ممّن رثى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام هو الشيخ محمّد حسين الإصفهاني 1 قدس سره في قصيدة رائعة ذكر فيها ما جرى عليها من المحن و الاذى و الظلم ، رغم ما جاء في حقها و منزلتها من الأحاديث الصحيحة و المتواترة.
قال الشيخ رحمه الله:
لَهفِي لَها لَقدْ أُضيعَ قَدرُها *** حتَّى تَوارى بالحِجابِ بَدرُها
تَجرَّعَتْ مِن غُصَصِ الزَّمانِ *** ما جَاوزَ الحَدَّ مِن البَيانِ
و مَا أصَابَها مِن المُصابِ *** مِفتاحُ بَابِهِ حَديثُ البَابِ
إنَّ حَديثَ البَابِ ذُو شُجونِ *** بِما جَنَتْ بهِ يَدُ الخَؤونِ
أَ يَهْجمُ العِدا على بَيتِ الهُدى *** و مَهبطِ الوَحي و مُنتدى النَّدى
أ يُضْرَمُ النَّارُ ببابِ دَارِها *** و آيةُ النُّورِ عَلى مَنَارِها
و بَابُها بَابُ نبيِّ الرَّحمَة *** و بَابُ أبوابِ نَجاةِ الأُمّة
بَل بابُها بابُ العليِّ الأعلى *** فثَمَّ وَجهُ اللهِ قَد تَجلَّى
مَا اكتَسبوا بالنَّارِ غَيرَ العَارِ *** و مِن ورائِهِ عَذابَ النَّارِ
مَا أَجهلَ القَومِ فإنَّ النَّارَ لا *** تُطفِئُ نُورَ اللهِ جلَّ و عَلا
لكنَّ كَسرَ الضِّلعِ ليسَ يَنجَبِرْ *** إلَّا بِصِمْصَامِ عَزيزٍ مُقتدِرْ
إذْ رَضُّ تِلكَ الأضْلُعِ الزَّكيَّة *** رَزيةٌ لا مثلها رَزيَّة
و مِنْ نُبوعِ الدَّمِ مِن ثَديَيْها *** يُعرفُ عُظمُ ما جَرى عَليها
و جَاوَزُوا الحدَّ بِلطمِ الخدِّ *** شُلَّتْ يَدُ الطُّغيانِ و التَّعَدِّي
فَاحمرَّت العَينُ و عَينُ المَعرِفَة *** تَذرِفُ بالدَّمعِ عَلى تلكِ الصِّفَة
و لا تُزيلُ حُمرةَ العَينِ سِوى *** بِيضُ السُّيوفِ يومَ يُنشَر اللِّوا
و للسِّياطِ رنَّة صَداهَا *** في مَسمعِ الدَّهرِ فمَا أشْجَاهَا
و الأثَرُ البَاقي كَمِثلِ الدُّملُجِ *** في عَضُدِ الزَّهراءِ أقوى الحُجَجِ
و مِن سَوادِ مَتنِها اسودَّ الفَضا *** يا سَاعدَ اللهُ الإمامَ المُرتضَى
وَ وَكْزُ نعلِ السَّيفِ في جَنبَيْها *** أتَى بِكلِّ ما أتَى عَليها
و لَستُ أدري خَبرَ المِسمارِ *** سَلْ صَدرَها خُزانةَ الأَسرار
و في جَنينِ المَجدِ مَا يُدمِي الحَشا *** و هَلْ لَهُم إِخفاءُ أمرٍ قَدْ فَشَا
و البَابُ و الجِدارُ و الدِّماءُ ** شُهودُ صِدقٍ مَا بِها خَفَاءُ
لقد جَنَى الجَانِي على جَنينِها ** فَاندَكَّتِ الجِبالُ مِن حَنينِها
أ هَكذا يُصْنعُ بِابنةِ النَّبي *** حِرصاً على المُلكِ فَيَا للعَجبِ
أ تُمنعُ المَكروبةُ المَقروحة *** عَن البُكا خَوفاً مِنَ الفَضيحَة
بِاللهِ يَنبغي لها تَبكي دَماً *** ما دَامتِ الأرضُ و دَارتِ السَّما
لِفَقدِ عِزِّها أبِيها السَّامي *** و لاهتِضامِها و ذُلِّ الحَامِي 2.
- 1. آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني (1296 ــ 1361 هـ)، المعروف بـ”الكُمباني“، من فقهاء الشيعة الإمامية، و فلاسفتهم في القرن الرابع عشر، و كان له باع في الشعر أيضاً. ولد في مدينة الكاظمية / العراق و بدأ دارسته الدينية فيها ، ثم انتقل إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته عند أبرز علماء عصره في الفقه و الأصول والفلسفة حتى بلغ أعلى مراتب العلم . له مؤلفات كثيرة، منها: كتاب نهاية الدراية في شرح الكفاية ، و بحوث في الأصول، و الأنوار القدسية.
- 2. الأنوار القدسية: 42.