الباحث: الشّيخ سجاد عبد الحليم الرّبيعي
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.
الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، المولود (3 هـ ) ، (ت:49 هـ)، من أبرز أعلام التاريخ الإسلامي بعد وصي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولد(عليه السلام) في أشرف بيت في الإسلام ، بالمدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان المبارك على المشهور بين الخاصة والعامة، وهو أول أولاد علي بن ابي طالب وفاطمة(عليهما السلام)، بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾[1] ، يارسول الله(صلى الله عليه وآله) نحن نعطيك الخير الكثير، ونجعل ذريتك من بنتك الزهراء لتبقى ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله) حاضرة في هذا العالم[2].
ماذا تعني ولادة الإمام الحسن(عليه السلام)؟ هذه الولادة لم تكن كأي ولادة أخرى بعد السنين العجاف ثلاث عشر سنه في مكة من دعوة سرية إلى تحضير لتوسيع مساحة الدعوة، حتى كانت الهجرة إلى مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي بدايات التأسيس للمشروع الإلهي بالمحن والآلام ، ومن ثم جاء هذا الخبر السار، وجاءت هذه الولادة الميمونة لتعبر عن فرحة غامرة تكسر كل تلك المحن وتلك الآلام التي عاشها المسلمون على مدار ست عشر سنة. كان الإمام المجتبى(عليه السلام) يمثل التجسيد العملي لهذا الوعد الإلهي، حيث بدأت هذه الذرية بإمامنا المجتبى( صلوات الله وسلامه عليه)، فلذلك كانت الفرحة كبيرة والسعادة غامرة بهذا الحدث العظيم، ونجد أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان له أهتمام في أن يسمي هذا الوليد ولم يتقدم عليه علي وفاطمة(عليهما السلام)، ولكن رسول الله أيضا لم يشأ أن يسميه ، ترك تسميته إلى السماء على ما ورد في الخبر المتواتر عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) ، كما يرويه الصدوق في آماليه: عن أبي حمزة الثمالي ، عن زيد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، قال : لما ولدت فاطمة الحسن ( عليهما السلام )، قالت لعلي ( على السلام ) : سمه . فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله . فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأخرج إليه في خرقة صفراء ، فقال : ألم أنهكم أن تلفوه في [ خرقة ] صفراء ، ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفه فيها ، ثم قال لعلي ( عليه السلام ) : هل سميته ؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ): وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط واقرئه السلام وهنئه ، وقل له : إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى ، فسمه باسم ابن هارون . فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) فهنأه من الله عز وجل ، ثم قال : إن الله عز وجل يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون . قال : وما كان اسمه ؟ قال : شبر . قال : لساني عربي . قال : سمه الحسن ، فسماه الحسن[3] . حين تراجع الروايات الكثيرة الواردة في طريقة تعامل رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع الحسن والحسين(عليهما السلام)، حيث نرى هذا التعامل كان مميزا ، يختلف عن كثير من التعاملات الأخرى، فيه أحترام ، فيه مودة، فيه محبة، فيه تقدير، فيه أبرازهما بين المسلمين. أنه درس عظيم من رسول الرحمة والعظمة في الاهتمام بالرعاية والرحم، وهو كيفية توظيف العاطفة، وكيف نستثمر المشاعر والاحاسيس من أجل تحقيق الأهداف والغايات السامية وكيفية أن نكون رحماء بيننا ، ورفقاء مع أولادنا، يكشف لنا بحد ذاته عن المنهج الإسلامي العظيم . في قرب الإسناد: عن جعفر ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : (بينما الحسن والحسين يصطرعان عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : هي يا حسن فقالت فاطمة : يا رسول الله تعين الكبير على الصغير ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : جبرئيل يقول : هي يا حسين وأنا أقول : هي[4] يا حسن . بيان : قال الفيروزآبادي : هيك : أسرع فيما أنت فيه)[5]. وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) في بعض أيام صفين، وقد رأى الحسن(عليه السلام) يتسرع إلى الحرب (امْلِكُوا عَنِّي هَذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي ، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ يَعْنِي الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ ( عليه السلام ) ، عَلَى الْمَوْتِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّه ( صلى الله عليه وآله )[6]، كنّى بقوله : لا يهدّني على تقدير هلاكه عن إضعافه لركنه وانكسار نفسه بذلك . ثمّ على علَّة أخرى لوجوب المحافظة عليه مع أخيه (عليهما السّلام) وهى المحافظة على نسل الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله [7]. شرعا لا عرفا ، لقوله تعالى : ﴿فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ﴾[8] . وبسبب أهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) وأشرافه بنفسه القدسية، أمتاز (عليه السلام) بفضائل وخصائص من جملتها. إيمانه الحقيقي بالله سبحانه وتعالى وتوحيده وعبادته من أهم المحاور التي دارت حولها شخصية (عليه السلام) الذي سخر كل طاقاته البدنية والنفسية لإجلها وبلورتها في واقع الإنسانية، كما شهد لذلك القريب والبعيد فيها، حتى أننا نكاد نلمحها في كل كلماته وأحاديثه الشريفة ، وهذه من الأمور الواضحة التي سجلها التاريخ الإسلامي في إيمانه (عليه السلام)، كما في الخبر عن ابن طاووس قال ( كان الحسن بن علي عليه السّلام إذا فرغ من وضوئه التمع لونه فقيل له في ذلك فقال حق لمن أراد أن يدخل على ذي العرش عز وجل أن يتغير لونه )[9] . إذا تميزت شخصية بوضوح رغم طروء أساليب الاقصاء، وبروز أنسجة الأساليب العدائية له ، فهو شخصية تتفق كافة الفرق الإسلامية على عظمته، وسماته، وشأنه، ومنزلته السامية في الإسلام، تلك المنزلة الرفيعة والمميزة التي نقرأها في كتب الفريقين . ويرى أهل السنة والجماعة أن الحسن (عليه السلام) ، هو أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين على حد قولهم، كما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) في الحسن بن علي(عليهما السلام):( ( إن ابني هذا سيد ، وإني أرجو أن يصلح الله به بين فئتين من أمتي ) وقال في حديث حماد : ( ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين )[10]. وأن النبي بشّر بأن الحسن سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، وأن هذا ما تحقق بإنهائه الفتنة الأولى التي حدثت بين المسلمين بتنازله عن الخلافة حفظًا لدماء المسلمين[11]. السلام عليك يا ابا محمد يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
الهوامش:
[1] سورة الكوثر، الآية:1
[2] ينظر تفسير الميزان ، السيد الطباطبائي(ت : 1402هـ)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 20 /370 .
[3] الأمالي، الشيخ الصدوق(ت: 381 هـ)، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية – مؤسسة البعثة – قم ، ط1 : 1417 ، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة:198 .
[4] لقاموس المحيط، الفيروز آبادي(ت : 817 هـ): 4/405 .
[5] قرب الاسناد، الحميري القمي(ت: 304 هـ)، تحقيق : مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث ، ط1: 1413 ، مط : مهر – قم، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث – قم:101 .
[6] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع )،(ت : 40 هـ)، تحقيق : شرح : الشيخ محمد عبده ، ط1 : 1412 – 1370 ش ، مط: النهضة – قم، دار الذخائر – قم – ايران:2 / 186 .
[7] شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني (ت : 679 هـ)، تحقيق : عدة من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها ط1: تابستان 1362 ش ، مط مكتب تبليغات إسلامي حوزه العلميه ـ قم:4 /15.
[8] سورة آل عمران ، الآية:61 .
[9] الوافي، الفيض الكاشاني(ت: 1091 هـ)، تحقيق : ضياء الدين الحسيني « العلامة » الأصفهاني، ط1 ، 1406 ه . كتبة الامام أمير المؤمنين علي (ع) العامة – أصفهان:8 / 846 .
[10] سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني(ت: 275 هـ)، تحقيق : تحقيق وتعليق : سعيد محمد اللحام، ط1 : 1410 – 1990 م : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع:2 / 405 .
[11] أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه – شخصيته وعصره، عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي، ط1 ، 1425 ه – 2004 م دار التوزيع والنشر الإسلامية ، مصر:1 / 367 .
المصدر: http://inahj.org