يوماً بعد يوم، تزداد صعوبة أو تباين تعريف بعض المصطلحات الرائجة الآخذة في الإزدياد، وإن أصبح تكرارها عادياً.
فما من يوم يمر إلاً ونسمع بطبقة” المثقفين” والنُخب يُدلون بآرائهم وطروحاتهم وإعتراضاتهم ومواقفهم، والمئات منهم يُوقّع عرائض ولوائح إستنكار أو تأييد، تحت عنوان “مجموعة من المثقفين والنخب”!.
وعندما قام البعض تطفّلاً بإستعراض أسماء هؤلاء “بالمفرّق”، وهو بالمناسبة ممن يُصنّف في خانتهم، ضحك طويلاً لمعرفته بالكثير منهم معرفة شخصية، ممن أُطلق عليه بين ليلة وضحاها إسم شاعر أو محلّل أو باحث إستراتيجي أو ناقد أو فنان أو إعلامي أو خبير…… أو عدة صفات في آن.
ويجمع هؤلاء، والقول قوله، تداولهم لبعض التعابير، وتردُدهم إلى بعض الأماكن والمقاهي والمنتديات، بل أحياناً الحركات الجسدية التي تدلُ على “ثقافتهم”!
ومن المصطلحات الشائعة الملتبسة (بفتح السين) الفكر التنويري والمنفتح، فقد نقلت إحدى “المثقفات” قلق زميلاتها المشاركات في مؤتمر عُقد في بيروت منذ أيام ممن أسمتهم “رجال الدين” الحريصين على ثوابت النصوص أكثر من حرصهم على مصلحة الأسرة وأفرادها، وشكت أن هؤلاء (رجال الدين) يعزفون عن تطويع أحكامهم وإجتهاداتهم لتصبح مناسبة للتعامل معها! 1.
وتابعت فلانة” المثقفة” إستغرابها ممن وُصف بالمجتهد المتنور والمنفتح بل الودود تجاه المرأة وقضاياها ( التعبير لها حرفياً) مُذكّرة بالعُنفين وليس الواحد، الجسدي والمعنوي المذكورين في القرآن صراحة ًمهما حاول المشّرعون التخفيف من أهمية ذلك، والإستفاضة في شرح شروط اللجوء إليه……” كل هذه تجعل بعض حقوق المرأة على درجة كبيرة من الهشاشة 2.
ولا تكتفي بإنتقادها هذا للثوابت والنص القرآني بل تُلّوّحُ “بإمطارنا بإحصاء ودراسات لحالات تنسف واقعة قيمومة الرجال”.
إن هذا النموذج من الإستباحة التي لا تقبل قواعد ولا ثوابت ولا أُسس تجعل كل الأمة بمعتقداتها ومبادئها في مهب الريح.
والإستقواء بالغمز من قناة “رجال الدين”، أثبتت العقود الماضية والأحداث الخالية عدم جدواها، “فعلماء الدين” باقون، وإن كانت أعيانهم مفقودة، لكن آراؤهم وإجتهاداتهم المستندة إلى الثوابت، في القلوب موجودة.
على “المثقفين” إحترام آراء الأمة برجالها ونسائها وشبابها وأخلاقها وقِيَمِها وعاداتها، فلعنا نتّفق أنّ تجاوز الآخرين وتسخيف ما يحملون ليس من الثقافة في شيء.
ومئات الوقائع والحوادث في مجتمعنا يومياً تدل على الإستخفاف وعدم الإحترام الذي لا يُفضي إلاَ إلى مزيد من الإحتقان والتأزّم.
فبعض “المثقفين” يصف المحجبات بأنهن يلفُفن أجسادهن بأغطية سميكة من القماش والمحظورات والممنوعات!
والبعض يُهاجم الإسلام تحت غطاء “الأحكام الذكورية” والرجل الشرقي!
والبعض إذا رأى طالباً في كلية الطب لا يُصافح بيده يتهكّم عليه، ويطلبون منه رأيه الشخصي في هذه المسألة، لا حكم الدين، تفريقاً بين ما يقوم به الملتزم وبين تعاليم دينه! 3.
وشبيه هذه الحادثة في كلية الفنون لأنّ المادة تتطلب “رسم رجل وامرأة شبه عاريين”.
كذلك “المخرجة ” المثقفة التي تُصوّر الملتزم في أفلامها أنه عصبي إنطوائي عنيف لم يعرف الجامعة في حياته.
إنّ الإنتقاد “المثقف” للعناوين الدينية تكاد تشمل كل ما هو منسوب إلى الإسلام، ليس فقط أقوال أهل العلم والإجتهاد، بل فُتح باب العبث والتجريح لإسقاط قدسية النص أيضاً، ولا يُقلّل الهول وجود بعض أهل النيّة الحسنة، خاصة إذا استُغل هؤلاء للإمتطاء.
ندعو المثقفين لتعريف “المثقفين” وضبطهم وعَنونتهم، حتى لا يصبح هذا العنوان مستباحاً أو في أحسن الحالات مزاحاً، كذلك الذي أعجبه “السندويش” الصباحي الذي تُحضّره له أمُه لما فيه من الخضار والأنواع والأطايب، فأخذ يطلب منها دوماً ما سماه “السندويش المثقّف” الذي يُحشى من كل موجود4.
- 1. النهار 14/10.
- 2. النهار 14/10 صفحة قضايا.
- 3. المستقبل 2/10 صفحة 7.
- 4. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).