هبة إلهية أودعها الله عز وجل في الإنسان وهي سبب من أسباب أعمار الأرض وإصلاحها فلولا التواصل والانسجام لعمَّ الخراب والدمار فالبشر وبرحمة الله يسيرون حثيثاً نحو العيش بمجموعات تؤمّن لهم سعادة داخلية من خلال الحماية والعون وتبادل المشاعر ولما كان هنالك تباين وتفاوت في صفاتهم كان لابد من وجود قواعد تنظم لهم عيشهم ذاك، ومجمل تلك القواعد والقوانين تهدف إلى صون ذلك الرابط المقدس الذي يسمى العلاقات وعند الحديث عن العلاقات برؤية الكمال القرآني مغترفين غَرْفَة من بحر معينه العذب نجد أن القرآن الكريم قد بنى لنا بنياناً رصيناً متكاملاً انطلاقاً من علاقة الإنسان بخالقه وموجده ثم علاقته مع نفسه و أسرته وعلاقته مع مجتمعه وكل مجتمع مع المجتمع الآخر وقد جعل الله عز وجل تواصلاً وتلازماً ما بين تلك العلاقات فلم يجعل كل قسم منها بمعزل عن الآخر بل جعلها كلها سبيلاً يوصل إلى رضاه ورحمته وبالتالي أكسبها هيبةً وعزاً امتازت به عن القوانين الوضعية كذلك جعل من الإنسان رقيباً على نفسه فلا يمكنه أن يزيغ أو يخالف القوانين فهو يشعر بقرارة نفسه أنه في رقابة دائمة، ولنبدأ أولاً من إتصال الإنسان بخالقه وهي جوهر كل العلاقات فمنظومة التواصل العبادية تمثل الصلة بين العبد وخالقه والتي عبر عنها القرآن في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة – 21) والعبادة معنى شامل لكل أفعال الخير التي من شأنها أن تحافظ على المنظومة الاجتماعية وتصونها من التفكك والفساد .
ثم لو انتقلنا إلى علاقة الإنسان مع محيطه وبدأنا من الأسرة التي هي النواة الاجتماعية المتكونة من اتحاد أفرادها بروابط الرحمة والمودة التي أكدَّ عليها القرآن الكريم وجعلها الأساس قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الروم – 21) وفقاً لتلك الهبات الإلهية فالواجب على الإنسان أن يبتعد عن العداوة والبغضاء التي هي من حبائل إبليس ويركن إلى المحبة والتواصل ثم إذا نظرنا إلى نتاج تلك العلاقة المقدسة ولا نزال في دائرة الأسرة فنجد أن الله تعالى قد أوصى بطاعة الوالدين من أجل حماية الأسرة من التفكك فقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (سورة لقمان – 14) بعدها إذا نظرنا إلى المجتمع بشكل عام نجد أن التواصل ظاهر جلي في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات – 13) فالآية الكريمة تركّز على مفهوم اتحاد الإنسانية وأنْ نجعلها هي الأصل في التفاهم والتواصل وبهذا ترتكز على ركيزة أساسية وهي البحث عن المشتركات وجعلها هي القائد في عملية التآلف والعيش الرغيد، وكثيرة هي الشواهد القرآنية في هذا الباب والتي تدعو إلى الجنوح للسلم والسلام ومودة الآخر واعتزال الفتنة من أجل الوصول إلى السلم العالمي.
مصطى غازي الدعمي