بسم الله الرحمن الرحيم
“مُروان بن الحكم” ليس من الصحابة، وهو مع ذلك قام بقتل أحد كبار الصحابة، وهو طلحة بن عبيد الله، والمقتول أحد السابقين، وممن بايع تحت الشجرة، ومعدود في العشرة المبشرين بالجنَّة في إطار مدرسة الخلفاء..
وقد صرَّح الحافظ ابن حجر العسقلاني بأن بعض أسانيد الروايات التي فيها لعنُ والد مروان وما ولد، هي أسانيد جيدة.
وصرَّح الفقيهُ ابن حجر الهيتمي أنَّ مروانَ من النَّواصب، أي من مبغضي أهل البيت.. ومن المعلوم أنَّ الناصبيَّ يُعدُّ من المنافقين؛ لقاعدة: (حبُّ عليٍّ إيمانٌ وبُغضه نفاق) .
وبناء عليه؛ تتوجَّه إلى “مروان بن الحكم” ثلاثةُ أمور قادحة:
الأمر الأوَّل: أنَّه قتل مؤمناً مُتعمِّداً، والقرآن الكريم ينصُّ على لعن من كان كذلك.
الأمر الثاني: أنَّه ملعون على لسان رسول الله (ص) بالأسانيد الجيِّدة حسب ما أفاد الحافظ ابن حجر.
الأمر الثالث: أنَّه معدود في مبغضي أهل البيت (ع) ، أي إنه ناصبي، والناصبي منافق.
وبالرغم من ذلك كلِّه اعتمد علماءُ أهل السنة وسلفُهم على مروان بن الحكم في رواية الدِّين..!
فمروان بن الحكم هو والي معاوية بن أبي سفيان على المدينة..!
ومروان بن الحكم من رجال “صحيح البخاري”، اعتمده البخاري في روايات صحيحه، وعدد مواضع روايته في صحيح البخاري لا تَقِلُّ عن عشرين موضعاً.
ومجموع مواضع روايات مروان ابن الحكم في الكتب الثمانية (صحيح البخاري، سنن الترمذي، سنن النسائي، سنن أبي داود، سنن ابن ماجة، مسند أحمد، موطأ مالك، سنن الدرامي) هو 80 موضعاً!!!
ولو جمعنا عدد مواضع رواياته في جميع كتب أهل السنة، فلعلَّ ذلك يصل إلى المئات.. وأغرب شيءٍ: أنَّ الحاكم صاحب “المستدرك”، وبالرغم من أنهم يتَّهمونه بالتشيُّع كذريعة للتهرُّب من روايات المناقب التي في المستدرك، الغريب أن الحاكم هذا أيضاً يروي عن مروان بن الحكم، ويُصحِّح له في عدَّة مواضع من كتاب المستدرك.. فما عشتَ أراكَ الدَّهرُ عجباً..!
خلاصة الاستفهام الذي نطرحه في هذا الموضوع: أنَّ مروان بن الحكم، بالرغم من كونه مجرماً ملعوناً منافقاً قاتلاً لأحد الصحابة المبشَّرين بالجنَّة.. كيف ساغ لعلماء أهل السنَّة أن يعتمدوه في الرواية ويعتبروه ثقةً صحيحَ الحديث؟!
مع أنَّ مما يتمظهر به علماء أهل السنة: شعارَ الدفاع عن الصحابة، فهم يُبرِّرون بغضهم وعداءهم لشيعة أهل البيت بأنَّ الشيعة يُكفِّرون أو يلعنون بعض الصحابة، مع أنَّ هذا متحقق ـ بأجلى صورة ـ في حالة مروان بن الحكم، وبالرغم من ذلك لا يوجد موقف جادٌّ إزاءَ هذا المجرم ومرويَّاته..!
فما هو تفسير هذه الظاهرة؟
هل هذا يعبر عن عدم صدقيَّة (دعوى الدفاع عن الصحابة) التي يتم طرحُها من قبل علماء أهل السنة؟
أم إنَّه يكشف عن أنَّ علماء أهل السنَّة يغلب عليهم حسُّ الموالاة لبني أُميَّة، فلا يتأتَّى منهم القدحُ في واحد من أهمِّ رجالاتهم؟
ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.