم عمرو بن جنادة، فقد رفض السماح لولدها بالقتال بعد أن استُشهد أبوه؛ مراعاة لعواطف تلك الأُم، وسمح له بالقتال بعد أن أخبره بأنّ أُمه هي التي أذنت له ودفعته للقتال.
وقد بلغت غيرة الإمام الحسين عليه السلام أن ترك شرب الماء في وقت هو أحوج ما يكون إليه، وذلك في نهاية المعركة عندما مدّ عليه السلام يده فغرف من الماء فقال فارس: يا أبا عبد الله، تتلذذ بشرب الماء وقد هُتكت حرمتك؟! فنفض الماء من يده وحمل على القوم، فكشفهم فإذا الخيمة سالمة[59].
إذن؛ فالغيرة والحميّة والعفة، وجميع المفردات الأخلاقيّة كانت حاضرة عند الإمام عليه السلام ، ولم يفته منها شيء، ولو تتبّعناها لطال بنا الحديث.
المحور الثالث: أخلاق الحسين عليه السلام حين الحرب في تعامله مع غير الإنسان
ونختصر الكلام هنا في نقطة واحدة، وهي:
رأفته بالحيوان
لم تنحصر الأخلاق الحسينية العالية بالبشر فقط، بل كانت شاملة حتى للحيوان، وهذا ما تنقله لنا كُتب التاريخ والسيَر، وسنختار هنا مثالين لعطف الإمام عليه السلام ورأفته ورحمته التي شملت حتّى الحيوان:
أ ـ قد تقدّم في طيّات هذا المقال كيف تعامل الإمام عليه السلام مع جيش الحرّ بن يزيد الرياحي في منطقة (شراف) ـ حين وصل ذلك الجيش وكاد العطش أن يفتك بهم وبخيولهم ـ فأمر الإمام الحسين عليه السلام فتيانه قائلاً: «اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفاً. ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزِلَت عنه وسقوا آخر، حتّى سقوها كلّها»[60]. مع العلم أنّ ظروف المكان والزمان قد تبرر عدم سقاية تلك الخيول.
ب ـ روى أبو مخنف عن الجلودي: «أنّ الحسين عليه السلام حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة، وأقحم الفرس على الفرات، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال الإمام الحسين عليه السلام : أنت عطشان وأنا عطشان، والله، لا أذوق الماء حتى تشرب»[61]. فتلاحظ أنّ الإمام عليه السلام لم يقدِّم نفسه المقدّسة حتّى على فرسه الذي يركبه.
نتيجة البحث
مما تقدّم معنا يتّضح لنا جليّاً الجانب الأخلاقي في ما قام به الإمام الحسين عليه السلام من: نصيحة الأعداء وإلقاء الحجّة، وسقي جيش الحر بن يزيد بالماء، والوفاء بالعهود مع المؤالف والمخالف، وعدم البدء بالقتال، وأخلاقه العالية وسلوكه المنقطع النظير مع جيشه وأتباعه، إلى غير ذلك من مفردات الأخلاق الكريمة الأُخرى من الإيثار والصبر والشجاعة وسعة الصدر، هذه الأُمور وغيرها التي لم يفسح المجال لذكرها كانت ولا زالت تُمثّل دروساً في الأخلاق الإنسانية، وتشكّل خطّاً واضحاً في حركة الحسين عليه السلام وفي أهدافه من النهضة.
بهذه الأخلاق استطاعت النهضة الحسينية أن تحقق النصر الحقيقي بعد أن أيقن المسلمون أنها نهضة سليمة، جاءت لإصلاح الواقع وتغييره، بعد أن جسّدت هذا الإصلاح وهذا التغيير في سلوكها وأخلاقها في كل مفصل من مفاصلها.
كما أنّ الأخلاق الحسينية في الحرب تمثّل المدرسة الإلهية التي علَّمت العالم بأسره كيف يجب أن يكون القائد العسكري الناجح في معارك الشرف والكرامة، وكيف يكون تعامل القائد الرسالي مع جنده وأتباعه؛ حتّى يفدّوه بأرواحهم ويدافعوا عنه بكل ما أُوتوا من قوة، ويُستشهدوا جميعهم قبل أن تصل إلى قائدهم
جراحة واحدة.
[1] (الأخلاق) مفردها: خلق؛ «وخلق: الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما: تقدير الشيء، كقولهم: خَلَقْتُ الأديم للسقاء، إذا قدَّرته (صنَّعته). والآخر: ملاسة الشيء، كقولهم: صخرة خلقاء، أي: ملساء». ومن الأوّل نأخذ معنى الخُلُق: وهي السجيَّة؛ لأنّ صاحبه قد قدّر عليه. معجم مقاييس اللغة: ج2، ص214، بتصرّف. وقد عرَّفه النراقي بقوله: «عبارة عن ملكة للنفس، مقتضية لصدور الأفعال بسهولة، من دون احتياج إلى فكر ورويّة». النراقي، محمد مهدي، جامع السعادات: ج1، ص46.
[2] القلم: آية 4.
[3] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج23، ص432.
[4] وهذا ما كان يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتأسّف والتحسّر لموقف قريش المعادي للإسلام حتّى قال: «يا ويحَ قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب؛ فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟! فوالله، لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتّى يُظهره الله أو تنفرد هذه السالفة». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص272.
[5] تشويه جسد الميت.
[6] اُنظر: نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: ص422.
[7] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج3، ص513.
[8] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص22.
[9] بيضة: «موضع بين العذيب وواقصة في أرض الحزن من ديار بنى يربوع بن حنظلة». اُنظر: الحموي، معجم البلدان: ج1، ص532.
[10] الأزدي، أبو مخنف، مقتل الحسين عليه السلام : ص85 ـ 86.
[11] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص322.
[12] المصدر السابق: ص324.
[13] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص249.
[14] اُنظر: ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون: ج3، ص148.
[15] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص251.
[16] الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال: ص259.
[17] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص98.
[18] البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج2، ص371.
[19] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص84.
[20] الأزدي، أبو مخنف، مقتل الحسين عليه السلام : ص116.
[21] العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج15، ص93.
[22] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص323.
[23] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج14، ص122.
[24] المصدر السابق: ج1، ص23ـ 24.
[25] وكانت أخلاق الإمام علي عليه السلام معروفة لأعدائه، وهذا ما يظهر من قول عمر بن العاص لمعاوية بعد أن منعوا جيش الإمام من الماء: «يا معاوية، ما ظنك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس، أتُراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه؟ وما أغنى عنك أن تكشف لهم السوءة. قال: دع عنك ما مضى منه، ما ظنّك بعلي؟ قال: ظنّي أنه لا يستحل منك ما استحللت منه، وأنّ الذي جاء له غير الماء». المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين: ص186.
[26] شراف: (ماء بنجد). اُنظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج3، ص331.
[27] جبال شواهق بالبادية.
[28] أقبلت هوادي الخيل: إذا بدت أعناقها.
[29] اليعاسيب: جمع يعسوب، وهو أمير النحل، شبهها في كثرتها بأن كلاً منها: كأنّه أمير النحل اجتمع عليه عسكره.
[30] الطساس: جمع طسّ، وهو معرّب طست، وهو إناء معروف. اُنظر: الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين: ج2، ص210.
[31] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص76ـ 78.
[32] اُنظر: أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص120 ـ 122. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص64.
[33] (أجأ): على وزن: فَعَلَ، وهو علم مرتجل لاسم رجل سُمّي به أحد جبلي طيء. اُنظر: الحموي، ياقوت ابن عبد الله، معجم البلدان: ج1، ص94.
[34] أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص88 ـ 89.
[35] اُنظر: أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص87 ـ 88.
[36] المصدر السابق: ص156ـ157.
[37] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص367.
[38] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص157.
[39] (أَرْقَلَت الدابّةُ والناقةُ إِرقالاً: أَسرعت). ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج11، ص293.
[40] موضع بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة. اُنظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج3، ص139.
[41] زبالة: (بضمّ أوله: منزل معروف بطريق مكة من الكوفة… سُمِّيت زبالة بزبلها الماء، أي: بضبطها له وأخذها منه). المصدر السابق: ص129.
[42] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص73 ـ 76.
[43] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص21.
[44] الراوندي، الخرائج والجرائح: ج2، ص847.
[45] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص91.
[46] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف: ص60.
[47] الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار: ص289.
[48] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص90.
[49] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص315.
[50] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين: ص253.
[51] اُنظر: ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف: ص64ـ 65.
[52] البحراني، عبد الله، العوالم: ص266.
[53] اُنظر: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ص249. الخوارزمي، الموفّق بين أحمد، مقتل الحسين عليه السلام : ج2، ص24.
[54] اُنظر: المصدر السابق.
[55] أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص86.
[56] اُنظر: الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص256.
[57] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص225.
[58] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين عليه السلام : ص253.
[59] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص215.
[60] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص78 .
[61] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص215.
المصدر:www.wybqalhosin.com