مقالات

مواقف وبطولات سعد الموهومة …

نص الشبهة: 

ويذكرون لسعد بن أبي وقاص في حرب أحد فضائل وكرامات، ومواقف وبطولات، نعتقد أن يد السياسة قد ساهمت في صنعها، ونذكر على سبيل المثال: أنهم يقولون: إنه بعد أن عاد المسلمون إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» دافع سعد عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ورمى بين يديه بالسهام، وأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يناوله النبل، ويقول (راجع: المغازي للواقدي ج1 ص241، والسيرة الحلبية ج2 ص229، وتاريخ الخميس ج1 ص433.): إرم فداك أبي وأمي؛ فرمى دون رسول الله حتى اندقت سية قوسه. وفي المشكاة عن علي «عليه السلام»: ما سمعت النبي «صلى الله عليه وآله» جمع أبويه لأحد إلا لسعد (السيرة الحلبية ج2 ص229.). بل يروي البعض: أنه قال له ذلك ألف مرة، لأنه رمى ألف سهم (مجمع الزوائد ج6 ص113، ومغازي الواقدي ج1 ص241، وشرح النهج للمعتزلي ج14، والكامل لابن الأثير ج2 ص160، وتاريخ الخميس ج1 ص433، والسيرة الحلبية ج2 ص229، وغير ذلك كثير.). كما أن ابن عرقة رمى بسهم، فأصاب ذيل أم أيمن، فانكشف، فضحك، فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» سعداً بأن يرمي، ودعا له بأن يسدد الله رميته، ويجيب الله دعوته؛ فرمى ابن عرقة في ثُغرة نحره؛ فانقلب لظهره، وبدت عورته، فضحك «صلى الله عليه وآله» (السيرة الحلبية ج3 ص229.).

الجواب: 

ولكننا نشك فيما ذكر آنفاً، وذلك بملاحظة النقاط التالية:
1 ـ يقولون: سئل سعد عن سر استجابة دعائه دون الصحابة، فقال: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا أعلم من أين جاءت، ومن أين خرجت 1.
أي لأنه قد جاء في الحديث: أن سر عدم استجابة الدعاء، هو أن من كان مأكله وملبسه حراماً فأنى يستجاب له 1.
فأي ذلك نصدق؟!
هل نصدق أن استجابة دعائه كانت لدعائه «صلى الله عليه وآله» له؟!
أم نصدق أنها من أجل أنه لم يكن يأكل حراماً؟!.
وحاول الحلبي أن يجيب: بأن دعاء النبي «صلى الله عليه وآله» يرجع: إلى أنه دعا له أن يستجاب له بسبب عدم أكله للحرام، وتمييزه للحرام عن غيره!! 1.
وهو تأويل بارد، كما ترى، ولا نرى حاجة للتعليق عليه.
2 ـ لا ندري إذا كان الوقت يتسع لرمي ألف سهم، ولقول النبي «صلى الله عليه وآله» له ذلك، وهو يناوله السهام في ذلك الوقت الحرج جداً؟!.
ولا ندري أيضاً من أين حصل سعد على تلك السهام الألف التي رمى بها؟!، وهل كانت تتسع كنانته، وكنانة النبي «صلى الله عليه وآله» ـ لو كانت ـ لهذه الكمية؟!.
ولا نعرف أيضاً إن كانت تلك السهام تصيب المشركين؛ فيستجاب دعاء الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» له أم لا؟!
وإذا كانت تصيبهم، فكم قتل سعد؟ وكم جرح؟! ولماذا لم ينهزم المشركون لهذه النكبة التي حلت بهم؟!.
3 ـ إذا كان سعد مستجاب الدعوة، فلماذا لم يدع الله ليفرج عن عثمان حين الحصار؟ أو ليهدي معاوية إلى الحق والتسليم لعلي «عليه السلام»؛ ليحقن دماء عشرات الألوف من المسلمين، ويجنب الأمة تلك الكوارث العظيمة التي تعرضت لها؟!.
وعندما عرض عليه أمير المؤمنين «عليه السلام»: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، طلب منه أن يعطيه سيفاً يميز بين الكافر والمؤمن 2؛ فلم لم يدع الله أن يعطيه سيفاً كهذا؛ فيستجيب الله له، ما دام أنه كان مستجاب الدعوة؟!.
4 ـ عن ابن الزبير: أن الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» قال للزبير ـ يوم الخندق، حينما أتاه بخبر بني قريظة ـ: فداك أبي وأمي 3، فأي الروايتين نصدق؟! أم نصدقهما معاً؟! أم ننظر إليهما معاً بعين الشك والريب، لما نعلمه من تعمد الوضع والاختلاق لصالح هؤلاء؟! أعتقد أن هذا الأخير هو الأمر المنطقي، والطبيعي، والمعقول.
واحتمال أنه «صلى الله عليه وآله» وإن كان قد قال ذلك للزبير يوم الخندق، لكن علياً «عليه السلام» لم يسمعه، فنقل ما سمعه فقط بالنسبة لسعد، أو أنه «صلى الله عليه وآله» قد أراد تفدية خاصة لا يجدي؛ إذ قد جاء في رواية أخرى قوله: فما جمع «صلى الله عليه وآله» أبويه لأحد إلا لسعد 4.
وهذا يدل على أنه يخبر عن علم، وإلا لكان عليه أن يقول: إنه لم يسمع ذلك إلا بالنسبة لسعد، كما أنه لو كان أراد تفدية خاصة لكان عليه البيان.
5 ـ كيف يكون سعد قد قتل حبان بن العرقة في حرب أحد، كما يقول الواقدي، مع أن الواقدي نفسه وغيره يقولون: إن حبان بن العرقة قد رمى سعد بن معاذ في أكحله في غزوة الخندق، فقال «صلى الله عليه وآله»: عرق الله وجهك في النار؟! 5 فإن حرب الخندق كانت بعد أحد بالاتفاق.

إشارة هامة

وأما لماذا حشد هذه الفضائل لسعد، فذلك أمر واضح، فإن سعداً قد كان من الفئة المناوئة لأمير المؤمنين «عليه السلام»، وأهل بيته، حتى لقد كتب «عليه السلام» لوالي المدينة: أن لا يعطي سعداً من الفيء شيئاً 6. وحينما دخل عليه سعد يطالبه بعطائه رده مع صاحبيه، بعد كلام طويل، ولم يعطه شيئاً 7.
وحينما دعاه عمار إلى بيعة سيد الوصيين، أظهر سعد الكلام القبيح 8.
وأيضا فقد صارمه عمار المعروف بجلالة مقامه وعلو شأنه 9.
كما أنه قد أخذ من بيت المال مالاً ولم يؤده، وعزله عمر عن العراق، وقاسمه ماله 10.
وكان ممن قعد عن علي «عليه السلام» وأبى أن يبايعه، فأعرض عنه «عليه السلام»، وقال 11:  ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ 12. وسعد هو أحد الستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم، فوهب حقه لابن عمه عبد الرحمن بن عوف 13.
وشكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر بأنه لا يحسن يصلي 14.
إذاً، فانحراف سعد عن علي «عليه السلام»، وممالأته لأعدائه هو الذي جعل لسعد هذه الشخصية، ورزقه هذه الفضائل والكرامات. وهذا هو بعينه السر أيضاً بما رزقه الكرماء طلحة بن عبيد الله من كرامات ستأتي الإشارة إليها إن شاء الله.
ولعل أبا طلحة أيضاً قد ارتزق فضائله وكراماته عن نفس هذا الطريق، طريق العداء لعلي «عليه السلام»، والانحراف عنه، كما هو معلوم بالمراجعة 15 16.

  • 1. a. b. c. المصدر السابق.
  • 2. قاموس الرجال ج4 ص315 عن صفين لنصر بن مزاحم.
  • 3. السيرة الحلبية ج2 ص229.
  • 4. نفس المصدر.
  • 5. مغازي الواقدي ج2 ص269 و 525، وتاريخ الخميس ج1 ص433، والإصابة ج2 ص37 و 38.
  • 6. إختيار معرفة الرجال ص39، وقاموس الرجال ج4 ص412 و 413 عنه.
  • 7. صفين ص551 و 552، وقاموس الرجال ج4 ص313 عنه.
  • 8. الإمامة والسياسة ج1 ص53.
  • 9. عيون الأخبار لابن قتيبة ج3 ص111، وقاموس الرجال ج4 ص313 و 314 عنه.
  • 10. راجع: قاموس الرجال ج4 ص414 عن الأغاني، وعن أنساب السمعاني.
  • 11. راجع: قاموس الرجال ج4 ص315 و 316. وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص9.
  • 12. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 23، الصفحة: 179.
  • 13. راجع على سبيل المثال: شرح النهج للمعتزلي ج1 ص188.
  • 14. الأوائل ج1 ص310، والمصنف لعبد الرزاق ج2 ص360، وفي هامشه عن البخاري عن أبي عوانة والعقد الفريد ج6 ص249، والكامل في التاريخ ج2 ص596، والثقات ج2 ص220.
  • 15. راجع: قاموس الرجال للعلامة التستري، وغيره من كتب التراجم.
  • 16. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005م. ـ 1425هـ. ق، الجزء السابع.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى