القرآن الكريممقالات

نزول القرآن…

بُعث محمدٌ ( صلى الله عليه و آله ) نبياً في يوم الإثنين السابع و العشرين من شهر رجب عام : 13 قبل الهجرة 1 ، و اقترنت بعثته بنزول خمس آيات من القرآن ، و هي الآيات الأولى من سورة العلق ، أي : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ 2 ، فهذه الآيات هي أول ما أنزله الله عَزَّ و جَلَّ على نبيه المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) من القرآن الكريم .

جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري ( عليه السَّلام ) : قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ( عليه السَّلام ) : ” إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) لَمَّا تَرَكَ التِّجَارَةَ إِلَى الشَّامِ وَ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تِلْكَ التِّجَارَاتِ كَانَ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ إِلَى حِرَاءَ ، يَصْعَدُهُ وَ يَنْظُرُ مِنْ قُلَلِهِ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَ إِلَى أَنْوَاعِ عَجَائِبِ رَحْمَتِهِ وَ بَدَائِعِ حِكْمَتِهِ ، وَ يَنْظُرُ إِلَى أَكْنَافِ السَّمَاءِ وَ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَ الْبِحَارِ وَ الْمَفَاوِزِ وَ الْفَيَافِي فَيَعْتَبِرُ بِتِلْكَ الْآثَارِ وَ يَتَذَكَّرُ بِتِلْكَ الْآيَاتِ وَ يَعْبُدُ اللَّهَ حَقَّ عِبَادَتِهِ ، فَلَمَّا اسْتَكْمَلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى قَلْبِهِ فَوَجَدَهُ أَفْضَلَ الْقُلُوبِ وَ أَجَلَّهَا وَ أَطْوَعَهَا وَ أَخْشَعَهَا وَ أَخْضَعَهَا ، أَذِنَ لِأَبْوَابِ السَّمَاءِ فَفُتِحَتْ وَ مُحَمَّدٌ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ، وَ أَذِنَ لِلْمَلَائِكَةِ فَنَزَلُوا وَ مُحَمَّدٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَ أَمَرَ بِالرَّحْمَةِ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ لَدُنْ سَاقِ الْعَرْشِ إِلَى رَأْسِ مُحَمَّدٍ وَ غُرَّتِهِ ، وَ نَظَرَ إِلَى جَبْرَئِيلَ الرُّوحِ الْأَمِينِ الْمُطَوَّقِ بِالنُّورِ طَاوُسِ الْمَلَائِكَةِ هَبَطَ إِلَيْهِ وَ أَخَذَ بِضَبْعِهِ وَ هَزَّهُ ، وَ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اقْرَأْ .
قَالَ : وَ مَا أَقْرَأُ ؟
قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ 2 .
ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى الْعُلُوِّ ، وَ نَزَلَ مُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه و آله ) مِنَ الْجَبَلِ وَ قَدْ غَشِيَهُ مِنْ تَعْظِيمِ جَلَالِ اللَّهِ ، وَ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ كَبِيرِ شَأْنِهِ مَا رَكِبَهُ الْحُمَّى … ” 3 .
وَ رُوِيَ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : ” أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ 4 ، وَ آخِرُهُ : ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ 5 ” 6 .

اقوال اخرى في اولى الآيات النازلة من القرآن

ذكر المحدثون و المفسرون أقوالاً أخرى في الآيات الأولى النازلة من القرآن الكريم على النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) نُشير إليها بإختصار :
1 ـ سورة العلق : لأن نبوة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) بدأت بنزول ثلاث أو خمس آيات من أول هذه السورة ، و هو ما تحدثنا عنه .
2 ـ سورة المدَّثر : لما رُوِيَ عن إبن سلمة ، قال سألت جابر بن عبد الله الأنصاري ، أيُّ القرآن أنزل قبل ؟
قال : ﴿ … يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ 7 .
قلت : أو ﴿ … اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ 8 ؟
قال أحدثكم ما حدثنا به رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : ” إني جاورت بحراء ، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي ، فنظرت أمامي و خلفي و عن يميني و شمالي ، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو ـ يعني جبرائيل ـ فأخذتني رجفة ، فأتيت خديجة ، فأمرتهم فدثَّروني ، فأنزل الله : ﴿ … يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ 9 10 .
3 ـ سورة الفاتحة : قال الزمخشري : أكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل 11 .
وَ رَوى العلامة الطبرسي (رحمه الله) بإسناده عن الحاكم ، بإسناده عن سعيد بن المسيب ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) أنه قال : ” سألت النبي ( صلى الله عليه و آله ) عن ثواب القرآن ، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء ، فأول ما نزل عليه بمكة فاتحة الكتاب ، ثم اقرأ باسم ربك ، ثم … ” 12 .

الجمع بين الاقوال الثلاثة

قال أستاذنا العلامة المحقق الشيخ محمد هادي معرفة ( رحمه الله ) بعد ذكر الأقوال الثلاثة :
و بعد فلا نرى تنافياً جوهرياً بين الأقوال الثلاثة ، نظراً لأن الآيات الثلاث أو الخمس من أول سورة العلق إنما نزلت تبشيراً بنبوته ( صلى الله عليه و آله ) و هذا إجماع أهل المِلَّة ، ثم بعد فترة جاءته آيات ـ أيضاً ـ من أول سورة المدثِّر ، كما جاء في حديث جابر ثانياً .
أما سورة الفاتحة فهي أولى سورة نزلت بصورة كاملة ، و بسِمَة كونها سورة من القرآن كتاباً سماوياً للمسلمين ، فهي أول قرآن نزل عليه ( صلى الله عليه و آله ) بهذا العنوان الخاص ، و أما آيات غيرها سبقتها نزولاً ، فهي إنما نزلت لغايات أخرى ، و إن سجلت بعدئذ قرآناً ضمن آياته و سوره .
و من هنا صح التعبير عن سورة الحمد بسورة الفاتحة أي أول سورة كاملة نزلت بهذه السمة الخاصة . و هذا الاهتمام البالغ بشأنها في بدء الرسالة ، و إختصاص فرضها في الصلوات جميعاً ، جعلها ـ في الفضيلة ـ عدلاً للقرآن العظيم : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ 13 . فقد امتنَّ الله على رسوله بهذا النزول الخاص تجاه سائر القرآن .
نعم لو إعتبرنا السور بإعتبار مفتتحها فسورة الحمد تقع الخامسة ، كما جاء في رواية جابر بن زيد 14 .

  • 1. تؤكد الروايات الكثيرة المروية عن أهل البيت ( عليهم السلام ) على أن بعثة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) كانت في السابع و العشرين من شهر رجب.
  • 2. a. b. القران الكريم : سورة العلق ( 96 ) ، الآيات : 1 – 5 ، الصفحة : 597 .
  • 3. تفسير الإمام الحسن العسكري ( عليه السَّلام ) : 156 ، الطبعة الأولى سنة : 1409 هجرية ، طبعة مدرسة الإمام المهدي ( عجَّل الله فرَجَه ) ، قم / إيران ، و بحار الأنوار : 18 / 205 .
  • 4. القران الكريم : سورة العلق ( 96 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 597 .
  • 5. القران الكريم : سورة النصر ( 110 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 603 .
  • 6. الكافي : 2 / 628 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
  • 7. القران الكريم: سورة المدثر (74)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 575.
  • 8. القران الكريم: سورة العلق (96)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 597.
  • 9. القران الكريم: سورة المدثر (74)، من بداية السورة إلى الآية 2، الصفحة: 575.
  • 10. صحيح مسلم : 1 / 99 .
  • 11. الكشاف : 4 / 775 .
  • 12. مجمع البيان :
  • 13. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 87 ، الصفحة : 266 .
  • 14. التمهيد في علوم القرآن : 1 / 126 ، و الإتقان : 1 / 25 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى