التاريخ الإسلاميالتعليمالفكر و التاريخمقالات

حال الصحابة …

وأمّا النسبة إلى الصحابة وحالهم من حيث العدالة وعدمها ، فقد اختلف المسلمون على ثلاثة أقوال :
الأول : كفر الجميع :
لقد ذهبت الفرقة « الكاملية » ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم إلى القول بكفر الصّحابة جميعاً (1) .
وهذا القول لا فائدة في البحث عن قائليه وأدلّتهم وردّها …
الثاني : عدالة الجميع :
واشتهر بين أهل السنّة القول : بأنّ الصّحابة كلّهم عدول ثقات ، لا يتطرّق إليهم الجرح ، ولا يجوز تكذيبهم في شيء من رواياتهم ، وطّعن في الأقوال المنقولة عنهم ، فكأنّهم بمجرّد صحبتهم للرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أصبحوا معصومين عن الخطأ ، ومحفوظين من الزلل …
قال المزني : « كلّهم ثقة مؤتمن … » (2) .
وقال الخطيب : « عدالة الصّحابة ثابتة معلومة … » (3) .
وقال ابن حزم : « الصّحابة كلّهم من أهل الجنّة قطعاً » (4) .
وبهذا صرّح ابن عبدالبرّ (5) وابن الأثير (6) والغزالي (7) وغيرهم …
وأمّا دعوى الاجماع على ذلك من بعضهم كابن حجر العسقلاني (8) وابن عبدالبر (9) فيكذبّها نسبة هذا القول إلى الأكثر في كلام جماعة من كبار أئمتهم :
قال ابن الحاجب : « الأكثر على عدالة الصّحابة ، وقيل كغيرهم ، وقيل إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون ، لأن الفاسق غير معيّن ، وقالت المعتزلة ، عدول إلاّ من قاتل عليّاً … » (10) .
وكذا في جمع الجوامع وشرحه حيث قال : « والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة … » ثم نقل الأقوال الأخرى (11) .
بل صرّح جماعة منهم السعد التفتازاني (12) والمارزي شارح البرهان (13) وابن العماد الحنبلي (14) والشوكاني (15) وآخرون ، ومن المتأخرين الشيخ محمود أبو رية (16) والشيخ محمد عبدة (17) والسيد محمد بن عقيل العلوي (18) والسيد محمّد رشيد رضا (19) والشيخ المقبلي (20) والشيخ مصطفى صادق الرافعي (21) وآخرون … بأنّ الصحابة غير معصومين وفيهم العدول وغير العدول … وهذا بعينه هو رأي الشيعة الامامية :
الثالث : لا إفراط ولا نفريط :
فإنّهم أجمعوا على أن الصحابة كسائر الناس فيهم العادل والفاسق ، المؤمن والمنافق ، وأن الصحبة ليست بوحدها ـ وإن كانت شرفاً ـ مقتضية عصمتهم ونفي القبيح عنهم ، والقرآن مشحون بذكر المنافقين من الصحابة ، الذين آذوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأقوالهم وافعالهم في نفسه وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام …
والأحاديث عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذم بعضهم كثيرة …
وكتب الحديث والآثار مشحونه بردّ بعضهم على بعض ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، وطعن بعضهم في رواية بعض …
وأمّا أئمّة الحديث وكبار التابعين فتلك آراؤهم بالنسبة إلى بعض الصحابة مسجلة في كتب الرجال والتاريخ :
فقد سئل مالك بن أنس : « عمن أخذ بحديثين مختلفين حدّثه بهما ثقة عن رسول الله عليه وآله وسلّم أتراه من ذلك في سعة ؟
فقال : لا والله حتى يصيب الحق ، ما الحق إلاّ في واحد ، قولان يكونان صواباً ؟ ما الحق وما الصواب إلاّ في واحد » (22) .
وعنه أنه سئل عن اختلاف الصحابة فقال :
« خطأ وصواب ، فانظر في ذلك » (23) .
وعن أبي حنيفة :
« الصّحابة كلهم عدول ما عدا رجالاً ، ثم عدّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك (24) .
وعن الشافعي :
« إنّه سرّ إلى الربيع : لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد » (24) .
وقال شعبة :
« كان أبو هريرة يدلّس » (25) .
وعن الليث :
« إذا جاء الاختلاف أخذنا بالأحوط » (26) .


وإلى هذا كلّه استند الإمامية فيما ذهبوا إليه …
وأمّا أهل السنة فزعموا أن الله سبحانه ورسوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام قد زكيّا الصّحابة وعدّلاهم جميعاً ، فوجب المصير إلى ذلك ، تأويل كلّ ما يؤثر عنهم من المخالفات والمنافيات للنصوص الصريحة من القرآن والسنة ، واستدلوا في دعواهم تلك بآيات من القرآن الحكيم ، وأحاديث رووها في كتبهم عن الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم في فضل الصحابة …
وإنّ أشهر هذه الأحاديث المشار إليها هو : حديث « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » وهو موضوع هذا البحث الوجيز …
فلنرجع ـ أولاً ـ إلى كتبهم لنرى ما هو رأى كبار أئمتهم وحفّاظهم في هذا الحديث :


(1) ذكره السيد عبدالحسين شرف الدين في أجوبة مسائل جار الله | 12 .
(2) سيأتي نص كلامه في الكتاب .
(3) نقل ذلك عنه ابن حجر في الإصابة 1 | 17 ـ 18 .
(4) الاصابة 1 | 19 .
(5) الاستيعاب 1 | 8 .
(6) اسد الغابة 1 | 3 .
(7) إحياء علوم الدين .
(8) الاصابة 1 | 17 ـ 18 .
(9) الاستيعاب 1 | 8 .
(10) المختصر 2 | 67 وكذا في شرحه .
(11) النصائح الكافية | 160 .
(12) شرح المقاصد 5 | 310 .
(13) الاصابة 1 | 19 ، النصائح الكافية | 161 .
(14) النصائح الكافية | 162 عن الآلوسي .
(15) إرشاد الفحول .
(16) شيخ المضيرة أبو هريرة | 101 وراجع أضواء على السنة المحمدية له أيضاً .
(17) أضواء على السنة المحمدية .
(18) النصائح الكافية .
(19) شيخ المضيرة .
(20) المصدر نفسه .
(21) إعجاز القرآن .
(21) احكام الاحكام لابن حزم .
(22) جامع بيان العلم لابن عبدالبر .
(23) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .
(24) المختصر في اخبار البشر لأبي الفداء .
(25) البداية والنهاية لابن كثير .
(26) عن جامع بيان العلم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى