مقالات

هدم المتوكل قبر الإمام الحسين (ع) …

١. في مقاتل الطالبيين / ٣٩٥ : « وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظاً على جماعتهم ، مهتماً بأمورهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظن والتهمة لهم ، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره ، يسئ الرأي فيهم ، فحسَّن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله. وكان من ذلك أن كَرَبَ قبر الحسين (ع) وعَفَّى آثاره ، ووضع على سائر الطرق مسالح له ، لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به ، فقتله ، أوأنهكه عقوبة!

فحدثني أحمد بن الجعد الوشاء وقد شاهد ذلك ، قال : كان السبب في كرب قبر الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها إليه قبل الخلافة يغنين له إذا شرب ، فلما وليها بعث إلى تلك المغنية فعرف أنها غائبة ، وكانت قد زارت قبر الحسين (ع) وبلغها خبره ، فأسرعت الرجوع ، وبعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها فقال لها : أين كنتم؟

قالت : خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها وكان ذلك في شعبان ، فقال : إلى أين حججتم في شعبان؟ قالت : إلى قبر الحسين. فاستطير غضباً وأمر بمولاتها فحبست ، واستصفى أملاكها.

وبعث برجل من أصحابه يقال له : الديزج وكان يهودياً فأسلم ، إلى قبر الحسين وأمره بكرب قبره ومحوه ، وإخراب كل ما حوله ، فمضى ذلك وخرب ما حوله وهدم البناء وكرب ما حوله ، نحومائتي جريب ، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد ، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه! وأجرى الماء حوله ، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه.

فحدثني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً ، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطارين على ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل ، حتى أتينا نواحي الغاضرية ، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا ، حتى أتينا القبر فخفي علينا ، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق ، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ، فزرناه وأكببنا عليه ، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط شيئاً من الطيب!

فقلت للعطار الذي كان معي : أي رائحة هذه؟ فقال : لا والله ما شممت مثلها كشئ من العطر ، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.

فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة ، حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات ، وأعدناه إلى ما كان عليه ».

أقول : الأشناني المذكور من أعلام العامة ، فهو يدل على التأثير الواسع لهدم قبر الحسين (ع) على السنة أيضاً ، وقد كان عمر الأشناني يومها خمس عشرة سنة.

وترجم له الخطيب البغدادي ، فقال ( ٢ / ٢٣٠ ) : « محمد بن الحسين بن حفص بن عمر ، أبو جعفر الخثعمي الأشناني الكوفي : قدم بغداد وحدث بها عن عباد بن يعقوب الرواجني ، وعباد بن أحمد العزرمي ، وأبي كريب محمد بن العلاء الهمداني ، وموسى بن عبد الرحمن المسروقي ، ومحمد بن عبيد المحاربي ، وفضالة بن الفضيل التميمي. روى عنه محمد بن سليمان الباغندي ، والقاضي أبو عبد الله المحاملي ، وأبو عمرو بن السماك ، ومحمد بن عمر الجعابي ، ومحمد بن زيد بن مروان ، وأبو الحسين بن البواب المقرئ ، ومحمد بن المظفر الحافظ ، وغيرهم …

أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الحافظ ، قال : سنة خمس عشرة وثلاث مائة ، فيها مات أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص بن عمر الخثعمي مولى الأشناني لسبع خلون من صفر يوم الخميس. وأخبرني بعض أصحابنا أنه سمعه يقول : إنه ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين ، وكان ثقة حجة ».

٢. وفي تاريخ الطبري ( ٩ / ١٨٥ ) : « ذكر خبر هدم قبر الحسين بن علي : وفيها ( سنة ٢٣٦ ) أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه. فذُكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق « سجن مظلم تحت الأرض » فهرب الناس ، وامتنعوا من المصير إليه ، وحُرث ذلك الموضع ، وزُرع ما حواليه ».

٣. وقال المسعودي في مروج الذهب ( ٤ / ٥٢ ) : « وكان آل أبي طالب قبل خلافته « المنتصر » في محنة عظيمة وخوفٍ على دمائهم ، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين والغري من أرض الكوفة ، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد ، وكان الأمر بذلك من المتوكل سنة ست وثلاثين ومائتين.

وفيها أمر المعروف بالذيريج بالسَّيْر إلى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وهَدْمِه ومَحْو أرضه وإزالة أثره ، وأن يعاقب من وجد به ، فبذل الرغائب لمن تقدم على هذا القبر ، فكلٌّ خشي العقوبة وأحْجَمَ ، فتناول الذيريج مِسْحاةً وهدم أعالي قبر الحسين ، فحينئذ أقدم الفعلة فيه ، وإنهم انتهوا إلى الحفرة وموضع اللحد ، فلم يروا فيه أثر رِمَّةٍ ولا غيرها! ولم تزل الأمور على ما ذكرنا إلى أن استخلف المنتصر فأمَّن الناس ، وتقدم بالكف عن آل أبي طالب ، وترك البحث عن أخبارهم ، وأن لا يمنع أحد زيارة الحير لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه ولا قبر غيره من آل أبي طالب ، وأمر برد فدَكَ إلى ولد الحسن والحسين وأطْلَقَ أوقاف آل أبي طالب ، وترك التعرض لشيعتهم ودفع الأذى عنهم ، وفي ذلك يقول البحتري ، من أبيات له :

وإن علياً لأوْلى بكمْ *** وأزكى يداً عندكم من عُمَرْ

وكلٌّ له فَضْلُه والحُجُو *** لُ يومَ التَّراهُنِ دونَ الغَرَرْ

وفي ذلك يقول يزيد بن محمد المهلبي وكان من شيعة آل أبي طالب ، وما كان امتحن به الشيعة في ذلك الوقت ، وأغريت بهم العامة :

ولقد بَرَرْتَ الطالبيةَ بعد ما *** ذُمُّوا زماناً بعدها وزمانا

ورَدَدْتَ ألفةَ هاشم فرأيتَهُمْ *** بعد العداوة بينهم إخوانا

آنستَ ليلَهُمُ وجُدْتَ عليهمُ *** حتى نسُوا الأحقادَ والأضغانا

لو يعلمُ الأسلاف كيف بَرَرْتهم *** لرأوك أثقلَ من بها ميزانا »

٤. وفي النجوم الزاهرة ( ٢ / ٢٨٣ ) : « أمر بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما حوله من الدور ، وأن يعمل ذلك كله مزارع. فتألم المسلمون لذلك ، وكتب أهل بغداد شتم المتوكل على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء دعبل وغيره ».

٥. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي / ٣٧٤ : « فتألم المسلمون من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك :

بالله إن كانت أميةُ قد أتَتْ *** قتلَ ابن بنت نبيِّهَا مظلومَا

فلقد أتاهُ بنو أبيه بمثله *** هذا لعمري قبرُه مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتلهِ فَتَتَّبعُوهُ رميما ».

٦. وقال ابن الأثير في تاريخه ( ٦ / ١٠٨ ) : « في هذه السنة ( ٢٣٦ ) أمرالمتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وهَدْم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يُبذر ويُسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى بالناس في تلك الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق ، فهرب الناس وتركوا زيارته ، وخُرب وزُرع »!

٧. وقال في مآثر الإنافة ( ١ / ٢٣٠ ) : « بلغ من بغضه لعلي وأهل بيته أنه في سنة ٢٣٦ أمر بهدم قبر الحسين بن علي وما حوله من المنازل ، ومنع الناس من زيارته »!

٨. وفي أمالي الطوسي / ٣٢٥ : « حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرخجي قال : حدثني أبي ، عن عمه عمر بن فرج ، قال : أنفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين فصرت إلى الناحية ، فأمرت بالبقر فَمُرَّ بها على القبور ، فمرَّت عليها كلها ، فلما بلغت قبر الحسين (ع) لم تمرَّ عليه! قال عمي عمر بن فرج : فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي! فوالله ما جازت على قبره ولا تخطته! قال لنا محمد بن جعفر : كان عمر بن فرج شديد الإنحراف عن آل محمد (ص) فأنا أبرأ إلى الله منه. وكان جدي أخوه محمد بن فرج شديد المودة لهم رحمه الله ورضي عنه ، فأنا أتولاه لذلك وأفرح بولادته ». أي بولادتي منه.

٩. وفي أمالي الطوسي / ٣٢٦ : « حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبي علي الحسين بن محمد بن مسلمة بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، قال : حدثني إبراهيم الديزج قال : بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين (ع) وكتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمار القاضي : أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لنبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فعل أولم يفعل. قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار ثم أتيته ، فقال لي : ما صنعت؟ فقلت : قد فعلت ما أمرتَ به ، فلم أر شيئاً ، ولم أجد شيئاً! فقال لي : أفلا عمقته؟ قلت : قد فعلت وما رأيت ، فكتب إلى السلطان : إن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئاً ، وأمرته فمخره بالماء ، وكَرَبَهُ بالبقر.

قال أبوعلي العماري : فحدثني إبراهيم الديزج وسألته عن صورة الأمر فقال لي : أتيت في خاصة غلماني فقط ، وإني نبشت فوجدت باريةً جديدة وعليها بدنُ الحسين بن علي ووجدت منه رائحة المسك ، فتركت البارية على حالتها وبدن الحسين على البارية ، وأمرتُ بطرح التراب عليه ، وأطلقت عليه الماء ، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر ، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه! فحلفت لغلماني بالله وبالأيمان المغلظة : لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه ».

١٠. في أمالي الطوسي / ٣٢٧ : « قال : حدثني أبو برزة الفضل بن محمد بن عبد الحميد ، قال : دخلت على إبراهيم الديزج وكنت جاره ، أعوده في مرضه الذي مات فيه ، فوجدته بحال سوء ، وإذا هوكالمدهوش وعنده الطبيب ، فسألته عن حاله وكانت بيني وبينه خلطة وأنس يوجب الثقة بي والإنبساط إليَّ ، فكاتمني حاله وأشار لي إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله ، فقام فخرج وخلا الموضع ، فسألته عن حاله فقال : أخبرك والله وأستغفر الله : إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين ، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء معنا الفعلة والروزكاريون ( العمال الميامون ) معهم المساحي والمرور ، فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه ، فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت ، فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية وجعل الغلمان ينبهونني ، فقمت وأنا ذَعِرٌ فقلت للغلمان : ما شأنكم؟ قالوا : أعجب شأن! قلت : وما ذاك؟ قالوا : إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا وبين القبر وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب ، فقمت معهم لأتبين الأمر فوجدته كما وصفوا! وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض فقلت : إرموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهمٌ منها إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله! فاستوحشت لذلك وجزعتُ وأخذتني الحُمَّى والقَشعريرة!

ورحلت عن القبر لوقتي ، ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لماَّ لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به!

قال أبو برزة : فقلت له : قد كفيتَ ما تحذر من المتوكل ، قد قتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر فقال لي : قد سمعت بذلك وقد نالني في جسمي مالا أرجو معه البقاء! قال أبو برزة : كان هذا في أول النهار ، فما أمسى حتى مات!

قال ابن خشيش : قال أبوالفضل : إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة (ع) فسأل رجلاً من الناس عن ذلك فقال له : قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر. قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر »!

١١. وفي أمالي الطوسي / ٣٢٦ : « حدثني أبوعبد الله الباقطاني ، قال : ضمني عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري ، وكان قائداً من قواد السلطان ، أكتب له ، وكان بدنه كله أبيض شديد البياض حتى يديه ورجليه كانا كذلك ، وكان وجهه أسود شديد السواد كأنه القير ، وكان يتفقأ مع ذلك مادة منتنة ، قال : فلما آنس بي سألته عن سواد وجهه ، فأبى أن يخبرني ، ثم إنه مرض مرضه الذي مات فيه ، فقعدت فسألته ، فرأيته كأنه يحب أن يكتم عليه ، فضمنت له الكتمان فحدثني قال : وجهني المتوكل أنا والديزج لنبش قبر الحسين وإجراء الماء عليه ، فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية رأيت رسول الله (ص) في المنام ، فقال : لا تخرج مع الديزج ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين.

فلما أصبحنا جاؤوا يستحثونني في المسير ، فسرت معهم حتى وافينا كربلاء ، وفعلنا ما أمرنا به المتوكل ، فرأيت النبي (ص) في المنام فقال : ألم آمرك ألا تخرج معهم ولا تفعل فعلهم ، فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا! ثم لطمني وتفل في وجهي ، فصار وجهي مسوداً كما ترى ، وجسمي على حالته الأولى »!

ملاحظات على نصوص هدم القبرالشريف

١. استمرت محاولة المتوكل هدم القبرالشريف نحو سنة من شعبان سنة ٢٣٦ الى شعبان ٢٣٧ ، حتى استطاع أن يمنع الزوار من زيارته ويهدمه.

لكن الشيعة واصلوا تحدي السلطة والذهاب الى الزيارة أكثر من عشر سنين حتى هلك المتوكل ، وواصل هو منع الزوار ومطاردتهم ، وحرث مكان القبر!

٢. كان أكبر تجمع لزيارة الناس لقبر الحسين (ع) في شهر شعبان. ففي أمالي الطوسي / ٣٢٨ : « بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين (ع) فيصير إلى قبره منهم خلق كثير ، فأنفذ قائداً من قواده ، وضم إليه كتفاً من الجند كثيراً ، ليشعب قبر الحسين (ع) ويمنع الناس من زيارته والإجتماع إلى قبره (ع) ، فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فثار أهل السواد به ، واجتمعوا عليه وقالوا : لوقتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة ، فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة ، مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها ، والإنكفاء إلى المصر! فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين ، فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (ع) ، وأنه قد كثر جمعهم كذلك وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند ، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين ، ونَبَشَ القبر وحرث أرضه ، وانقطع الناس عن الزيارة. وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة رضي الله عنهم ، فقتل ولم يتم له ما قَدَّر ».

وفي أمالي الطوسي / ٣٢٩ : « حدثني عبد الله بن دانية الطوري ، قال : حججت سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق فزرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على حال خيفة من السلطان ، وزرته ثم توجهت إلى زيارة الحسين (ع) فإذا هوقد حرثت أرضه ومُخِر فيها الماء ، وأُرسلت الثيران العوامل في الأرض ، فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتى إذا حاذت مكان القبر حادت عنه يميناً وشمالاً ، فتُضرب بالعصي الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها ، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب! فما أمكنني الزيارة ، فتوجهت إلى بغداد ، وأنا أقول في ذلك :

تالله إن كانت أميةُ قد أتتْ *** قتلَ ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاكَ بنوأبيه بمثلها *** هذا لعمرُك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا *** في قتله فتتبعوه رميما

فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة فقلت : ما الخبر؟ قالوا : سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل ، فعجبت لذلك وقلت : إلهي ليلة بليلة ».

أقول : يدل استشهاد الشاعر بشعر ابن بسام على أنه كان منتشراً بين المسلمين. ويدل ما تقدم على أن المتوكل بدأ حملته على كربلاء سنة ٢٣٦ ، وهدمَ القبر الشريف ومنع زيارته لكن المسلمين من أهل الكوفة وغيرهم كسروا المنع ، ورأوا المعجزات ، فأصروا على زيارة قبر الحسين (ع) وتحضروا للمواجهة في السنة الثانية ، ووجه اليهم المتوكل جيشاً كثيفاً ، لكن لما رأى إصرارهم على قتاله ، أمر قائده أن يرجع ويدعي أنه جاء في مهمة تتعلق بولاية الكوفة! واستمر الأمر على هذا نحوعشر سنين ، وكان المنع من الزيارة سارياً ، لكنه غير محترم. وبلغ المتوكل في آخر عمره توافد الناس الى كربلاء : « وأنه قد كثر جمعهم وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند ، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين »! واستطاعت قواته أن تهدم القبر الشريف ، لكن الله تعالى هدم عمره وسقط طائر الحمام الزاجل في بغداد بقتله ، كما قالت الرواية.

ومعنى هذا أن محاولات المتوكل لهدم القبر الشريف استمرت إحدى عشرة سنة فقد بدأت سنة ٢٣٦ ، واستمرت حتى هلك في الرابع من شوال سنة ٢٤٧.

٣. واجه الإمام الهادي (ع) خطة المتوكل. وعند صدور المنع أمر الشيعة في بغداد أن يتجنبوا المواجهة ، ثم وجههم الى الزيارة وتحدي منع السلطة.

ففي الكافي ( ١ / ٥٢٥ ) : « خرج نهيٌ عن زيارة مقابر قريش ( الكاظمين ) والحاير ( كربلا ) فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم : لايزوروا مقابر قريش ، فقد أمر الخليفة أن يُتفقد كل من زار فيقبض عليه » ثم أمر الإمام (ع) الشيعة بزيارة قبر الحسين (ع) وجعلها أولوية قبل غيره. قال المفيد في المقنعة / ٤٨٢ : « روى إبراهيم بن عقبة قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث : ( الإمام الهادي (ع) ) أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين (ع) ، وزيارة أبي الحسن موسى وأبي جعفرمحمد بن علي (ع) ببغداد؟ فكتب إليَّ : أبوعبد الله (ع) المقدم ، وهذان أجمع وأعظم ثواباً » 1.

ثم قام الإمام الهادي (ع) بعمل ملفت في الحث على زيارة قبر جده الحسين (ع) فقد كان مريضاً فأمر أن يرسلوا له شخصاً يزور الحسين (ع) ويدعو له.

ففي الكافي ( ٤ / ٥٦٨ ) : « عن أبي هاشم الجعفري قال : بعث إليَّ أبو الحسن (ع) في مرضه وإلى محمد بن حمزة فسبقني إليه محمد بن حمزة وأخبرني محمد ما زال يقول : إبعثوا إلى الحير ، إبعثوا إلى الحير ، فقلت لمحمد : ألا قلت له : أنا أذهب إلى الحير ، ثم دخلت عليه وقلت له : جعلت فداك : أنا أذهب إلى الحير؟ فقال : انظروا في ذاك ، ثم قال لي : إن محمداً ليس له سر من زيد بن علي ، وأنا أكره أن يسمع ذلك ، قال : فذكرت ذلك لعلي بن بلال فقال : ما كان يصنع ب‍الحير وهو الحير فقدمت العسكر فدخلت عليه فقال لي : أجلس حين أردت القيام ، فلما رأيته أنس بي ذكرت له قول علي بن بلال فقال لي : ألا قلت له : إن رسول الله (ص) كان يطوف بالبيت ويقبل الحجر وحرمة النبي والمؤمن أعظم من حرمة البيت ، وأمره الله عز وجل أن يقف بعرفة ، وإنما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها. فأنا أحب أن يدعي الله لي حيث يحب الله أن يدعى فيها ».

وروى في الحبل المتين / ٢٢٨ ، ومصباح المتهجد / ٧٨٨ ، عن الإمام الهادي (ع) قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة الإحدى والخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختم في اليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ».

ورُوِيَ ذلك عن الإمام الحسن العسكري (ع) ، وهويدل على أن الإمام الهادي وابنه الحسن العسكري (ع) قاوما معاً هجمة المتوكل لهدم قبر الحسين (ع).

٤. نسب بعضهم الأبيات : تالله إن كانت أمية قد أتت .. الخ. الى ابن السكيت ، والصحيح أنها لابن بسام ، أو البسامي.

قال السمعاني في الأنساب ( ١ / ٣٤٦ ) : « البسامي : بفتح الباء الموحدة والسين المهملة المشددة بعدهما الألف وفي آخرها الميم ، هذه النسبة إلى بسام ، وهو إسم لجد أبي الحسن علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام الشاعر البسامي ، من أهل بغداد ، سائر الشعر ، مشهورٌ عند أهل الأدب ، روى عنه محمد بن يحيى الصولي ، وأبوسهل أحمد بن محمد بن زياد القطان ، وغيرهما .. مات البسامي في صفر سنة اثنتين وثلاث مائة ». فقد كان في مطلع شبابه عندما هجا المتوكل لهدمه قبر الحسين (ع).

وفي وفيات الأعيان ( ٣ / ٣٦٣ ) : « كانت أمه أمامة ابنة حمدون النديم .. وكان من أعيان الشعراء ، ومحاسن الظرفاء ، لَسِنَاً مطبوعاً في الهجاء ، لم يسلم منه أمير ولا وزير ، ولا صغير ولا كبير … ولما هَدم المتوكل على الله قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في سنة ست وثلاثين ومائتين ، عمل البسامي :

تالله إن كانت أميةُ قد أتتْ *** قتلَ ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاهُ بنوأبيه بمثله *** هذا لعمرك قبرُه مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتله فتتبعوه رميما!

وكان المتوكل كثير التحامل على علي وولديه الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين ، فهدم هذا المكان بأصوله ودوره وجميع ما يتعلق به ، وأمر أن يبذر ويسقى موضع قبره ، ومنع الناس من إتيانه. هكذا قال أرباب التواريخ.

ولابن بسام المذكور من التصانيف : أخبار عمر بن أبي ربيعة ، ولم يستقص أحد في بابه أبلغ منه ، وكتاب أخبار الأحوص ، وكتاب مناقضات الشعراء ».

٥. ذكر المؤرخون أن دعبلاً الخزاعي هجا المتوكل لهدمه قبر الحسين (ع) ، ولم أجد شعره في ذلك ، إلا بيتاً واحداً يتهم فيه المتوكل بالتخنث ، كما في ديوانه / ٤٨ :

ولستُ بقائل قَذَعاً ولكنْ *** لأمْرٍ مَّا تَعَبَّدَكَ العبيدُ

وأبياتاً في الحث على زيارة قبر الحسين (ع) وذم الناهين ، في ديوانه / ١١٤ :

زُرْ خيرَ قبرٍ بالعراق يُزَارُ *** وَاعْصِ الِحمَارَ فمَنْ نَهَاكَ حِمَارُ

لم لا أزوركَ يا حسينُ لك الفدا *** قومي ومن عطفت عليه نزار

ولك المودةُ في قلوب ذوي النهى *** وعلى عدوك مَقْتَةٌ ودَمارُ

يا ابنَ الشهيدِ ويا شهيداً عَمُّهُ *** خيرُ العمومة جعفرُ الطيَّار

عجباً لمصقولٍ أصابكَ حَدُّهُ *** في الوجه منك وقد عَلاك غُبَارُ

هدم قبر الحسين (ع) قبل المتوكل

في كامل الزيارات لابن قولويه / ٢٢١ : « عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي ، قال : خرجت في آخر زمان بني مروان إلى زيارة قبر الحسين (ع) مستخفياً من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلا ، فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحوالقبر ، فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي : إنصرف مأجوراً فإنك لا تصل إليه ، فرجعت فزعاً حتى إذا كان يطلع الفجر أقبلت نحوه ، حتى إذا دنوت منه خرج إليَّ الرجل فقال لي : يا هذا إنك لا تصل إليه! فقلت له : عافاك الله ولم لا أصل إليه وقد أقبلت من الكوفة أريد زيارته ، فلا تَحُلْ بيني وبينه ، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني هاهنا ، قال فقال لي : إصبر قليلاً فإن موسى بن عمران (ع) سأل الله أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي (ع) فأذن له ، فهبط من السماء في سبعين ألف ملك ، فهمَّ بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ، ثم يعرجون إلى السماء.

قال فقلت له : فمن أنت عافاك الله ، قال : أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين (ع) والإستغفار لزواره! فانصرفت وقد كاد أن يطير عقلي لما سمعت منه. قال : فأقبلت حتى إذا طلع الفجر أقبلت نحوه فلم يحل بيني وبينه أحد ، فدنوت من القبر وسلمت عليه ودعوت الله على قَتَلتِهِ ، وصليت الصبح ، وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام ».

أقول : هذا الحديث وغيره يدل على أن الأمويين كانوا يمنعون الشيعة من التجمع عند قبر الحسين (ع) ومن زيارته ، وكان المنع متفاوتاً حسب تشدد والي الكوفة وتساهله ، وحسب قوة الخليفة الأموي أوضعفه.

لكن الأمويين لم يهدموا قبر الحسين (ع) ، وأول من ارتكب جريمة هدمه : المنصور الدوانيقي ، وذلك بعد ثورة الحسنيين عليه وانتصاره عليهم سنة ١٤٥ ، فقد أمر والي الكوفة عيسى بن موسى أن يهدمه!

روى الطوسي في أماليه / ٣٢١ : « حدثنا يحيى بن عبد الحميد الِحَّماني أملاه عليَّ في منزله ، قال : خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي في الكوفة ، من منزلي فلقيني أبو بكر بن عياش ، فقال لي : إمض بنا يا يحيى إلى هذا فلم أدر من يعني ، وكنت أجل أبا بكر عن مراجعة ، وكان راكباً حماراً له ، فجعل يسير عليه وأنا أمشي مع ركابه ، فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم ، التفت إليَّ فقال لي : يا بن الحِمَّاني ، إنما جررتك معي وجَشَّمتك معي أن تمشي خلفي ، لأُسمعك ما أقول لهذا الطاغية! قال : فقلت : من هويا أبا بكر؟ قال هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى!

فسكت عنه ، ومضى وأنا أتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى ، وبصر به الحاجب وتبينه ، وكان الناس ينزلون عند الرحبة ، فلم ينزل أبوبكر هناك ، وكان عليه يومئذ قميص وإزار ، وهومحلول الإزار. قال : فدخل على حمار وناداني : تعالى يا ابن الحماني ، فمنعني الحاجب فزجره أبوبكر وقال له : أتمنعه يا فاعل وهومعي؟ فتركني فما زال يسير على حماره حتى دخل الإيوان ، فبصر بنا موسى وهوقاعد في صدر الإيوان على سريره ، وبجنبي السرير رجال متسلحون ، وكذلك كانوا يصنعون ، فلما أن رآه موسى رحب به وقربه وأقعده على سريره ، ومُنعتُ أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه.

فلما استقر أبوبكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف فناداني : تعال ويحك فصرت إليه ونعلي في رجلي وعليَّ قميص وإزار فأجلسني بين يديه ، فالتفت إليه موسى فقال : هذا رجل تُكَلِّمُنَا فيه؟ قال : لا ، ولكني جئت به شاهداً عليك.

قال : في ماذا؟ قال : إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر. قال : أيُّ قبر؟ قال : قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله (ص)!

وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر ، وحرثها وزرع الزرع فيها ، فانتفخ موسى حتى كاد أن يَنْقَدَّ ، ثم قال : وما أنت وذا؟

قال : إسمع حتى أخبرك ، إعلم أني رأيت في منامي كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة ، فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني ، فأغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني ، فمضيت لوجهي فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق ، فرأيت هناك عجوزاً فقالت لي : أين تريد أيها الشيخ؟ قلت : أريد الغاضرية. قالت لي : تَبَطَّنْ هذا الوادي فإنك إذا أتيت آخره اتضح لك الطريق. فمضيت ففعلت ذلك فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك ، فقلت : من أين أنت أيها الشيخ؟ فقال لي : أنا من أهل هذه القرية. فقلت : كم تعدُّ من السنين؟ فقال : ما أحفظ ما مضى من سني وعمري ، ولكن أبعدُ ذكري أني رأيت الحسين بن علي (ع) ومن كان معه من أهله ومن تبعه ، يمنعون الماء الذي تراه ، ولا يمنع الكلاب ولا الوحوش شربه! فاستفظعت ذلك وقلت له : ويحك أنت رأيت هذا؟ قال : إي والذي سمك السماء ، لقد رأيت هذا أنها الشيخ وعاينته ، وإنك وأصحابك هم الذين يعينون على ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين ، إن كان في الدنيا مسلم! فقلتُ : ويحك وما هو؟ قال : حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه. قلت : ما أجرى إليه؟ قال :

أيكرب قبر ابن النبي (ص) وتحرث أرضه؟ قلت : وأين القبر؟ قال : ها هوذا أنت واقف في أرضه ، فأما القبر فقد عميَ عن أن يعرف موضعه!

قال أبو بكر بن عياش : وما كنت رأيتُ القبر قبل ذلك الوقت قطُّ ، ولا أتيته في طول عمري ، فقلت : من لي بمعرفته؟ فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حير له باب وآذن ، له إذا جماعة كثيرة على الباب ، فقلت للآذن : أريد الدخول على ابن رسول الله (ص) فقال : لا تقدر على الوصول في هذا الوقت. قلت : ولمَ؟ قال : هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله ومحمد رسول الله ، ومعهما جبرئيل وميكائيل ، في رعيل من الملائكة كثير.

قال أبوبكر بن عياش : فانتبهت وقد دخلني روعٌ شديد وحزنٌ وكآبةٌ ، ومضت بي الأيام حتى كدت أن أنسى المنام ، ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدينٍ كان لي على رجل منهم ، فخرجت وأنا لا أذكر الحديث حتى إذ صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص ، فحين رأيتهم ذكرت الحديث ورعبت من خشيتي لهم ، فقالوا لي : ألق ما معك وانج بنفسك وكانت معي نفيقة ، فقلت : ويحكم أنا أبو بكر بن عياش ، وإنما خرجت في طلب دينٍ لي ، والله الله لا تقطعوني عن طلب ديني وتضرُّوا بي في نفقتي فإني شديد الإضاقة ، فنادى رجل منهم : مولاي ورب الكعبة لا يعرض له. ثم قال لبعض فتيانهم : كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن.

قال أبوبكر : فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام ، وأتعجب من تأويل الخنازير حتى صرت إلى نينوى ، فرأيت والله الذي لا إله إلا هوالشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته وهيئته ، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء ، فحين رأيته ذكرت الأمر والرؤيا فقلت : لا إله إلا الله ما كان هذا إلا وحياً ، ثم سألته كمسألتي إياه في المنام ، فأجابني ثم قال لي : إمض بنا فمضيت فوقفت معه على الموضع وهومكروب ، فلم يفتني شئ في منامي إلا الآذن والحير ، فإني لم أر حِيراً ولم أر آذناً؟ فاتق الله أيها الرجل ، فإني قد آليت على نفسي ألا أدعَ إذاعة هذا الحديث ، ولا زيارةَ ذلك الموضع وقصدَه وإعظامَه ، فإن موضعاً يأتيه إبراهيم ومحمد وجبرئيل وميكائيل (ع) لحقيقٌ بأن يرغب في إتيانه وزيارته ، فإن أبا حصين حدثني أن رسول الله (ص) قال : من رآني في المنام فإياي رأى ، فإن الشيطان لا يتشبه بي.

فقال له موسى : إنما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك ، وبالله لئن بلغني بعد هذا الوقت أنك تتحدث بهذا لأضربن عنقك ، وعنق هذا الذي جئت به شاهداً علي! فقال أبوبكر : إذن يمنعني الله وإياه منك ، فإني إنما أردت الله بما كلمتك به!

فقال له : أتراجعني يا عامر وشتمه! فقال له : أسكت أخزاك الله وقطع لسانك!

فأرعد موسى على سريره ثم قال : خذوه!

فأخذ الشيخ عن السرير ، وأخذت أنا ، فوالله لقد مر بنا من السحب والجرِّ والضرب ، ما ظننت أننا لا نكثر الأحياء أبداً ، وكان أشد ما مرَّ بي من ذلك أن رأسي كان يُجَرُّ على الصخر ، وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي ، وموسى يقول : أقتلوهما بني كذا وكذا بالزاني لا يكني!

وأبو بكر يقول له : أمسك قطع الله لسانك وانتقم منك ، اللهم إياك أردنا ، ولولد وليك غضبنا ، وعليك توكلنا.

فصيَّر بنا جميعاً إلى الحبس ، فما لبثنا في الحبس إلا قليلاً ، فالتفت إليَّ أبوبكر ورأي ثيابي قد خرقت وسالت دمائي ، فقال : يا حِمَّاني قد قضينا لله حقاً ، واكتسبنا في يومنا هذا أجراً ، ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله (ص).

فما لبثنا إلا مقدار غدائةٍ ونومة ، حتى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه ، وطلب حمار أبي بكر فلم يوجد ، فدخلنا عليه فإذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة وكبراً ، فتعبنا في المشي إليه تعباً شديداً ، وكان أبوبكر إذا تعب في مشيه جلس يسيراً ، ثم يقول : اللهم إن هذا فيك فلا تَنْسَهْ ، فلما دخلنا على موسى ، وإذا هوعلى سرير له فحين بصر بنا قال : لا حيا الله ولا قرب ، من جاهل أحمق يتعرض لما يكره ، ويلك يا دعي ، ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم!

فقال له أبوبكر : قد سمعت كلامك ، والله حسبك! فقال له : أخرج قبحك الله ، والله لئن بلغني أن هذا الحديث شاع ، أوذكر عنك لأضربن عنقك!

ثم التفت إليَّ وقال : يا كلب وشتمني وقال : إياك ثم إياك أن تظهر هذا ، فإنه إنما خُيِّلَ لهذا الشيخ الأحمق شيطانٌ يلعب به في منامه ، أخرجا عليكما لعنة الله وغضبه ، فخرجنا وقد يئسنا من الحياة!

فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره ، فلما أراد أن يدخل منزله التفت إليَّ وقال : إحفظ هذا الحديث وأثبته عندك ، ولا تحدثن هؤلاء الرعاع ، ولكن حدث به أهل العقول والدين ».

ملاحظات

١. أبوبكر بن عياش ، من كبار أئمة السنة وقرائهم وعُبَّادهم : « روى له البخاري في صحيحه ومسلم في مقدمة كتابه وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة. وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومائة » 2.

قال الذهبي في سيره : ( ٨ / ٤٩٥ ) : « أبوبكر بن عياش بن سالم الأسدي ، مولاهم الكوفي الحناط بالنون ، المقرئ ، الفقيه ، المحدث ، شيخ الإسلام ، وبقيه الأعلام مولى واصل الأحدب … لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة ».

وقد روى عنه كبار أئمة المذاهب ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( ١٢ / ٣١ ) : « وعنه الثوري ، وابن المبارك ، وأبوداود الطيالسي ، وأسود بن عامر شاذان ، ويحيى بن آدم ، ويعقوب القمي ، وابن مهدي ، وابن يونس ، وأبونعيم ، وابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وابن معين ، وابنا أبي شيبة ، وإسماعيل بن أبان الوراق ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وخالد بن يزيد الكاهلي … وآخرون ».

ويظهر من غضبه لهدم قبر الحسين (ع) ومبادرته الى النهي عن المنكر ، أنه صاحب دين ، لكن طريقته في الإستنكار ساذجة ، ثم نراه تراجع وسكت! وقد كانت له مكانة واحترام في الناس ، فلو أنه وقف في المسجد ودعا المسلمين الى الإعتراض لأجابه الكثيرون ، لكنه اعترض بطريقة بدائية ، فزجره الوالي العباس بأسلوب فرعون ، وقال له : قصتك ومنامك خيال وحماقة ، وأنت فارسي مولى بني أسد ، ونحن والحسين هاشميون ، فلا تدخل بيننا!

وقصته تدل على أن مؤسس جريمة هدم قبر الحسين (ع) المنصور الدوانيقي! وأن المسلمين حتى غير الشيعة نقموا عليه واعترضوا.

٢. أعاد المسلمون مشهد الحسين (ع) بعد الدوانيقي ، وعادوا الى زيارته حتى جاء حفيده هارون ، الذي سموه الرشيد ، فهدمه مرة ثانية!

روى الطوسي في أماليه / ٣٢١ : « حدثني يحيى بن المغيرة الرازي ، قال : كنت عند جرير بن عبد الحميد ، إذ جاءه رجل من أهل العراق ، فسأله جرير عن خبر الناس ، فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين (ع) وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت! قال : فرفع جرير يديه ، فقال : الله أكبر ، جاءنا فيه حديث عن رسول الله (ص) أنه قال : لعن الله قاطع السدرة ، ثلاثاً ، فلم نقف على معناه حتى الآن ، لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين حتى لايقف الناس على قبره ».

أقول : معنى : تغيير مصرعه ، تغيير قبره ومكان قتله (ع). وقد قطعت قبل تلك السدرة سدرتان : سدرة البقيع وكانت تستظل بها الزهراء (ع) ، وسدرة الحديبية التي بايع النبي (ص) تحتها المسلمين. وقاطعهما واحد ، ولا مجال للتفصيل.

٣. وأعاد المسلمون قبر الحسين (ع) في زمن هارون ، ورتبت أمه الخيزران خَدَماً له ، وأمرت الوزير الشيعي الحسن بن راشد ، أن يجري عليهم راتباً شهرياً!

فقد روى الطبري في تاريخه ( ٦ / ٥٣٦ ) عن : « القاسم بن يحيى قال : بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير « أي كربلاء » قال فأتيَ بهم فنظر إليه الحسن بن راشد وقال : ما لك؟ قال بعث إليَّ هذا الرجل يعني الرشيد فأحضر ـ ني ولست آمنه على نفسي! قال له : فإذا دخلت عليه فسألك فقل له : الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع! فلما دخل عليه قال هذا القول ، قال : ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن ، أحضروه! قال فلما حضر قال : ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير؟ قال : رحم الله من صيَّره في الحير ، أمرتني أم موسى ( الخيزران ) أن أصيره فيه ، وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً! فقال : ردوه إلى الحير ، وأجروا عليه ما أجرته أم موسى »! وابن راشد معاون الوزير ابن يقطين (رحمه الله) 3 .

نهب الوهابية لقبر الحسين (ع)

١. لم يهدم أحدٌ قبر الحسين (ع) بعد المتوكل ، طوال أحد قرناً ، حتى هاجم الوهابية كربلاء غدراً ، وهدموا القبر الشريف سنة ١٢١٦ هجرية!

وعُقدة الوهابيين من قبر الحسين (ع) وزواره نفس عقدة المتوكل! ولا عجب فالمتوكل إمامهم ومؤسس مذهبهم في التجسيم وعداوة أهل البيت (ع)!

أخذه من بني أمية وكعب الأحبار ، وجعله حزباً وجماعة ، وسماهم أهل الحديث والأثر ، وجعل ابن حنبل إمامهم!

وقد أغار الوهابيون على كربلاء سنة ١٢١٦ ، في يوم عيد الغدير ، وكان أغلب أهل كربلاء في زيارة أمير المؤمنين (ع) في النجف. وكان والي بغداد يومها سليمان باشا الكبير ، ووالي كربلاء عمرآغا ، وكان غائباً عن كربلاء ، وقيل إنه تواطأ مع الوهابية ، ولذلك لم تدافع الحامية التركية عن البلد. وكان المهاجمون بقيادة محمد بن سعود ، وعددهم نحوألفين ، فدخلوا البلد بدون مقاومة تقريباً ، وعند دخولهم المدينة تعالت أصواتهم : أقتلوا المشركين! وقتلوا من صادفوه ، وهدموا قبر الحسين (ع) وسرقوا تحفه وذهبه ، وقلعوا القضب المعدنية والسياج والمرايا ، ونهبوا النفائس من هدايا الباشوات والأمراء والملوك ، والشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة ، وكل ما وجدوا فيها ، وقيل إن من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة ، وعشرين سيفاً محلاة بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة ، وأوانٍ ذهبية وفضية ، وفيروزاً وألماساً ، وغيرها. وقتلواقرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح الشريف ، وخمس مائة في الصحن الشريف ، ولم يرحموا شيخاً ولا طفلاً.

وقدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة ، وقدرهم آخرون خمسة أضعاف ذلك.

ولم يلبثوا فيها إلا ضحوةً ، وخرجوا من كربلاء قرب الظهر ، حاملين تلك الأموال ، المنهوبة من حرم الحسين (ع) ومن بيوت المسلمين!

٢. وبعد هذه الحادثة هاجم الوهابيون النجف مرات ففشلوا في اقتحامها ، وهاجموا كربلاء ثانية ففشلوا أيضاً. قال السيد الأمين في كشف الإرتياب / ٢٠ : « وفي سنة ١٢١٦ ، جهز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي ، جيشاً عظيماً من أعراب نجد ، وغزا به العراق وحاصر كربلاء ، ثم دخلها عنوة وأعمل في أهلها السيف ، ولم ينج منهم إلا من فر هارباً ، أواختفى في مخبأ ، أوتحت حطب ونحوه ، ولم يعثروا عليه .. وهدم قبر الحسين (ع) واقتلع الشباك الموضوع على القبر الشريف ، ونهب جميع ما في المشهد من الذخائر ولم يرعَ لرسول الله (ص) ولا لذريته حرمةً ، وأعاد بأعماله ذكرى فاجعة كربلاء ويوم الحرة ، وأعمال بني أمية والمتوكل العباسي. ويقول أهل العراق وهم أعلم بما جرى في بلادهم : إنه ربط خيله في الصحن الشريف ، وطبخ القهوة ودقها في الحضرة الشريفة!

وقال العلامة السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة ، وفي عصره كان غزوهم للعراق : إن سعوداً الوهابي الخارج في أرض نجد ، اخترع ما اخترع في الدين ، وأباح دماء المسلمين وتخريب قبور الأئمة المعصومين (ع) ، فأغار في السنة المذكورة على مشهد الحسين (ع) وقتل الرجال والأطفال ، وأخذ الأموال وعاث في الحضرة المقدسة ، فأفسد بنيانها وهدم أركانها.

قال : وفي الليلة التاسعة من شهر صفر سنة ١٢٢١ قبل الصبح هجم علينا سعود الوهابي في النجف ونحن في غفلة ، حتى أن بعض أصحابه صعد السور وكادوا يأخذون البلد ، فظهرت لأمير المؤمنين (ع) المعجزات الظاهرة والكرامات الباهرة ، فقتل من جيشه كثير ورجع خائباً.

قال : وفي جمادى الآخرة سنة ١٢٢٢ جاء الخارجي الذي إسمه سعود إلى العراق بنحومن عشرين ألف مقاتل أوأزيد ، فجاءت النذر بأنه يريد أن يدهمنا في النجف الأشرف غيلة ، فتحذرنا منه وخرجنا جميعاً إلى سور البلد ، فأتانا ليلاً فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور بالبنادق والأطواب.

فمضى إلى الحلة ، فرآهم كذلك. ثم مضى إلى مشهد الحسين (ع) على حين غفلة نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور ، وقتل منهم وقتلوا منه ، ورجع خائباً ، وعاث في العراق ، وقتل من قتل.

قال : وفي سنة ١٢٢٥ أحاطت الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف الأشرف ومشهد الحسين (ع) ، وقد قطعوا الطريق ، ونهبوا زوار الحسين (ع) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان ، وقتلوا منهم جماً غفيراً وأكثر القتلى من العجم ، وربما قيل إنهم مائة وخمسون ، وبقي جملة من الزوار في الحلة ، ما قدروا أن يأتوا إلى النجف كأنها في حصار ، والأعراب ممتدة من الكوفة ، إلى فوق مشهد الحسين (ع) بفرسخين أوأكثر ».

أقول : مصادر هذه الغارات الوهابية كثيرة : ومنها سجلات الخلافة العثمانية ، والإنكليز الذين كانوا وراء الوهابية! 4 .

٣. يتبجح الوهابية بوقاحةٍ الى يومنا بأنهم هاجموا كربلاء وهدموا قبر الحسين صلوات الله عليه! ويسمونها غزوة الإمام محمد بن سعود لكربلاء!

وقد كتب أحدهم : « وقفة مع غزوة كربلاء ، واغتيال الإمام العادل الزاهد عبد العزيز بن محمد بن سعود : قال العلامة المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر الناصري التميمي رحمه الله تعالى : ثم دخلت السنة السادسة عشرة بعد المائتين والألف ، وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة ، والخيل والعناق المشهورة ، من جميع حاضرة نجد وباديتها ، والجنوب ، والحجاز ، وتهامة ، وغير ذلك ، وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين رضي الله عنه. وذلك في ذي القعدة ، فحشد عليها المسلمون ، وتسوروا جدرانها ، ودخلوها عنوة ، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت ، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين رضي الله عنه. وأخذوا ما في القبة وما حولها ، وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر ، وكانت مرصوفة بالزمرد والياقين والجواهر. وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال ، والسلاح ، واللباس ، والفرش ، والذهب والفضة ، والمصاحف الثمينة ، وغير ذلك ، ما يعجز عنه الحصر ، ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة ، وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال ، وقتل من أهلها قريب ألفي رجل. ثم إن سعود ارتحل منها على الماء المعروف بالأبيض المعروف فجمع الغنائم ، وعزل أخماسها ، وقسم باقيها في المسلمين غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ، ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه » 5.

أقول : هذا المنطق غايةُ الصلف والتبجح بجريمة لا تبرير لها شرعاً ولا قانوناً! لكنهم الوهابية أبناء بني أمية ، يفعلون الجرائم ولا يخجلون ، بل يفتخرون بها!

٤. وعلى أثر مهاجمة كربلاء تمكن أحد الشيعة الذي قتل الوهابية ابنه فيها ، أن ينتقم من أميرهم عبد العزيز بن محمد بن سعود ، ويقتله في مقره في نجد!

قال المدعو : ابن بشر ، في تاريخ نجد : « ثم دخلت السنة الثامنة عشرة بعد المائتين والألف ، وفي هذه السنة في العشر الأواخر من رجب قُتل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية ، وهوساجد أثناء صلاة العصر. انقض عليه رجل قيل إنه كردي من أهل العمارية بلد الأكراد المعروفة عند الموصل ، ادعى أن إسمه عثمان أقبل من وطنه لهذا القصد محتسباً ، حتى وصل الدرعية في صورة درويش وادعى أنه مهاجر ، وأظهر التمسك والطاعة ، وتعلم شيئاً من القرآن ، فأكرمه عبد العزيز وأعطاه وكساه ، وطلب الدرويش منه أن يعلمه أركان الإسلام ، وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها مما كانوا يعلمونه الغريب المهاجر إليهم ، وكان قصده غير ذلك. فوثب عليه من الصف الثالث والناس في السجود ، فطعنه في خاصرته أسفل البطن بخنجر معه قد أخفاه وأعدها لذلك ، وهوقد تأهب للموت ، فاضطرب أهل المسجد وماج بعضهم في بعض ، ولم يكن يدرون ما الأمر ، فمنهم المنهزم ، ومنهم الواقف ، ومنهم الكار إلى وجهة هذا العدوالعادي ، وكان لما طعن عبد العزيز أهوى على أخيه عبد الله وهوإلى جانبه وبرك عليه ليطعنه ، فنهض عليه وتصارعا ، وجرح عبد الله جرحاً شديداً ، ثم إن عبد الله صرعه وضربه بالسيف وتكاثر عليه الناس وقتلوه ، وقد تبين لهم وجهة الأمر.

ثم حمل الإمام إلى قصره وقد غاب ذهنه وقرب نزعه ، لأن الطعنة قد هوت إلى جوفه فلم يلبث أن توفي بعدما صعدوا به إلى القصر. رحمه الله تعالى وعفى عنه. واشتد الأمر بالمسلمين وبهتوا ، وكان ابنه سعود في نخله المعروف بمشيرفه في الدرعية فلما بلغه الخبر أقبل مسرعاً واجتمع الناس عنده ، وقام فيهم ووعظهم موعظة بليغة ، وعزاهم فقام الناس وبايعوه خاصتهم وعامتهم وعزوه بأبيه. ثم كتب إلى أهل النواحي نصيحة يعظهم ويخبرهم بالأمر ويعزيهم ، ويأمرهم بالمبايعة. وكل أهل بلد وناحية يبايعون أميرهم سعود فبايع جميع أهل النواحي والبلدان ، وجميع رؤساء قبائل العربان ولم يختلف منهم اثنان ، ولا انتطح عنزان. إن هذا الدرويش الذي قتل عبد العزيز من أهل بلد الحسين رضي الله عنه : رافضي خبيث ، خرج من وطنه لهذا القصد بعد ما قتلهم سعود فيها ، وأخذ أموالهم كما تقدم ، فخرج ليأخذ الثأر ، وكان قصده سعود فلم يقدر عليه ، فقتل عبد العزيز ، وهذا والله أعلم أحرى بالصواب ، لأن الأكراد ليسوا بأهل رفض ، ولا في قلوبهم غل على المسلمين » 6 .

أقول : رحم الله ذلك الشهيد الذي خطط وتلطف في أمره وحمل روحه على كفه ، حتى جاءت ساعة الثأر لرسول الله (ص) وسبطه الحسين (ع) وللمؤمنين المغدورين في حرمه فتقدم من رأس النواصب وطعنه متقرباً بذلك الى الله تعالى.

ثم قتل شهيداً بيد النواصب ، فحشره الله مع نبيه وأهل بيته الذين بذل فيهم مهجته 7 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى