مقالات

علم الحديث…

إنّ السنّة هو المصدر الثاني للثقافة الإسلامية بجميع مجالاتها ولم يكن شيء أوجب بعد كتابة القرآن وتدوينه وصيانته من نقص وزيادة، من كتابة حديث الرسول وتدوينه وصيانته من الدس والدجل وقد أمر به الرسول غير مرة، روى الامام أحمد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه انّه قال للنبي: يا رسول اللّه أكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضا والسخط؟ قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : نعم فانّه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلاّ حقّا1.

إنّ اللّه سبحانه أمر بكتابة الدَّين حفظاً له، واحتياطاً عليه واشفاقاً من دخول الريب فيه فالعلم الّذي حفظه أصعب من حفظ الدَّين أحرى بأن يكتب ويحفظ من دخول الريب والشك فيه2.فإذا كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لا ينطق عن الهوى وانّما ينطق عن الوحي الّذي يوحى إليه3 فيجب حفظ كلمه وأفعاله وتقريره. حتّى تصدر الاُمة عنها ويستغني المسلم عن المقاييس الظنّية والاستنباطات الذوقية .وبالرغم من وضوح الأمر وانّه كان من واجب ووظيفة المسلمين الاهتمام بدراسة سنّة النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وتدوينها. حالت الخلافة دون ذلك فأصبحت كتابة السنّة جريمة لا تغتفر حتّى انّ الخليفة الثاني قال لأبي ذرّ وعبداللّه بن مسعود وأبي الدرداء: «ما هذا الحديث الّذي تفشون عن محمّد؟»4.ولقد أضحى عمل الخليفة سنّة فاتّبعه عثمان ومشى على خطاه معاوية، فأصبح ترك كتابة الحديث سنّة إسلامية وعُدّت الكتابة شيئاً منكراً مخالفاً لها .إنّ الرزيّة الكبرى هي المنع عن التحدّث بحديث رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكتابته وتدوينه، وفسح المجال في نفس الوقت للرهبان والأحبار للتحدّث بما عندهم من صحيح وباطل، ولقد أذن عمر لتميم الداري النصراني الّذي استسلم في عام 9 من الهجرة أن يقص5.ولمّا تسنّم عمر بن عبدالعزيز منصب الخلافة، أدرك ضرورة تدوين الحديث فكتب إلى أبي بكر بن حزم في المدينة، أن يقوم بتدوين الحديث قائلا: إنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّا6.ومع ذلك فلم يقدر ابن حزم على القيام بما أمر به الخليفة. لأنّ رواسب الحظر السابق المؤكد من قبل الخلفاء، حالت دون اُمنيته إلى أن زالت دولة الاُمويين وجاءت دولة العباسيين. فقام المسلمون بتدوين الحديث في عصر أبي جعفر المنصور سنة 143. وأنت تعلم أنّ الخسارة الّتي لحقت بالتراث الاسلامي من منع تدوين السنّة لا تجبر بتدوينه بعد مضي قرن ونيّف، وبعد موت الصحابة وكثير من التابعين الذين رأوا النور وسمعوا منه الحديث. ولم يحدثوا ما سمعوه إلاّ سرّاً ومن ظهر القلب إلى مثله.أضف إلى ذلك أنّ الأحبار والرهبان والمأجورين للبلاط الأموي نشروا كل كذب وافتراء بين المسلمين.

اهتمام الشيعة بتدوين الحديث

  1. قام الامام أميرالمؤمنين علي ـ عليه السلام ـ بتأليف عدة كتب في زمان النبي، فقد أملى رسول اللّه كثيراً من الأحكام عليه وكتبها الامام واشتهر بكتاب علي وقد روى عنه البخاري في صحيحه في باب «كتابة الحديث»7 وباب «أثم من تبرّأ من مواليه»8 وقد تبعه ثلّة من الصحابة الذين كانوا شيعة الامام وإليك أسماء من اهتمّ بتدوين الآثار وما له صلة بالدين وإن لم يكن حديث الرسول.
  2. قام أبو رافع صحابي الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بتدوين كتاب السنن والأحكام والقضايا9.
  3. قام الصحابي الكبير سلمان الفارسي المتوفى سنة 34 بتأليف كتاب حديث الجاثليق الرومي الّذي بعثه ملك الروم بعد وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال الشيخ الطوسي: روى سلمان حديث الجاثليق الّذي بعثه ملك الروم بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ 10.
  4. وألّف الصحابي الورع أبو ذر الغفاري المتوفّى سنة 32 كتاب الخطبة يشرح فيها الاُمور بعد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ 11.

هذا ما يرجع إلى الصحابة من الشيعة وأمّا الشيعة من غير الصحابة أعني التابعين وتابعي التابعين منهم، فقد قام لفيف منهم بتدوين السنّة إلى عصر الغيبة الكبرى، قد تكفّل بذكرهم وتآليفهم معاجم الرجال قديماً وحديثاً وإليك عرضاً موجزاً من محدّثي الشيعة وموّلّفيهم في القرن الأوّل وبداية الثاني.

الطبقة الاُولى

  1. الأصبغ بن نباتة المجاشعي، كان من خاصة أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ روى عنه ـ عليه السلام ـ عهد الأشتر، ووصيته إلى ابنه محمّد12.
  2. عبيداللّه بن أبي رافع، المدني، مولى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، كان كاتب أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ ، له كتاب قضايا أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ وتسمية من شهد مع أميرالمؤمنين الجمل وصفين والنهروان13.
  3. ربيعة بن سميع، له كتاب في زكاة النعم عن أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ 14.
  4. سليم بن قيس الهلالي: أبو صادق، له كتاب وهو مطبوع باسم كتاب سليم بن قيس .
  5. علي بن أبي رافع، قال النجاشي: ولابن أبي رافع كتاب آخر، وهو علي بن أبي رافع، تابعي من خيار الشيعة، كانت له صحبة من أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ ، وكان كاتباً له، حفظ كثيراً، وجمع كتاباً في فنون من الفقه: الوضوء، والصلاة، وسائر الأبواب15.
  6. عبيداللّه بن الحر الجعفي، الفارس، الفاتك، الشاعر، له نسخة يرويها عن أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ 16.
  7. زيد بن وهب الجهني، له كتاب خطب أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها17.

الطبقة الثانية

  1. الامام السجاد زين العابدين ـ عليه السلام ـ ، له الصحيفة الكاملة، المشتهرة بزبور آل محمّد ـ عليهم السلام ـ .
  2. جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبداللّه، المتوفّى سنة 128، له كتب18.
  3. زياد بن المنذر، الضعيف، كان مستقيماً ثم انحرف، له أصل ، وله كتاب التفسير17.
  4. لوط بن يحيى بن سعيد، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة، له كتب كثيرة، أورده الشيخ في رجاله19في أصحاب الحسن والصادق ـ عليهما السلام ـ .
  5. جارود بن منذر الثقة، أورده الشيخ في أصحاب الحسن والباقر والصادق ـ عليهم السلام ـ ، له كتب20.

الطبقة الثالثة

وهم من أصحاب السجاد والباقر ـ عليهما السلام ـ :

  1. برد الاسكاف، من أصحاب السجاد والصادقين ـ عليهم السلام ـ ، له كتاب21.
  2. ثابت بن دينار، أبو حمزة الثمالي الأزدي، الثقة، المتوفّى سنة 150 روى عنهم ـ عليهم السلام ـ ، له كتاب، وله النوادر والزهد، وله تفسير القرآن22.
  3. ثابت بن هرمز، الفارسي، أبو المقدم العجلي، مولاهم الكوفي، روى نسخة عن علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ23.
  4. بسام بن عبداللّه، الصيرفي، مولى بني أسد، أبو عبداللّه، روى عن أبي جعفر وأبي عبداللّه ـ عليهما السلام ـ ، له كتاب24.
  5. محمّد بن قيس البجلي، له كتاب قضايا أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ 25.
  6. حجر بن زائدة الحضرمي، روى عن الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ ، له كتاب26.
  7. زكريا بن عبداللّه الفياض، له كتاب27.
  8. ثوير بن أبي فاختة «أبو جهم الكوفي»، واسم أبي فاختة: سعيد بن علاقة28.
  9. الحسين بن ثور بن أبي فاختة سعيد بن حمران، له كتاب نوادر29.
  10. عبدالمؤمن بن القاسم بن قيس، الأنصاري، المتوفّى سنة 147، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجّاد والصادقين ـ عليهم السلام ـ ، له كتاب30.

ولقد خصّص أبو عمرو الكشّي باباً للمحدّثين المتقدّمين من الشيعة وجعله في صدر رجاله، وتبعه النجاشي في رجاله فخصّ الطبقة الاُولى بباب ثمّ أورد أسماء الرواة على حسب الأحرف الهجائية.ولقد أجاد الشيخ الطوسي في التعرّف على طبقات الشيعة بعد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى عصره فذكر الأئمّة الاثني عشر، وذكر أصحاب كل إمام وفق الترتيب الزمني، ثمّ ذكر باباً آخر باسم من لم يرهم ولكن روى عنهم بالواسطة.وأحسن كتاب ألّف في هذا المجال هو ما ألّفه اُستاذنا الجليل السيد النحرير المحقق البروجردي الّذي أخرج رجال الشيعة في 34 طبقة، من عصر الصحابة إلى زمانه (1292 ـ 1380) فهذا الكتاب يكشف عن سبق الشيعة في نظم الحديث وتدوينه، وأنّهم لم يقيموا لمنع الخلفاء وزناً ولا قيمة. وبذلك حفظوا نصوص النبي الأكرم وأهل بيته وقدّموها إلى المجتمع الاسلامي، فعلى جميع علماء المسلمين أن يتمسّكوا بهذا الحبل الّذي هو أحد الثقلين.هذا عرض موجز لمحدّثي الشيعة إلى عصر السجاد والباقر ـ عليهما السلام ـ وأمّا الطبقات الاُخرى فيأتي الكلام في فصل قدماء الشيعة والفقه لأنّهم تجاوزوا عن التحديث إلى درجة الاجتهاد31.

  • 1. مسند أحمد 2 / 207 .
  • 2. الخطيب البغدادي: تقييد العلم 70.
  • 3. اقتباس عن قوله سبحانه: (ما ضَلَّ صاحبُكُم وما غوى * وما ينطقُ عن الهوى * إنً هو إلاّ وحيٌ يُوحى) ـ النجم / 2 ـ 4 .
  • 4. كنز العمال 10 / 293 برقم 29479. وفيه: ما هذه الأحاديث الّتي قد أفشيتم عن رسول اللّه الآفاق؟
  • 5. كنز العمال 10 / 281 .
  • 6. صحيح البخاري 1 / 27 .
  • 7. صحيح البخاري 1 / 27 كتاب العلم .
  • 8. صحيح البخاري 8 كتاب الفرائص الباب 20 ص 154.
  • 9. النجاشي: الرجال 64 برقم 1 .
  • 10. الطوسي: الفهرست 8 .
  • 11. الطوسي: الفهرست 54 .
  • 12. النجاشي: الرجال 1 / 70 برقم 4.
  • 13. الطوسي: الفهرست 107 .
  • 14. النجاشي: الرجال 1 / 67 برقم 2.
  • 15. النجاشي: الرجال 1 / 65 برقم 1 .
  • 16. النجاشي: الرجال 1 / 71 برقم 5 .
  • 17. a. b. الطوسي: الفهرست 72 .
  • 18. النجاشي: الرجال 1 / 313 برقم 330 .
  • 19. الطوسي: الرجال 279 من أصحاب الصادق ـ عليه السلام ـ ولاحظ تعليقة المحقق .
  • 20. الطوسي: الرجال 112 في أصحاب الباقر ـ عليه السلام ـ .
  • 21. النجاشي: الرجال 1 / 284 برقم 289 .
  • 22. النجاشي: الرجال 1 / 289 برقم 294 .
  • 23. النجاشي: الرجال 1 / 292 برقم 296 .
  • 24. النجاشي: الرجال 1 / 282 برقم 286 .
  • 25. الطوسي: الفهرست 131 .
  • 26. النجاشي: الرجال 1 / 347 برقم 382 .
  • 27. النجاشي: الرجال 1 / 391 برقم 452 .
  • 28. النجاشي: الرجال 1 / 295 برقم 301 .
  • 29. النجاشي: الرجال 1 / 166 برقم 124 .
  • 30. النجاشي: الرجال 2 / 168 برقم 653 .
  • 31. من كتاب: بحوث في الملل والنحل لآية الله الشيخ جعفر السبحاني، ج6 ص552-559، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1415هـ.ق.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى