من مختصر الاخبار التي جاءت بسبب دعوته (عليه السلام)، وما أخذه على الناس في الجهاد من بيعته، وذكر جملة من امره في خروجه ومقتله: ما رواه الكلبى والمدائن وغيرهما من اصحاب السيرة. قالوا: لما مات الحسن (عليه السلام) تحركت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلى الحسين (عليه السلام) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر ان بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه، حتى تمضى المدة ، فاذا مات معاوية نظر في ذلك، فلما مات معاوية وذلك للنصف من رجب سنة ستين من الهجرة، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وكان على المدينة من قبل معاوية ان يأخذ الحسين (عليه السلام) بالبيعة له، ولا يرخص له في التأخر عن ذلك، فانفذ الوليد إلى الحسين (عليه السلام) في الليل فاستدعاه فعرف الحسين (عليه السلام) الذى أراد، فدعي جماعة من مواليه فأمرهم بحمل السلاح وقال لهم: ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيب اليه، وهو غير مأمون، فكونوا معي فاذا دخلت اليه فاجلسوا على الباب، فان سمعتم صوتي قد علافا دخلوا عليه لتمنعوه عنى.
فصار الحسين (عليه السلام) إلى الوليد، فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى اليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين (عليه السلام) ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين (عليه السلام): انى لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل فقال الحسين (عليه السلام): فتصبح وترى رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع
لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه؟ فوثب الحسين (عليه السلام) عند ذلك وقال: أنت يأبن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت، وخرج يمشى ومعه مواليه حتى اتى منزله، فقال مروان للوليد: عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا، فقال له الوليد: ويح غيرك يا مروان، انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحب ان لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا ملكها وانى قتلت حسينا، سبحان الله ! أقتل حسينا لما أن قال: لا أبايع، والله انى لا أظن ان امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة، فقال له مروان: فاذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه. فأقام الحسين (عليه السلام) في منزله تلك الليلة وهى ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكبا من موالى بني امية في ثمانين راكبا فطلبوه ولم يدر كوه فرجعوا، فلما كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال إلى الحسين (عليه السلام) ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية فقال لهم الحسين (عليه السلام): اصبحوا ثم ترون ونرى ! فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه، فخرج (عليه السلام) من تحت ليلته وهى ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة ومعه بنوه وبنوا أخيه واخوته وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية رحمة الله عليه فانه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه، فقال له: يا أخي أنت أحب الناس الي وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لاحد من الخلق إلا لك، وأنت أحق بها، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فان بايعك الناس وبآ يعوالك حمدت الله على ذلك، وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولا تذهب به مروتك ولا فضلك، انى اخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك واخرى عليك، فيقتلون فتكون لأول الاسنة غرضا، فاذا خير هذه الامة كلها نفسا وأبا واما أضيعها دما واذلها اهلا؟ فقال له الحسين (عليه السلام): فاين أذهب يا أخى؟ قال: انزل مكة فان اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وان بنت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير امر الناس اليه فانك أصوب ما تكون رايا حين تستقبل الامر استقبالا، فقال: يا أخى قد نصحت وأشفقت وأرجوأن يكون رأيك سديدا موفقا.
فسار الحسين (عليه السلام) إلى مكة وهو يقرأ: ” {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 21] ” ولزم الطريق الاعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الاعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب؟ فقال: لا والله لا افارقة حتى يقضى الله ما هو قاض. ولما دخل الحسين (عليه السلام) مكة كان دخوله اياها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ: ” {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } [القصص: 22]” ثم نزلها فاقبل اهلها يختلفون اليه ومن كان بها من المعتمرين واهل الافاق، وابن الزبير بها قدلزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي عندها ويطوف، ويأتي الحسين (عليه السلام) فيمن يأنيه فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كل يومين مرة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير، قد عرف ان أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين (عليه السلام) في البلد وان الحسين (عليه السلام) أطوع في الناس منه وأجل. وبلغ اهل الكوفة هلاك معاوية (عليه الهاوية) فارجفوا بيزيد وعرفوا خبر الحسين (عليه السلام) و امتناعه من بيعته وما كان من امر ابن الزبير في ذلك وخروجهما الي مكة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعى فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه، فقال سليمان بن صرد: ان معاوية قدهلك وان حسينا قد تقبض على القوم ببيعته، وقد خرج لى مكة وانتم شيعة أبيه، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه وتقتل أنفسنا دونه، فاكتبوا اليه وأعلموه، وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه؟ قالوا: لابل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا اليه، فكتبوا اليه:
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي (عليهما السلام) من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد البجلي، وحبيب بن مظاهر، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله إلا هو اما بعد فالحمدلله الذى قصم عدوك الجبار العنيد، الذى انتزى على هذه الامة فابتزها أمرها وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضى منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنياتها فبعدا له كما بعدت ثمود، انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله أن يجمعنابك على الحق، والنعمان بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا انك قد أقبك الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام أنشاء الله تعالى.
ثم سرحوا بالكتاب مع عبدالله بن مسمع الهمداني وعبدالله بن وال وأمروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين (عليه السلام) بمكة لعشر مضين من شهر رمضان، ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالله وعبدالرحمن ابنا شداد الارحبى، وعمارة بن عبدالله السلولى إلى الحسين (عليه السلام)، ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والا ربعة.
ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا اليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي.
و كتبوا اليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي (عليهما السلام) من شيعته من المؤمنين والمسلمين امابعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لارأى لهم غيرك، فالعجل العجل ثم العجل العجل، والسلام.
ثم كتب شبث بن ربعى، وحجار بن ابجر، ويزيد بن الحارث بن رويم، وعروة بن قيس، و عمروبن الحجاج الزبيدى، ومحمد بن عمرو التيمي، اما بعد فقد اخضر الجنات وأينعت الثمار فاذا شئت فاقبل على جندلك مجند، والسلام، وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتاب وسئل الرسل عن الناس، ثم كتب مع هاني بن هانئ وسعيد بن عبدالله وكانا آخر الرسل: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملاء من المؤمنين والمسلمين، اما بعد فان هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذى اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى، وانى باعث اليكم أخى وابن عمى وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فان كتب إلى انه قد اجتمع رأى ملاء كم وذوي الحجي والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فاني أقدم اليكم وشيكا أنشاء الله، فلعمرى ما الامام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله والسلام.
المصدر: http://h-najaf.iq