نور العترة

في من نزلت سورة الانسان ؟

قصة النذر لفاطمة وعليّ(عليهما السلام) من الحوادث المعروفة تأريخياً، حيث نزل الوحي مثمّناً هذا الموقف وما واكبه من الإيثار وإطعام الآخرين، حيث كان النذر لشفاء الحسنين(عليهما السلام)، وكان صومَ ثلاثة أيام…
وإليكَ تفصيل الحادثة: عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جدّه(عليهم السلام)قال: «مرض الحسن والحسين(عليهما السلام) مرضاً شديداً، فعادهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) في جميع
أصحابه وقال لعليٍّ: يا أبا الحسن، إن نذرت لله نذراً واجباً فإنّ كلّ نذر لا يكون لله فليس منه وفاء!
فقال عليّ بن أبي طالب: إن عافى الله وُلدي ممّا بهما صمت لله ثلاثة أيّام متواليات. وقالت فاطمة(عليها السلام) مثل مقالة عليٍّ(عليه السلام)، وكانت لهم جارية نوبيّة تُدعى فضّة قالت: إن عافى الله سيّدَيَّ ممّا بهما صمت لله ثلاثة أيّام.

فلمّا عافى الله الغلامَينِ ممّا بهما انطلق عليّ إلى جار يهوديٍّ يقال له: شمعون ابن حارا. فقال له: يا شمعون، أعطني ثلاثة أصوع من شعير وجزّةً من صوف تغزله لك ابنة محمّد(صلى الله عليه وآله)، فأعطاه اليهودي الشعير والصوف فانطلق إلى منزل فاطمة(عليها السلام). فقال لها: يا بنت رسول الله، كلي هذا واغزلي هذا، فباتوا وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى صاع من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص: قرص لعليٍّ وقرص لفاطمة وقرص للحسن وقرص للحسين وقرص للجارية، وإنّ عليّاً(عليه السلام)صلّى مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) ثمّ أقبل إلى منزل فاطمة(عليها السلام) ليفطر، فلمّا أن وُضِعَ بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله فإذا سائل قد قام بالباب.
فقال: السلام عليكم ياأهل بيت محمّد(صلى الله عليه وآله)، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة.
فألقى عليّ وألقى القوم من أيديهم الطعام، فأعطوه طعامهم وباتوا على صومهم لم يذوقوا إلاّ الماء، فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى الصاع الثاني فعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وإنّ عليّاً(عليه السلام) صلّى مع النبيّ(صلى الله عليه وآله)ثمّ أقبل إلى منزله ليفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله إذا يتيم قد قام بالباب.
فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد(صلى الله عليه وآله)، يتيم من يتامى المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة.
قال: فألقى عليّ(عليه السلام) وألقى القوم من أيديهم الطعام، فأعطوا طعامهم وباتوا على صومهم ولم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا صيّاماً، فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى الصاع الثالث فعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وإنّ عليّاً صلّى مع النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ثمّ أقبل إلى منزله يريد أن يفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله فإذا أسير كافر قد قام بالباب.
فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد …  ـ  إلى أن قال : ـ أطعموني فإنّي أسير محمد، فألقى عليّ وألقى القوم من أيديهم الطعام.
قال: فأعطوه طعامهم، وباتوا على صومهم لم يذوقوا إلاّ الماء، فأصبحوا وقد قضى الله عليهم نذرهم. وإنّ عليّاً(عليه السلام) أخذ بيد الغلامين وهما كالفرخين لا ريش لهما يترجّجان([1]) من الجوع، فانطلق بهما إلى منزل النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فلمّا نظر إليهما رسول الله(صلى الله عليه وآله)اغرورقت عيناه بالدموع، وأخذ بيد الغلامين فانطلق بهما إلى منزل فاطمة(عليها السلام)، فلمّا نظر إليها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد تغيّر لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها انكبّ عليها يقبّل بين عينيها، ونادته باكية: واغوثاه بالله ثمّ بِكَ يا رسول الله من الجوع.
قال: فرفع يدهُ إلى السماء وهو يقول: اللهمّ أشبع آل محمد، فهبط جبرئيل(عليه السلام)فقال: يا محمد، اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ: (إِنَّ الاَْبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ…)([2]) إلى آخر ثلاث آيات.
ثمّ إنّ عليّاً(عليه السلام) مضى من فور ذلك حتّى أتى أبا جبلّة الأنصاري، فقال له: يا  أبا جبلّة، هل عندك من قرض دينار؟ قال: نعم يا أبا الحسن، اُشهد الله وملائكته أنّ أكثر شطر مالي لك حلال من الله ومن رسوله، قال: لا حاجة لي في شيء من ذلك، إن يكُ قرضاً قبلته، قال: فرفع إليه ديناراً.
ومرّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)يتخرّق أزقّة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً، فإذا هو بمقداد بن الأسود الكندي قاعد على الطريق فدنا منه يسلّم عليه.
وقال: يا مقداد، مالي أراك في هذا الموضع كئيباً حزيناً؟
قال: أقول كما قال العبد الصالح موسى بن عمران: (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ)([3]).
قال: ومنذ كم يا مقداد؟
قال: هذا أربع، فرجع عليّ مليّاً ثمّ قال: الله أكبر الله أكبر، آل محمّد(صلى الله عليه وآله) منذ ثلاث وأنت يا مقداد منذ أربع! أنت أحقّ بالدينار منّي، فدفع إليه الدينار ومضى حتّى دخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مسجده، فلمّا انفتل([4]) رسول الله(صلى الله عليه وآله)ضرب بيده إلى كتفه، وقال: يا عليّ، انهض بنا إلى منزلك لعلّنا نصيب به طعاماً فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلّة.
قال: فمضى وعليّ يستحي من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، رابط على بطنه حجراً من الجوع، حتى قرعا على فاطمة(عليها السلام) الباب، فلمّا نظرت فاطمة(عليها السلام)إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وقد أثّر الجوع في وجهه ولّت هاربةً وقالت: واسوأتاه من الله ومن رسوله كأنّ أبا الحسن ما علم أن ليس عندنا شيء منذ ثلاث.
ثمّ دخلت مخدعاً([5]) لها فصلّت ركعتين ثمّ نادت: يا الله، هذا محمد نبيّك وفاطمة بنت نبيّك وعليّ ختن نبيّك وابن عمّه، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيّك، اللهمّ فإنّ بني إسرائيل سألوك أن تنزّل عليهم مائدةً من السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها، اللهمّ فإنّ آل محمّد لا يكفرون بها.
ثمّ التفتت ملمّةً فإذا هي بصحيفة مملوءة ثريداً وعِراقاً، فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)،فأهوى بيده إلى الصحيفة والثريد والعراق.
فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله): (وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ…)([6])، ثمّ قال: يا عليّ، كُلْ من جوانب القصعة ولا  تهدموا صومعتها فإنّ فيها البركة، فأكل النبيّ(صلى الله عليه وآله)وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، والنبيّ يأكل وينظر إلى عليٍّ متبسّماً، وعليّ يأكل وينظر إلى فاطمة متعجّباً!
فقال له النبيّ(صلى الله عليه وآله): كُلْ يا عليّ ولا تسأل فاطمة عن شيء، الحمد لله الّذي جعل مثلك ومثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِساب)([7]).
يا عليّ، هذا بالدينار الّذي أقرضته، لقد أعطاكَ الله خمسةً وعشرين جزءاً من المعروف، فأمّا جزء واحد فجعل في دنياك أن أطعمك من جنّته، وأربعة وعشرون جزءاً ادّخرها لك لآخرتك ([8])
وقال ابن بابويه بعد إيراد هذا الحديث: قال الحسن بن مهران في حديث: فوثب النبيّ(صلى الله عليه وآله) حتّى دخل منزل فاطمة(عليها السلام)، فرأى ما بهم، فجمعهم، ثمّ انكبَّ عليهم.
فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات: (إِنَّ الاَْبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً).
قال: هي عين في دار النبيّ(صلى الله عليه وآله) تُفجَّر إلى دور الأنبياء والمؤمنين، (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) يعني: عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)، يقول: عابساً كلوحاً([9])، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له، (مِسْكِيناً) من مساكين المسلمين، (وَيَتِيماً)من يتامى المسلمين، (وَأَسِيراً) من اُسارى المشركين، ويقولون إذا أطعموهم: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً).
قال: واللهِ ما قالوا هذا لهم، ولكنّهم أضمروه في أنفسهم، فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) تُكافِئُوننا به، (وَلا شُكُوراً) تَثنون علينا به، ولكنّا إنّما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.
قال الله تعالى ذكره: (فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً) في الوجوه، (وَسُرُوراً) في القلوب، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً)يفترشونه، ويلبسونه، (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الاَْرائِكِ)، والأريكة: السرير، عليه الحجلة، (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً([10]))([11]).
وعن ابن عباس في تفسير سورة هل أتى قال: إنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهما إن برئا ممّا فيه أن يصوموا ثلاثة أيّام، فُشفيا، وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال:
السلام عليكم أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا فلم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صيّاماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه. ووقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك.
فلمّا أصبحوا أخذ عليّ(عليه السلام) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفِراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم! وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل وقال: خذها يا محمد، هنّاك الله في أهل بيتك، فأَقرأَهُ السورة ([12]).
*****************************************
[1] . الرَجْرجَة: الاضطراب، وارتجّ البحر: إذا اضطرب. مجمع البحرين: 2/302 (مادة رجج).
[2] . الإنسان (الدهر): 5 ـ 6.
[3] . القصص: 24.
[4] . انفتل من الصلاة: انصرف عنها. مجمع البحرين: 5/439 (مادة فتل).
[5] . المَخدَع: هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير، ومنه صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها. مجمع البحرين: 4/320 (مادة خدع).
[6] . الإسراء: 44.
[7] . آل عمران: 37.
[8] . رواه فرات الكوفي في تفسيره: 196، وأمالي الصدوق: 333، وموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب: 267/250 وص268/251، ومحمد بن يوسف الكنجي في الكفاية: 201، وسبط ابن الجوزي في التذكرة: 170، والشبلنجي في نور الأبصار: 108، وابن شهرآشوب في المناقب: 3/424 مع اختلاف يسير في اللفظ وزيادة ونقصان.
[9] . كالحون: عابسون، والكلوح: تكثّر في العبوس. مجمع البحرين: 2/408 (مادة كلح).
[10] . الإنسان: الآيات من 7 ـ 13.
[11] . أمالي الصدوق: 333/390.
[12] . تفسير الكشّاف: 1/511، ينابيع المودّة: 1/279/4، تفسير الرازي: 8/295، تفسير أبو السُعود: 8/367، روح البيان: 2/546، تفسير البيضاوي: 45 سورة هل أتى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى