إسئلنا

المسلمة والحجاب…

في تاريخنا الطويل لم يناقش أحد في الحجاب الإسلامي بضوابطه الشرعية المعروفة فضلا ً عن أصل وجوبه، إنما دخلت علينا الأفكار المشكِّكة والنافية والمحقرة للحجاب مع بدايات الغزو الثقافي والعسكري الإستعماري الغربي لبلادنا الإسلامية.

فمنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ الطعن بالحجاب علناً في ظاهرة غير مسبوقة، وذلك في العديد من البلدان الإسلامية الى أن شملها كلها مع بدايات القرن العشرين وانتشار المدارس الغازية والمتأثرين بالثقافة الغربية وبداية تخرجهم من معاهدهم ومدارسهم.‏

وبالرغم من ظاهرة عودة الحجاب في السنوات الأخيرة إلا أننا بتـنا نرى نماذج غريبة من ما يسمى بالحجاب وهو في الحقيقة خارج عن الضوابط المعتبرة شرعاً:‏

فمن الملون الى المزين الى المزركش الى الملفت في خياطته ولونه…حتى أصبح بعض الحجاب لا ينطبق عليه الستر الشرعي الذي قُصد في الآية القرآنية﴿ … وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ … ﴾ 1

هذا مع العلم ان لبس الحجاب في بلاد المسلمين كان شائعاً عند النساء المؤمنات، وبحسب الفطرة ، مما تتوافر فيه الشروط الذي ذكرها الإسلام، ومنها:‏

أولاً: تغطية تمام الجسد، مع إخراج الوجه والكفين كما هو رأي بعض الفقهاء ، وإن كان الإحتياط فيهما مطلوبا.‏

والملاحظ في السنوات الأخيرة وفي المجتمع اللبناني بشكل خاص، التساهل في إظهار بعض أنحاء الجسد مثل: المعصمين (مكان الساعة أو الإسوارة)، القدمين، أسفل الذقن… وهذه أمور من الواضح شرعا أنه لا يجوز إظهارها، وإن بلغ فيها التهاون مبلغا.‏

ثانياً: أن لا يكون ملفتاً لا في لونه ولا في شكله(موديله) بحيث يكون داعياً لوقوع نظر المتربصين أو الفاسدين أو ضعاف الإيمان أو الذين في قلوبهم مرض.‏

﴿ … يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ … ﴾ 2

وفيما يتعلق بخصوص اللون لا بد من اختيار الغامق منه وهذا ما درجت عليه عادات المؤمنات الصالحات.‏

فالهدف من الحجاب ستر الجسد ورد النظرات المسيئة، وإن كنا في أيامنا هذه نرى بعض أنواع الحجاب التي تدعو الأجانب(غير المحارم) الى إمعان النظر.‏

ثالثاً: أن لا يكون شفافاً يحاكي ما تحته، فهذا مخالف للحجاب بداهة.‏

رابعاً: أن يكون واسعاً فضفاضاً وهذا الشرط من أهم الشروط التي يجب التنبيه عليها في أيامنا هذه بعد أن شاع الضيِّق والمـُكسِّمُ للجسم من خلال ما يسمى بالحجاب “المودرن، أو حجاب الموضة، أو حجاب الشيك، أو الحجاب المنفتح، أو الحجاب الفرنسي…….”.‏

خامساً: أن لا يكون ثوب تشبه بالرجال أي مما يلبسه الرجال خاصةً فقد لعن النبي (ص) لبس المرأة الذي تتشبه فيه بالرجال.‏

فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله «المتشبِّهين من الرجال بالنساء، ولعن المتشبِّهات من النساء بالرجال».‏

ورُوي عنه صلى الله عليه وآله: «ليس منَّا مَنْ تشبَّه بالرجال من النساء، ولا من تشبَّهَ بالنساء من الرجال».‏

وكان صلى الله عليه وآله يزجر الرجل أن يتشبَّه بالنساء، وينهى المرأة أن تتشبَّه بالرجال في لباسها‏.

سادساً: عدم جواز التشبه بالفاسقين أو الفاسدين في ألبستهم وتهتكهم وتهاونهم، فمن تشبه بلباس قوم أخذ من أخلاقهم، والمقلِّد يتَّبع المُقلَّـد.‏

والجدير ذكره أن بعض الألبسة النسائية الكاشفة أو المغرية تختص بالزوج فقط دون غيره، ولبسها أمام المحارم فيه أضرار غير محمودة.‏

سابعاً : عدم جواز التشبُّه بالكفار فيما يُعرفون به، أو يختصُّ بهم ، وواضـح أنَّ سـبب التشـبُّه الشـائـع عقــدة النَّقص والانهزاميـة.‏

ورد في النّص عن الإمام الصادق عليه السلام عن نبيٍ من أنبياء الله تعالى أنَّه قال:‏

«لا تلبسوا لباسَ أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسـلكوا مسـالك أعدائـي، فتكونـوا أعدائــي كما هم أعدائي».‏

وكان منهال عند الإمام الصادق عليه السلام، وكان يلبس حذاء كما يلبس اليهود (من حيث شكله)… فعدَّلها، بعد أن لفت نظره الإمام إلى ذلك.‏

وعن أبي الحسن عليه السلام أنَّه نظر لِمَنْ لبس مثل ذلك، ثم قال له مُسْتنكراً عليه: «أتُريدُ أن تتهوَّد؟».‏

ومما لا شك فيه، ونرى ذلك كل يوم، أن التهاون في أمر الحجاب وتجاوز شروطه، يفسد المجتمع كله ، كما يشكل خطراً على الأسرة والعلاقة الزوجية، وما نراه اليوم من فساد الأخلاق وانتشار المحرمات والمتاجرة بالمرأة في الدعاية والترفيه والإعلام ومن تسهيل المعاصي…. إلا بعض نتائج ترك الحجاب أو التهاون في شروطه.‏

وهنا لا بد من الإشارة الى أن كل المجتمعات الإسلامية كانت تـتزيَّ بالعباءة أو ما يشباهها من حيث اللون والسعة ، وسمي ذلك بالملاءة أو العباءة أو التشادور أوالرداء أوالإزار (يُـشتمل به، فيجلل جميع الجسد3) وهي مسميات لشيء واحد ولكن تعددت أسماؤه تبعاً لإختلاف اللهجات العربية التي تستعملها وما شاكل ذلك.‏

ونحن في بلاد الشام، ومنها لبنان، وحتى قرن من الزمان، كانت النساء تتستر بالستر التام بما فيه الوجه، وذلك قبل أن يغزوها التغريب في عهد الاستعمار الغربي، فقد تعجب إذا عرفت بأن المسلمة عندنا كانت تستر وجهها بالنقاب، وهذا ما ذكره “فيليب حتي” في كتابه “تاريخ لبنان” 4 متحدثًا عن أحوال بيروت: تغلغل النفوذ الغربي إلى داخل البلاد، وأصبحت بيروت الميناء الرئيس …(إلى أن يقول في وصفها) لم يكن مألوفًا أن يُرى الرجل متأبطًا ساعد امرأة خارج البيت، وقلّ أن يرى المرء في شوارع بيروت رجالا أوروبيين يرتدون ملابسهم الغربية….‏

إلى أن يقول: وفي جميع هذه المدن كانت المرأة النصرانية تغطي وجهها بحجاب كما تفعل المرأة المسلمة.‏

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا متحدثًا عن للبنان وأحواله حتى زمن القريب:كانت المسلمات في بيروت أشد محافظة على التقاليد….. وإنما يكن مع الرجال سادلات على وجوههن النقاب الإسلامبولي الأسود، لا سافرات.. 5.

ولا ننسى أن التهاون، إنما جاء بعد انهزامنا أمام الغرب وانصياعنا لأوامره حيث بدء المتأثرون به بنزع الحجاب والدعوة الى ذلك، وتجاوب معهم الكثيرون من المنهزمين وغير المسلمين.‏

وما زال الحقد على الحجاب قائماً، وسيبقى، لأنه من شعارات الإسلام ،وما نسمعه اليوم من مواقف غربية من الحجاب ليس جديداً فالمطلع على تاريخهم يرى كيف خططوا وشهَّروا وروَّجوا وحمَّسوا لنزع الحجاب، وقصصهم معروفة ومشهورة في الجزائر والمغرب ولبنان ومصر وسوريا وغيرها من البلدان الإسلامية.‏

وأثـناء كتابتي لهذه الكلمات، شكت المذيعة في قناة الجزيرة “خديجة بن قنة” من أن وزير الخارجية الفرنسي رفض اجراء مقابلة معها بعد موافقته المبدئية وذلك لسبب واحد هو:‏

إرتدائها الحجاب!!!‏

فيا ليتـنا نرجع الى الدقة الشرعية في ارتدائنا للحجاب وفي ذلك رضى الله تبارك وتعالى وطاعة له والذي لا يـُستبدل بأي شيء آخر، وفي ذلك أيضاً سعادة في الدنيا وفوزاً في الأخرة.‏

أيتها الأخوات الغيورات إن “فوضى الحجاب” الضاربة في مجتمعنا في السنوات الأخيرة، يجب أن تحسم منكن وأنتن ترون هجمة الأعداء علينا فالمحافظة على شروط الحجاب ليس بحاجة الى اتصالات ومواصلات وأموال وقرارات وعبور للقارات، إنما بحاجة لفتاة مؤمنة تقية تملك قرارها من أجل رضى ربها.‏

فنحن في زمان فـقـد فيه الحياء ، فنـرى الكاشــفات العاريــات يفتخرن، وفي نفس الوقت يُعيِّرن المصونة، المحافظة على جسدها من بيعه مجاناً للناظرين والعابرين والطامعين.‏

رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن نساء آخر الزمان واقتراب الساعة، وهو شرُّ الأزمنة، قولُه:‏

«… داخلاتٌ في الفتن، مائلاتٌ إلى الشهوات، مسرعاتٌ إلى اللَّذات، مستحلاِّتٌ للمحرمات، في جهنَّم خالدات».‏

فيا أيتها الأخوات :‏

﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 6  7‏8.

  • 1. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 31، الصفحة: 353.
  • 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 59، الصفحة: 426.
  • 3. لسان العرب لإبن منظور ج1 ص273.
  • 4. ص 516.
  • 5. انظر: رحلات محمد رشيد رضا؛ للدكتور يوسف ايبش، ص 244 – 247.
  • 6. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 29، الصفحة: 421.
  • 7. للمزيد راجع للكاتب “العباءة النسائية…إلى أين؟” و “قصةالحجاب الأعرج”.
  • 8. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا (حفظه الله).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى