تحتل فاطمة الزهراء المكانة السامية في السفر الرسالي، وقد أشاد القرآن الكريم بالتصريح وبالتلميح بها، كمثل ما أشاد بها الحديث النبوي الشريف، وقد وورد الذكر للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام” في القرآن الكريم وفي قسط من الماثرات والمواقف، وقد ذكر أبو الهذيل عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن ابيه: ان رسول الله “صلى الله عليه واله” قرأ:﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَك﴾[1] فقال : “يا علي خير نساء العالمين اربع: مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم“[2].
ومن جانب اخر، ان الزهراء قد اثبتت للعالم الانساني اجمع ، انها الانسان الذي استطاع ان يحمل طابع الكمال، فيكون آية الهية كبرى على قدرة الله البالغة وابداعه العجيب، اذ اعطى للزهراء فاطمة أوفر قدر من العظمة واوفى نصيب من الجلالة والبهاء.
والملفت للنظر، ان السيدة فاطمة “عليها السلام” كانت تعيش آلامها وتعاني الكثير من الظلامات التي يرويها السنّة والشيعة، ومنهم “ابن قتيبة” في الإمامة والسياسة.. أنّهم جاؤوا بالحطب ليحرقوا بيت علي وفاطمة “عليهم السلام” تهديداً لمن يعتبرونهم معارضة اجتمعت عند الامام علي “عليه السلام” كما يقول المؤرخون، فلقد قيل لقائد الحملة: “يا هذا إنّ فيها فاطمة“!!، ولكنه قال: “وإن!!” هذه الكلمة التي تعد من أخطر الكلمات، لأنّها تعني، أنّه لا مقدسات في هذا البيت، فلا مانع من أن يُحرّق على أهله. بعبارة اكثر صراحة ووضوحا، أن هذه الكلمة تعبّر عن أبشع الظلم على السيدة فاطمة “عليها السلام”، فقد عانت الزهراء من ذلك كلّه.
ومما يجدر بالملاحظة، ان البيانات النبوية جاءت في الاشادة بفضل فاطمة “عليها السلام” وبيان مقامها ومجدها وشموخها وطهارتها، حيث أشاد النبي الاكرم بعظيم منزلة الزهراء الطاهرة، وبما بلغته من موقع ريادي في خط الرسالة من اخلاصها وخشيتها لله وعظيم ايمانها به وباليوم الآخر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر . عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قلت لأبي جعفر محمد الباقر “عليه السلام”: “جعلت فداك يا ابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة “عليها السلام” إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك.”
فقال أبو جعفر: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله “صلى الله عليه وآله” قال: “إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلا منابرهم يوم القيامة ثم يقول الله: يا محمد اخطب. فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فيكون منبره أعلى منابرهم ثم يقول الله: يا علي اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.
ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبر من نور ثم يقال لهما: اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.
ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل “عليه السلام”: أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين: لله الواحد القهار.
فيقول الله جل جلاله: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة، يا أهل الجمع طأطؤا الرؤوس وغضوا الابصار فان هذه فاطمة تسير إلى الجنة: فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيروها عند باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.
فيقول الله تعالى: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لاحد من ذريتك خذي فأدخليه الجنة”.
قال أبو جعفر: والله يا جابر انها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم ان يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟
فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنة.
قال أبو جعفر: والله لا يبقي في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾[3] فيقولون ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[4]. قال أبو جعفر: هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[5].
وخلاصة القول، ان فاطمة الزَّهراء “عليها السلام” هي مظهرٌ حيّ لفضائل أهل بيت النبوة “عليهم السلام”، في كلِّ كلماتها وأعمالها وزهدها وعبادتها، وفي أخلاقها ومشاعرها، وفي إيمانها وتقواها .
فاطمة هي الاسم الذي لا يوحي لنا إلا بالطهارة والنقاء والإنسانية التي تعطي الإنسان قيمته، وبكلِّ فخر واعتزاز نقدم الزهراء “عليها السلام” إلى المسلمين جميعاً، كنموذج حي ومثل أعلى جسّدت الرسالة الإسلامية أسمى تجسيد، وعاشت في شخصيتها شخصية النبي الاكرم محمد “صلى الله عليه واله” بعناصرها المميزة والملهمة والمسددة.
جعفر رمضان
[1] سورة ال عمران ، الآية 42.
[2] ابن شهر آشوب، مناقب آل ابي طالب ،( بيروت: دار المرتضى، 2007)، ج3، ص860-863.
[3] سورة الشعراء، الآية 100-101.
[4] سورة الشعراء، الآية 102.
[5] سورة الأنعام، الآية 28
المصدر: http://www.imamhussain.org