حملوا على الحسين ” عليه السلام ” يرمونه بالسهام حتى تخالفت بين أطناب الخيام كأنها المطر ألغزيرفحمل عليهم كالليث الغضبان ، فلا يلحق احداً إلا بعجه بسيفه فيقتله والسهام تأخذه من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره وهو يكثر من قول ” لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم “، حتى رماه لعين منهم بسهم في جبهته فنزعه وسالت الدماء على وجهه فقال روحي له الفداء : ” اللهم انك ترى ما انا فيه من عبادك هؤلاء العصاة اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تذر على وجه الارض منهم احداً ولا أبداً ” .. فصاح بصوت عال قائلا : ” يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته اما انكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم اياي ، وايم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ” .
ملحمة اخرى ابصرت النور بأنامل الفن الرقيقة ومخيلتها الواسعة لتجسد اللحظات الاخيرة لأبي عبد الله الحسين وهو مثخن بسهام ورماح الحقد الاموي،وقد نفذت احداث اللوحة بريشة الفنان الايراني الولائية ” حسن روح الامين ” الذي لطالما ابدع في تصوير احداث الطف وثورة الحسين في منجزاته الفنية ، وكما هو معتاد لدى الفنان فقد استخدم تقنية الزيت على القماش بتنفيذها وبأسلوب اقرب للفن الجداري ، معتمدا في طرح فكرة العمل للمتلقي على مخيلته الواسعة وذاته المتوسمة بحب الحسين وآل البيت الاطهار سلام الله عليهم .
عمد حسن روح الامين بجعل السطح التصويري مشغول بأجمعه بكتل لونية قوامها اشكال بشرية و اخرى حيوانية ، وهي مشكلة وفق مشهد معبر من واقعة ألطف ولحظة التفاف الباطل حول الحق في محاولة لقتل الحسين عليه السلام والنيل من دين جده المصطفى صلوات الله عليه وآله ، واتى الفنان بأشكال اللوحة وعناصرها موزعة بعملية تنظيمية أحتفضت بأماكنها وزمانها لتطابق السرد الحكائي لحقائق ألواقعة فقد سعى روح الامين إلى تمثيل درامي لها وفق بناء جمالي خاص حاول من خلاله أن يلم بمجمل أحداثها المبتغاة وفقاً لمرجعياتها التاريخية المدونة والمروية،معتمداً منهجاً واقعياً تعبيرياً ورمزياً متخذاً من المضمون أساسا لبناء أشكاله، ويمكن استطلاع جماليات العمل من تتبع آلية الإنشاء المكاني والزماني والعلاقات الترابطية فيما بينهما.
أتخذ الرسام من الفضاء الكلي للوحة مسرحاً وزع فيه بعملية تنظيمية أدوات تمثيله الفنية ليحاكي واقعية ألحدث وفق منظور روحي ، فأنشأ أكثر من مركز للبصر خلصت إلى ما يقرب من خمسة عشر مشهدا ان اردنا تفحص احداثها ، فقد عمد حسن الى تأسيس بنية مكانية اختصت بزمان لتتحول الصورة الذهنية إلى بنية جمالية احتضنت رموز معلومة المداليل في الذهن الجمعي لتشكل تأريخاً بصرياً صادقا مؤثرا عن تلك الفاجعة .
أستطاع الفنان في هذا المنجز الفني الملحمي أن يؤسس لنقطة ارتكاز رئيسة بدت مشعة لمراكز ثانوية اخر ى تعيد باتحادها ” المركز الرئيسي مع الثانوي ” صورة الكل عبر اختيار شكلا معينا من اللوحة أزاح عنه الكتل المزدحمة ليعطي إيحاء روحيا للاستقرار والسكون ليثير الاحاسيس الوجدانية والعاطفة تعبيرا عن المقدس ” الامام الحسين وسط اللوحة “،عامداً إلى دمج الخط باللون لتكوين الأشكال بهيئتها النهائية المميزة للمشاهد كبانوراما تاريخية دامية محطتها الأولى مشهد المعركة والذي وفق الرسام بإعطاء إحساس بصخبها وزحمة التلاحم فيها من خلال تجاور شخوصها وبعدها المنظوري والبؤري، اضافة الى ملمس شخوصها وأدواتها عبر استخدامه للألوان لجعلها تبدو مميزة كخطوط منحنية باتجاهات الطول والعرض وشمال ويمين المشهد التصويري ، ليشغل فيها اكبر مساحة من اللوحة بغية تحقيق التنظيم والتغير في حركات الاشخاص “ملامح الوجوه وحركات الأيدي و الأجساد “، متبعاً التساوي في الكتل حسب موقعها وتلازمها ليعطي إيقاعا صاخبا يمثل مضمون مشهد المعركة ، متبعا التبادل اللوني بين غامق وفاتح لينتج المراكز البصرية المذكورة انفا ، والتي اختصت بفكرة المشهد كإفراز ناتج عن المركز الرئيسي وسط اللوحة والمتمثل بشخص ابي عبد الله الحسين عليه السلام .
استخدم الفنان الوان اللوحة بحنكة ودراية فنية عاليتين فقد شرع باستخدام الوان الأحمر والأخضر والبني وبعض الاصفر لتميز العنصر القائد ” مركز السيادة الرئيسي ” في الوسط تطابقاً للمرجعية التاريخية للواقعة ، بغية تحقيق الوحدة في بناء الاشكال والتي أخضعت لتطابق الواقعية والانفعال العاطفي والوجداني العقائدي لدى المتلقي وعند الفنان ، مؤكدا ذلك بمحاولاته الجادة والواضحة لإظهار الوان الوجوه ونظراتها الاجرامية الحاقدة لاستقراء جوهرها عبر استخدامه للضوء والظل في تشكيلها وإظهار عدتها الحربية وأزيائها فضلا عن ، ابتعاده عن تصوير ملامح المقدس ليكتفي بصراحته اللونية التي ميزت بملابس الامام الحسين ودماءه السائلات وهو استقراء اخر واضح للمتلقي للفصل بين المقدس والمدنس والخير والشر وهي الفكرة الأساسية للموضوع .
ان النظام والتنسيق والتقابل والتناظر والتكرار وتنوع حركات الاجسام في اللوحة قد شكل أبعادا جمالية وإيقاع روحي للمقدس وإشعاعه وفيضه من والى المركز مما أعطى بعداً إنشائيا يتجاوز حدود اللوحة وإطارها الى حدود الروحانية في طرح الاحداث وجعلها مؤثرة في نفس المتلقي .. لتبقى ثورة الحسين عليه السلام وتضحياته بالغالي والنفيس مقياسا خالدا للثورات ومثالا للإنسانية اجمع …فأنت يا سيدي يا ابا عبد الله تراث الاحرار وعبقهم الذي لا ينضب فسلام عليك وعلى دمائك السائلات وشفاهك الذابلات ورحمة الله وبركاته .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة