نور العترة

الأئمة عليهم السلام…

نص الشبهة: 

يحتج الشيعة على ثبوت الإمامة لأئمتهم الاثني عشر بحديث: «لا يزال الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش». وفي رواية: «يكون اثنا عشر أميراً». وفي رواية: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا» (أخرجه البخاري ومسلم). فيقال: الحديث برواياته صريح في أن هؤلاء الاثني عشر يكونون «خلفاء» و«أمراء» على الناس، ومعلوم أن أئمة الشيعة لم يتول منهم الخلافة والإمارة سوى علي وابنه الحسن. فالحديث في وادٍ والشيعة في وادٍ آخر! ولم تُسمِّ الروايات هؤلاء الخلفاء ولا واحداً منهم .. !

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد تقدم مضمون هذا السؤال برقم 60 وتقدم جوابه، فراجع..
ولكننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن الحديث الذي ذكره عن الأئمة الاثني عشر، رواه بضعة وعشرون صحابياً، كما ورد في بعض المصادر 1.
والحديث برواياته ليس صريحاً بلزوم كون الاثني عشر حكاماً بمعنى السلطنة، والحكومة، بدليل قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 2.
فإن آدم لم يكن سلطاناً، ولا ملكاً، ولا حاكماً. بل كان نبياً اصطفاه الله أبا للبشر، وهادياً لهم..
وبدليل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ … ﴾ 3. أي أن بعضكم يخلف بعضاً، ويأتي بعضكم تلو البعض الآخر، وليس المراد السلطنة الفعلية، إذ لا يعقل أن يكون جميع أفراد هذه الجماعات سلاطين وملوكاً.
وقد سمى رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» بـ «أمير المؤمنين» في حال حياته 4، ولم يكن سلطاناً ولا حاكماً..
كما أنه حين خطب عمر أم كلثوم بنت علي «عليه السلام» قال له علي «عليه السلام»: إن لي أميرين 5.. يقصد بذلك الحسن والحسين «عليهما السلام»، ولم يكن للحسنين سلطة ولا حاكمية..
ثانياً: أما حديث «ما و ليهم اثنا عشر رجلاً» فهو على قاعدة: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾6.
وهو نظير قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» فى غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟!
قالوا: بلى.
قال: فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه.. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار.
ثالثاً: أما بالنسبة لقول السائل: لم تسم الروايات هؤلاء الخلفاء، ولا واحداً منهم.. فنقول:
قد سمَّى النبي «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» في يوم إنذار عشيرته الأقربين، وفي يوم الغدير، وفي عشرات المواطن الأخرى. وسمى الحسن والحسين «عليهما السلام» إمامين، فقال: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا.. وهناك روايات أخرى ذكرها الشيعة في مصادرهم، وذكر العديد من علماء أهل السنة روايات تسمِّي الأئمة «عليهم السلام» بأسمائهم، وهي مروية عن النبي«صلى الله عليه وآله»..
رابعاً: ليس المقصود بهذا الخبر الإخبار عن أمر سيحصل في المستقبل، بل المقصود هو إرشاد الناس إلى هؤلاء الذين يخلفون النبي «صلى الله عليه وآله»، ويكونون أوصياءه، وحثهم على طاعتهم، والقبول منهم.. فهو إنشاء وحض وطلب، وإرشاد إلى لزوم الطاعة، ولكنه قد جاء في صوره الإخبار.
وشاهدنا على ذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخذ البيعة من الناس للأول منهم، وهو علي أمير المؤمنين «عليه السلام». ولكن الناس لم يطيعوه بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله»، ولم يفوا له ببيعته. فهل هذا يبطل إمامته، ويسقط عنه لقب أمير المؤمنين الذي منحه الله ورسوله إياه ؟! أم أنهم يكونون عاصين بفعلهم، ويجب عليهم العودة إلى الالتزام والوفاء بما عاهدوا الله عليه ؟!
والشاهد الأوضح دلالة: هو قوله «صلى الله عليه وآله»: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا 7، فإن كلمة «قعدا» تدلُّ على أن المقصود هو إنشاء هذا المقام وجعله لهما. وليس الإخبار عن أمر قد حصل، إذ لو كان إخباراً عن الحاكمية والسلطنة لهما «عليهما السلام» لكان هذا الخبر كاذباً، لعدم وصول الإمام الحسين «عليه السلام» إلى السلطة.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 8.

  • 1. راجع: محمد باقر الأنصاري الخوئيني في مقدمة كتاب سليم بن قيس الهلالي ج 1 ص 172 ـ 180.
  • 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 30، الصفحة: 6.
  • 3. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 14، الصفحة: 209.
  • 4. تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص303 والكافي ج 1 ص 292 والأمالي للصدوق ص 436 والخصال ص 464 وروضة الواعظين ص 99 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج 1 ص 336 وج 2 ص 342 و 343 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق محمد باقر الأنصاري) ص 148 و 205 والهداية الكبرى ص 102 و 103 و 412 والمسترشد ص 584 و 586 والإرشاد للمفيد ج 1 ص 48 والأمالي للمفيد ص 19 ورسالة في معنى المولى للمفيد ص 35 و 38 و 39 والاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 83 و 108 و 219 و 230 والخرائج والجرائح ج 2 ص 806 ومناقب آل أبي طالب ج 2 ص 252 و 253 وبحار الأنوار ج 28 ص 92 و 93 و 94 و 124 و 212 و 221 و 266 وج 29 ص 23 وبحار الأنوار ج 36 ص 148 و 157 و 169 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 15 ص 223 عن ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر (ط بيروت) ج 2 ص 259.
  • 5. ذخائر العقبى ص 169.
  • 6. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
  • 7. راجع: علل الشرائع ج 1 ص 211 والإرشاد للمفيد ج 2 ص 30 ومناقب آل أبي طالب ج 3 ص 394 وكشف الغمة ج 1 ص 533 وروضة الواعظين ص 156 وراجع: الفصول المختارة للشريف المرتضى ص 303 ومجمع البيان ج 2 ص 452 و 453 و311 وغنية النزوع للحلبي ص 299 والسرائر لابن إدريس ج 3 ص 157 وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص 404 والإرشاد للمفيد ج 2 ص 30 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص 303 والمسائل الجارودية للمفيد ص 35 والنكت في مقدمات الأصول للمفيد ص 48 ومناقب آل أبي طالب ج 3 ص 141 و 368 وبحار الأنوار ج 16 ص 307 وجوامع الجامع للطبرسي ج 3 ص 70 وإعلام الورى ج 1 ص 407. وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 26 ص48 عن ابن كرامة البيهقي في كتابه الرسالة في نصيحة العامة (النسخة مصورة في مكتبة امبروزيانا بإيطاليا) ص18. ونقل المرعشي في ج 19 ص 217 عن الأستاذ توفيق أبو علم في «أهل البيت» (ط مطبعة السعادة بالقاهرة) ص 195: وقد تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا، وهما ريحانتاي من الدنيا.
  • 8. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، الجزء الثالث، 1431 هـ. ـ 2010 م، السؤال رقم (117).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى