نور العترة

استحباب البكاء في ذكرى الحسين(ع)…

لقد وردت روايات كثيرة في لزوم الصبر عند المصيبة و عدم الجزع عند فقد الأحبة، و مع ذلك نشاهد مظاهر الجزع لدى الشيعة في موسم عاشوراء و غيرها من المواسم، فكيف نجمع بينهما؟

النهي عن الجزع في الاحاديث

لقد ورد النهي عن الجزع عند المصيبة في الاحاديث و الروايات، لكن هذا النهي ليس مطلقاً فهناك مستثنيات أشارت اليه الاحاديث نفسها.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: “الْمُصِيبَةُ وَاحِدَةٌ فَإِنْ جَزِعْتَ كَانَتِ اثْنَتَيْنِ” 1.
و هذا أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول عند دفن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله: ” إِنَّ الصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلَّا عَنْكَ وَ إِنَّ الْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلَّا عَلَيْكَ وَ إِنَّ الْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ وَ إِنَّهُ قَبْلَكَ وَ بَعْدَكَ لَجَلَلٌ ” 2.
وَ رُوي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: ” ُ إِنَّ الْبُكَاءَ وَ الْجَزَعَ مَكْرُوهٌ لِلْعَبْدِ فِي كُلِّ مَا جَزِعَ- مَا خَلَا الْبُكَاءَ وَ الْجَزَعَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ‏ عليه السلام فَإِنَّهُ فِيهِ مَأْجُورٌ ” 3.

معنى الجزع

و لكي نعرف المقصود من الجزع الوارد في الاحاديث و الروايات لا بُدَّ أن نرجع إلى الاحاديث نفسها.

معنى الجزع

عن النبي صلى الله عليه و آله أَنَّهُ قَالَ:‏ “‏إِنَّ الْجَزَعَ عَلَى الْمُصِيبَةِ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُهُ، أَوْ يَتْرُكَ شَيْئاً كَانَ يَعْمَلُهُ‏”.
عَزَّى رَجُلٌ رَجُلًا فَقَالَ: “إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ أَحْدَثَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ خَيْراً أَوِ اكْتَسَبَتْكَ أَجْراً وَ إِلَّا فَمُصِيبَتُكَ فِي نَفْسِكَ أَعْظَمُ مِنْ مُصِيبَتِكَ فِي مَيِّتِكَ‏‏” 4.
و عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ5 عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا الْجَزَعُ؟
قَالَ: “أَشَدُّ الْجَزَعِ الصُّرَاخُ بِالْوَيْلِ وَ الْعَوِيلِ وَ لَطْمُ الْوَجْهِ وَ الصَّدْرِ وَ جَزُّ الشَّعْرِ مِنَ‏ النَّوَاصِي،‏  وَ مَنْ أَقَامَ النُّوَاحَةَ فَقَدْ تَرَكَ الصَّبْرَ وَ أَخَذَ فِي غَيْرِ طَرِيقِهِ‏،  وَ مَنْ صَبَرَ وَ اسْتَرْجَعَ وَ حَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ رَضِيَ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ وَ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَ هُوَ ذَمِيمٌ‏  وَ أَحْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرَهُ” 6.
و هناك روايات تأمر بالجزع على سيد الشهداء و أبي الأحرار الامام الحسين عليه السلام، فقد رُوي عن الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال في حديث: ” ثُمَّ لْيَنْدُبِ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ يَبْكِيهِ وَ يَأْمُرُ مَنْ فِي دَارِهِ مِمَّنْ لَا يَتَّقِيهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ، وَ يُقِيمُ فِي دَارِهِ الْمُصِيبَةَ بِإِظْهَارِ الْجَزَعِ عَلَيْهِ ” 7.
أما الهدف من الجزع على مصائب الحسين عليه السلام فهو لإحباط الجهود المبذولة من قبل الأعداء للقضاء على النهضة الحسينية و إخماد لهيبها المتوهج، حيث لا ينبغي السكوت بل لا يجوز السكوت في القضايا المصيرية للأمة الإسلامية.

  • 1. عيون الحكم و المواعظ: 26، حديث رقم: (313)، لعلي بن محمد الليثي الواسطي، المتوفى في القرن السادس الهجري، الطبعة الأولى، سنة 1418 هجرية، قم/إيران.
  • 2. نهج البلاغة: 527، طبعة صبحي الصالح.
  • 3. وسائل الشيعة: 14 / 506، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم / إيران.
  • 4. تنبيه الخواطر و نزهة النواظر (مجموعة ورام): 1 / 16، لورّام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، المتوفى سنة: 605 هجرية، الطبعة الأولى، قم/ايران سنة 1410 هجرية.
  • 5. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
  • 6. الكافي: 3 / 222، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.
  • 7. وسائل الشيعة: 14 / 509.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى